مازال ملف قضية واقعة اقتحام منزل بمنطقة قبلاط من ولاية باجة والاعتداء على امرأتين والتسبب في وفاتهما واختطاف طفلة قاصر لم تتجاوز 15 سنة وتحويل وجهتها واغتصابها لم يبح بأسراره خاصة بعد صدور التقارير الطبية التي نفت تعرض الطفلة لأي اعتداء جنسي، وربما ما زاد من»غموض الملف» وتعقيده هو وفاة والدة الطفلة منذ يومين والتي تمت مواراتها الثرى في مقبرة سيدي نصر بمعتمدية قبلاط من ولاية باجة، بعد أن توفيت جدتها منذ أيام قليلة لتصبح الطفلة بلا سند ولا عائل. ما مصير الطفلة الضحية؟ سعيا لمعرفة الحالة الصحية والنفسية للطفلة المتضررة ومصيرها بعد استيفاء العلاج النفسي والصحي، اتصلت «الصباح» بالمندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي الذي ذكر أنه تم التكفل بالطفلة المتضررة منذ تاريخ إشعارهم بالحادثة وما تعرضت له من اعتداء، مضيفا أن التكفل كان بشكل مستمر ومتواصل طوال الفترة السابقة التي قاربت الشهر. وأشار حمادي أن هناك في المقابل بعض الإجراءات بصدد القيام بها وتتعلق بالتمدرس ذلك أن الطفلة كانت تزاول تعليمها بالسنة السابعة أساسي وكذلك إجراءات أخرى تتعلق بالإحاطة النفسية والرعاية العائلية أو المؤسساتية التي تم أخذها بعين الاعتبار، مشددا على أن الموضوع محل متابعة بشكل متواصل حتى بعد خروجها من المؤسسة الصحية على اعتبار أن حالتها التي تتطلب الإلمام بكل الجوانب وعدم إغفال أي واحد منها، وبالتالي فان الطفلة ستبقى تحت مسؤولية مندوبية حماية الطفولة بوصفها طرفا لحمايتها كطفلة ضحية لما تعرضت له من فقدان لوالدتها وجدتها وكذلك تحت مسؤولية الجهات المتداخلة. وحول مصيرها وإيوائها أوضح المندوب العام للطفولة بأنه إلى حد الآن لم يقع اتخاذ القرار النهائي لتحديد مكان لإيوائها باعتبار أن لهم مسؤولية لتأمين كل أشكال الحماية لها وتأمين مكان إقامتها لان الأمر ليس متعلقا بقرار من المشرفين على حماية الطفولة وإنما هو قرار وجب أن يصدر عن قاضي الأسرة الذي ينظر الى الوضعية ويبت فيها ثم يصدر قراره. وأكد أن عملية إيواء الطفلة لن تخرج عن ثلاث فرضيات إذ أن إيواءها سيكون إما بإحدى المؤسسات التابعة للدولة أو مؤسسة تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن وربما في مرحلة لاحقة لدى العائلة الموسعة وهذا القرار سيتخذ في اقرب الآجال. لدفاع المتهمين رأي آخر في المقابل وسعيا لمعرفة مزيد المعطيات حول الملف الذي أثار جدلا كبيرا لدى الرأي العام فضلا عن وضعية المتهمين البالغ عددهم ثمانية (أربعة بحالة إيقاف و4 بحالة سراح) بعد وفاة كل من الجدة والأم حاولنا الاتصال بهيئة الدفاع عن الطفلة المتضررة ولكننا لم نتمكن من ذلك في حين خصّتنا محامية المتهمين الأستاذة ريم غربال الداهش بمعطيات كشفتها التحريات الأولية في ملف القضية بالإضافة الى أقوال الطفلة المتضررة. غموض.. أفادتنا محامية المتهمين الثمانية المتورطين في أنه لا يوجد أي دليل مادي أو شهادة شهود يمكن أن تدين المتهمين معتبرة أن الدليل الوحيد الذي جعل أصابع الاتهام تتجه نحوهم تصريحات الطفلة المتضررة التي أدلت بأسمائهم وتورطهم في عملية الاعتداء والاختطاف، حيث وردت تصريحاتها - وفق محدثتنا- «متضاربة وتحمل في طياتها الكثير من المغالطات وهو ما أثبتته النتائج العلمية من خلال الفحوصات الطبية التي أجريت عليها حيث بيّنت التقارير الطبية أنها لم تتعرض لأي اعتداء جنسي مهما كان نوعه مثلما أشارت إليه الطفلة فضلا عن أن شهادة الشهود الذين تم الاستماع إليهم أكدوا أنها لم تكن متواجدة بحفل الختان مثلما ذكرت ضمن تصريحاتها، وحتى اسمي المتهمين اللذين ذكرتهما والتي ادعت أنهما كانا متواجدين بالحفل نفاه صاحب الحفل الذي أكد أنهما لم يكونا حاضرين. اتهام.. قالت محامية المتهمين إن الطفلة ادعت أيضا أنها تعرضت للاغتصاب ووصفت ما تعرضت له وصفا دقيقا وكيف تداول عليها جملة المتهمين وكيف قاموا بمواقعتها لتثبت بعدها التقارير الطبية أنها لم تتعرض للاغتصاب أو للفاحشة أو لأي نوع من أنواع الاعتداء الجنسي، وحتى آثار العنف التي كانت بأنحاء متفرقة من جسدها فانه ليس عنفا ناجما عن عملية تداول ثمانية أشخاص على اغتصاب طفلة لم تتجاوز 15 سنة من عمرها وتعنيفها بل إن تلك الآثار هي مجرد خدوش بسيطة قد تكون ناتجة عن