بعد أسبوعين على اختفائه ومع تواتر التصريحات والتصريحات المضادة بين التسريبات التركية التي رجحت النهاية البشعة للصحفي السعودي في مقر قنصلية بلاده وبين النفي السعودي الرسمي والإصرار على براءة المملكة من أي مكروه قد يكون لحق الرجل, خرجت عائلته ولأول مرة مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لكشف الحقيقة وعززت هذا الطلب قيادات دولية وأممية طالبت بهذا التحقيق.. وهي مطالب لا يمكن للسلطات الرسمية السعودية أن ترفضها أو تتنصل منها أمام حجم الغموض الحاصل وغياب أي أثر للخاشقجي.. وبعد تسع ساعات كاملة للمحققين الأتراك داخل القنصلية السعودية استمر الصمت الرسمي التركي فيما عززت تصريحات الرئيس اردوغان احتمالات النهاية البشعة لخاشقجي حيث قال الرئيس التركي ان مواقع في القنصلية أعيد طلاؤها ... وقبل ذلك فقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدورها لتؤكد الاحتمال بشأن تصفية خاشقجي حين قال امام الصحفيين بأن الرجل قد يكون قتل على يد مارقين مؤكدا أن الملك سلمان يجهل مصير مواطنه خاشقجي.. وجاء الإعلان عن ايفاد ترامب وزير خارجيته للقاء الملك السعودي سلمان ليؤكد أن في ملف خاشقجي ما لا يمكن التعامل معه عن بعد وأن لقاء بين وزير الخارجية الأمريكية والملك السعودي لا يمكن تأجيله وهو ما تم تأكيده بالأمس.. والملاحظ انه غلبت لغة الديبلوماسية على زيارة بومبيو المستعجلة والاستقبال الفاخر الذي حظي به في المملكة والإصرار على اللغة الخشبية ذاتها التي يلجا إليها الديبلوماسيون في كل الأوقات في الأزمات أو خارجها للتأكيد عمق العلاقات التاريخية بين الجانبين وأن ملف خاشقجي لن يؤثر فيها.. وهو طبعا ما يصلح للتسويق للرأي العام وتجنب مزيد الإحراجات في الداخل والخارج... الملاحظة التالية أن الصور التي ظهر فيها وزير الخارجية الأمريكي كان صحبة الملك سلمان ثم وزير الخارجية السعودي الجبير ولم يتم نشر صور له مع ولي العهد محمد بن سلمان الذي يتقدم المشهد في المملكة منذ فترة ويقدم تصوراته للإصلاحات المستقبلية في المملكة ... وفي ظل التعتيم والتكتم يبقى الأرجح أن خاشقجي دفع ثمن عقلية فجة لا قيمة فيها للحياة البشرية ناهيك عن قيم الحرية والكرامة والعدالة التي يتعين أن تكون الفيصل والحكم في كل الأديان والأعراف والتقاليد والقوانين الوضعية والسماوية في كل الجرائم والتجاوزات ... الأرجح أيضا أن في تصريحات الرئيس الأمريكي شيء من الحقيقة عندما يقول ان العاهل السعودي لا يعلم شيئا عن مصير خاشقجي، وأنه لم يتوقع أن يقدم أحد على اغتياله بتلك الطريقة التي كشفتها تسريبات صحفية يبدو انه تم التقاطها عبر ساعته اليدوية في هاتفه النقال الذي ظل بحوزة خطيبته.. وإذا استبعدنا نية الإساءة المسبقة لخاشقجي والتخطيط المسبق لتصفيته فقد تكون عملية التحقيق التي تعرض لها خاشقجي تحولت في لحظة من اللحظات إلى استفزاز وعنف انتهى بالقضاء عليه على طريقة الأفلام السينمائية الهوليودية التي وجدت فيها الكثير من الأنظمة الدكتاتورية في مختلف أنحاء العالم ما أوحى لها بكيفية التخلص من معارضيها ... لغز خاشقجي سيظل قائما وربما يتم طي الملف والتعويل على إنهاك الذاكرة والاستعاذة عن الحقيقة بتحويل وجهة القضية نحو عقد صفقات جديدة تلبي طلبات الرئيس ترامب الذي ما لا يكاد يفوت الفرصة دون الحديث عن الإمكانيات الرهيبة والثروات الكبيرة للملكة وعن الحماية التي يوفرها للعائلة الحاكمة ... يبقى الأكيد الى هنا أننا لم نخرج عن إطار الافتراضات والسيناريوهات المحتملة التي لا يمكن الا لظهور خاشقجي أو العثور على جثته إنهاءها لتكذيب ما يروج عن تصفيته وقطعه إربا ... وفي الانتظار يبقى التشويق سيد المشهد في قضية يبدو ان الكثيرين يتجنبون التعرض لها علنا خوفا من رد الفعل السعودي وهي القضية التي من شأنها أيضا أن اسقط الكثير من الأقنعة وتكشف حجم الرياء والنفاق عندما يتعلق الأمر بالمفاضلة بين القيم وبين الصفقات .. فهل كان خاشقجي يمثل فعلا خطرا على النظام وهل يمكن أن يكون مصدر إزعاج يهدد عرش المملكة وخياراتها وتوجهاتها ومصالحها؟ وهل كان كتم صوته نهائيا اقل خطرا من بقائه على الحياة؟ الأكيد أنه لا شيء يؤكد أن للرجل وزن خارق في الداخل او الخارج ولكن الأكيد أن الأمر سيتغير بعد اختفائه نتمنى فعلا ألا تكون للمملكة علاقة بما حدث للخاشقجي وأن تكون نهاية التحقيقات منعرجا جديدا نحو القطع مع سياسة التشفي والحكم بإفناء وتصفية كل معارض سياسي أو ناشط أو ناشطة أو مفكر أو مثقف أو أديب أو شاعر أو كاتب لا تستساغ أفكاره وأشعاره وكلماته وصوره ..