لا تزال تداعيات الإشكال المتعلق بقرار والي قبلي بمنع مواصلة تصوير الشريط السينمائي الطويل للمخرج مهدي البرصاوي والمنتج الحبيب بن عطية تلقي بظلالها على المشهد الثقافي والسينمائي بشكل خاص وفي الأوساط الاجتماعية والإبداعية مما أحدث «رجة» لدى المنتصرين لمكسب «حرية التعبير» بالأساس خوفا من العودة إلى مربع القمع و»الصنصرة» والتدخل والتحكم في كل ما له علاقة بالإبداع السينمائي خاصة والثقافي والفني بشكل عام. فبعد مضي أسبوع تقريبا على هذه الحادثة ورغم تحرك عديد الجهات ل«حلحلة» الإشكال ووضع حد لنزيف الأزمة وتداعياتها ماديا واجتماعيا لاسيما في ظل حالة الاحتقان الكبيرة التي خلفتها في الأوساط الثقافية، باعتبار أن هذا الفيلم هو مدعم من وزارة الشؤون الثقافية، فإن إشكال منع التصوير لا يزال قائما. في هذا السياق اكد الحبيب بن عطية منتج الفيلم أنه سيحول الأمر إلى القضاء وذلك برفع قضية لدى المحكمة الإدارية باعتبار أن الفيلم تحصل على تراخيص من الجهات المعنية وهي كل من وزارات الشؤون الثقافية الجهة الممولة للفيلم والداخلية والتربية والتعليم والصحة لأن الفيلم سيصور بعض مشاهده بفضاءات قديمة تابعة للوزارتين الأخيرتين بقصر غيلان التابعة لولاية قبلي وتنقل فريق الفيلم إلى الجهة وتم تنصيب الديكور لكن والي الجهة تمسك برفضه تصوير هذا الفيلم. ويذكر أن عدة وسائل إعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تناقلت في بداية هذا الأسبوع مداخلات إذاعية وتلفزية لسامي الغابي والي قبلي علل فيها سبب اتخاذ قرار منع تصوير هذا الفيلم برفضه «رفع راية داعش مقابل إنزال العلم التونسي كمشهد في الفيلم». فيما نفى مخرج ومنتج الفيلم هذا الأمر مؤكدين أنه لا توجد أية مشاهد من هذا القبيل لأن الفيلم يتناول أحداثا وقضايا ومظاهر خاصة بسنة 2011 ولا علاقة لها ب«داعش». وقد وجدت هذه المسألة تفاعلا واسعا من هياكل مهنية وقطاعية ونشطاء في المجتمع المدني عبرت عن استنكارها لتدخل الوالي في المنتج الإبداعي من ناحية ورفض هذه الهياكل والناشطين المدنيين عودة «الصنصرة» والتبشير بسياسة قمع الحريات خاصة إذا تعلق الأمر بالإبداع. اللجوء الى القضاء منتج الفيلم عبر عن استنكاره لما وصفه بالتدخل في هذا العمل الإبداعي من ناحية نافيا أن تكون للفيلم علاقة بما يروج له والي قبلي. وأكد أن تداعيات قرار المنع هذا كلف شركتي الانتاج خسائر مالية تقدر بمئات الملايين. وأضاف في نفس السياق قائلا: «لا يمكن الاستهانة بمثل هذه القرارات المبنية على المغالطات نظرا لمخلفاتها وتداعياتها السلبية على أكثر من صعيد، فمن ناحية هناك مغالطة للرأي العام حول محتوى هذا الفيلم فضلا عن الخسائر المالية التي كلفتنا مئات الملايين باعتبار أن هذا التصوير يشغل أكثر من 120 عاملا بقطع النظر عن الفريق الفني والممثلين المشاركين في الفيلم. إضافة إلى الإساءة التي ألحقت بهذه الجهة كوجهة لتصوير الأفلام واحتضان غيرها من الأنشطة والتظاهرات الثقافية والفنية العالمية بما يضر بصورة تونس ويساهم في عزوف الاستثمار هناك». كما أفاد محدثنا أن ضرب مواعيد عديدة مع والي الجهة من أجل اتمام الإجراءات المتعلقة بالتصوير وذلك بالإمضاء على تعهد يعيد فريق الانتاج بموجبه الفضاءات المستغلة بقصر غيلان إلى شكلها الذي كانت عليه قبل الاستغلال للتصوير لأن متطلبات المشهدية السينمائية تطلبت إدخال تحوير على شكلها بإضافة ديكور جديد. في جانب آخر من حديثه حول نفس المسألة أكد الحبيب بن عطية أن تعطل التصوير يضطره ليرفع قضية لدى المحكمة الإدارية لأنه لا يتحمل مسؤولية الخسائر المالية الفادحة المترتبة عن هذا القرار خاصة أن الفيلم مدعم من وزارة الشؤون الثقافية. في المقابل يتواصل صمت الجهات الرسمية المعنية رغم مناشدة الجهات المنتجة لهذا العمل السينمائي التدخل باعتبار أن هذا الفيلم الذي تلقى دعما من وزارة الشؤون الثقافية هو إنتاج تونسي فرنسي مشترك. فضلا عن موافقة الجهات الأخرى المعنية على العمل بمنحه تراخيص الموافقة على التصوير واستغلال بعض الفضاءات التابعة لها. وقد حاولت «الصباح» الاتصال بوالي قبلي أكثر من مرة لمعرفة السبب الحقيقي لقرار منع تصوير هذا الفيلم ومدى تفاعله مع ما أثاره من جدل ومواقف تستنكر التدخل في الأعمال الإبداعية ولكن لم تتحصل على إجابة. وزارة الثقافة تتدخل.. لكن وعلمت «الصباح» من مصدر مؤكد أن وزارة الشؤون الثقافية تدخلت من أجل إيجاد حل لهذه المشكلة باعتبار أن نفس الجهة كانت قد منحت الفيلم موافقة على الانتاج والدعم والتصوير. وذلك من خلال تدخل محمد زين العابدين بشكل ودي مع الجهات المعنية من أجل غلق ملف الخلاف ومواصلة التصوير. وينتظر أن يلتقي فريق الانتاج ووالي الجهة خلال هذه الأيام من أجل تجاوز الإشكال. دعاية وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفيلم يحمل عنوان «الإبن» أو «عزيز» ويطرح علاقة الإبن بالأب من خلال حادثة جدت سنة 2011 ويعرج على قضايا اجتماعية وثقافية أخرى. وهو فيلم روائي طويل يشارك في التمثيل فيه كل من التونسي المقيم بالمهجر سامي بوعجيلة ونجلاء بن عبدالله وصلاح مصدق ومحمد علي بن جمعة ونعمان حمدة وغيرهم. وينتظر أن يكون جاهزا للعرض في منتصف العام القادم. ولعل ما رافق عملية التصوير من أحداث وتداعيات يعد عملية دعائية خادمة لهذا العمل.