الأعشاب والأغصان اليابسة بالمكان التي وجدت فيه على مقربة من وادي وفق قول محامية المتهمين. مواجهة.. أكدت الأستاذة غربال أنه عند مجابهة الطفلة بنتائج التقارير الطبية صرّحت بالقول»إنه خيّل إليّ أنه تمت مواقعتي أو اعتدي عليّ جنسيا»، وهو ما اعتبرته الأستاذة غربال أمرا خطيرا إذ لا يعقل أن يستند ملف القضية على مجرد «مخيلة» للطفلة وهو ما يطرح وفق قولها تساؤلا كبيرا وهاما حول بقية تصريحاتها التي أدلت بها والتي بالإمكان أيضا أن تكون مجرّد تخمينات وتحمل الكثير من المغالطات. تضارب.. صرحت المتضررة وفق ما افادتنا به محامية المتهمين أنه بتاريخ الحادثة وتحديدا عند منتصف اللّيل تعرضت هي ووالدتها وجدّتها للاعتداء من قبل مجموعة المتهمين مدلية بأسمائهم جميعا ذاكرة أن من بادر بالاعتداء عليها هو عون الأمن حيث قام بجرّها من شعرها، في المقابل أثبتت التسجيلات وكاميرات المراقبة التابعة لوزارة الداخلية أن عون الأمن المذكور كان بتاريخ الحادثة متواجدا بمركز الأمن الوطني ببوعرادة الذي غادره عند منتصف الليل و25 دقيقة تقريبا متجها إلى مسقط رأسه أي أنه حين وقوع الحادثة كان العون متواجدا بمقر عمله ويهم بالمغادرة. القضية اللّغز.. قالت الأستاذة غربال يوجد «سر كبير» وراء الطفلة المتضررة حيث طالبت بإعادة استدعائها للتحري معها أمام قاضي التحقيق للإدلاء بحقيقة ما حصل لأن ما روته من تصريحات لا يستقيم من الناحية الواقعية وفق قولها مطالبة السلطات القضائية السعي لمعرفة حقيقة ما حصل تلك الليلة. واعتبرت أن سر ومفتاح القضية عند الطفلة ورجّحت أنها تملك عدة معطيات أخفتها ولم تدل بها للسلطات القضائية وأنها تتستر على عديد المعطيات التي من شأنها أن تفك «شفرات» و«لغز» القضية. مطالب إفراج.. حول مزيد تعقيد وضعية منوبيها خاصة بعد وفاة الجدة والأم أكدت الأستاذة غربال أنه فعلا تقلصت حظوظهم لكن لديها أمل في القضاء مطالبة بالإفراج عن جملة منوبيها بقوة القانون لأنه لا وجود لأي دليل قاطع يورطهم خاصة وان العقوبات التي تهددهم تصل للإعدام والسجن مدى الحياة والسلب من جميع الحقوق المدنية، مطالبة بتفعيل وجدان القضاء وتطبيق القانون خاصة وأن القانون الجزائي تكون الإدانة فيه مبنية على اليقين لا على الشك والتخمين. التهم التي يواجهها المتهمون يشار إلى أن التهم الموجهة لجملة المتهمين المتورطين في القضية تتعلق إجمالا بالقتل العمد والقتل المقترن بجريمة أخرى وتكوين وفاق قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص وتحويل وجهة قاصر سنها دون 18سنة. وللإشارة فإن المتهمين يواجهون تهمة القتل العمد في قضيتين منفردتين تتعلقان بقتل الجدة وقتل والدة الطفلة. وكنا في مقال سابق نشرنا رأيا قانونيا للأستاذ مختار الجماعي حول التهم التي وجهت للمتهمين والعقوبات التي تنتظرهم وفي هذا السياق نوردها باختصار شديد، حيث كان أكد الأستاذ الجماعي أن الجريمة المرتكبة هي جريمة مركبة فيها الاعتداء بالعنف الشديد والقتل العمد والفرار بقاصر وتحويل وجهة والاغتصاب وعديد الافعال الأخرى القابلة لتكييفات متنوعة، ما جعل الدعوة تتسارع دون تردد إلى إصدار أحكام بالإعدام قبل المحاكمة. وأضاف الأستاذ الجماعي أنه مع ذلك فان الرأي المتربص يدعو إلى التريث قصد ضمان المحاكمة العادلة فالنصوص موضوع الإحالة افتراضيا تصل الأحكام فيها إلى الإعدام عملا بالفصل227 و227 مكرر من المجلة الجزائية والإعدام هو أشد العقوبات الشرعية قسوة حيث أحاطه المشرع التونسي بمجموعة من الضمانات لعل منها إجماع الهيئة الحاكمة (الدائرة الجنائية) عليه. وتمسك محدثنا بالقول»إننا في إطار جريمة مركبة غير بسيطة لان القول بثبوت الاعتداء الجنسي يفرض على باحث البداية إجراء الاختبارات العلمية لتحديد الفاعل الأصلي من مجموع المتهمين بما ترسب من بقايا موكول للطب الشرعي تحديد أصحابها وتحديد الفاعل من غيره». وأضاف «بأن هذه الجريمة على بشاعتها لا يمكن أن تكون سببا في التخلي عن خيار تأسيس الإجراءات الجزائية على احترام شروط المحاكمة العادلة فهي مكسب ثوري هو الكفيل بضمان مبدأ شخصية العقاب التي تأخذ بثلاثة معايير أولها ثبوت ارتكاب المجرم للجريمة قبل تسليط العقاب عليه وثانيا التناسب بين الجريمة والعقاب وثالثا التريث في إصدار الأحكام».