خمسة أحداث سياسية عاشتها الساحة الوطنية خلال ال48 ساعة المنقضية، فقد اختتمت حركة النهضة اجتماع إطاراتها بعد نحو يومين من النقاشات حول مسائل تهم التوافق والتحوير الوزاري وعلاقة الحركة ببقية تشكيلات المشهد، كما كان اجتماع المكتب السياسي لحركة مشروع تونس حدثا سياسيا خاصة وأنه يأتي في توقيت يستعد فيه رئيس الحكومة لعرض مشاوراته بشأن التحوير الوزاري مع الأحزاب الفاعلة والمنظمات الوطنية، كما لم يخرج نداء تونس عن مجالات الاهتمام السياسي بعد بيان «عشية الأحد» متناولا فيه بالنقاش مسائل تهم حركة النهضة وعلاقتها برئيس الحكومة وهو ما أثار ردود أفعال ساخرة ضد البيان من حيث الشكل والمضمون. كما لم يكن الشق المناهض للانصهار الحاصل بين نداء تونس والاتحاد الوطني الحر بمعزل عن أحداث ال48 ساعة الأخيرة وذلك بعد البيان الحاد الصادر عن 10 تنسيقيات جهوية للنداء. من جهته عاد الحزب الجمهوري ليطفو على الساحة السياسية إثر اجتماع حاشد بجهة صفاقس والذي قدم فيه الحزب مقترحاته بشأن المرحلة القادمة وإعلان استعداداته لخوض الانتخابات القادمة بقائماته الحزبية. التوافق.. التحوير الحكومي.. قائد السبسي لم تكن كلمة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الافتتاحية لملتقى الإطارات موجهة الى ابناء الحركة بقدر ما كانت موجهة الى خصومه السياسيين من نداء تونس والجبهة الشعبية وغيرهما من الأحزاب. كلمة الغنوشي عادت لتؤكد على أهمية الاستقرار الحكومي والسياسي، وقال في هذا السياق ان «البلاد في حاجة إلى الاستقرار الحكومي بما هو أولوية لتحسين الأداء الحكومي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وفي ملف الإصلاحات الكبرى ومقاومة الفساد». واعتبر رئيس الحركة انها «عملت على تثبيت التوافق والتشارك كخيار استراتيجي يشمل كافة القوى الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والمحافظة على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة ومواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة لاستكمال الشروط الضرورية للشراكة ومواصلة الحوار والتعاون مع المنظمات الوطنية ومنها خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري». كما اكد الغنوشي «ان موقفنا من التوافق نابع من إرادة لتدعيم المسار، لا القطيعة أو التنكر لعلاقتنا برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي نحيّي دوره الأساسي في الانتقال الديمقراطي والتصدي لمخططات الفتنة عبر خيار التوافق والعيش المشترك بين التونسيين». وبشأن التحوير الحكومي، قال نائب رئيس الحركة على العريض «ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد، شرع بعد في الاتصال بالأحزاب التي قد تكون ممثلة في الحكومة بعد تحويرها، ومن بينها حركة النهضة التي قدمت مقترحاتها في الصدد»، مرجحا أن يتم غلق هذا الملف قريبا، خلال الأسبوع القادم أو الذي يليه. وأضاف العريض، في تصريح أول أمس على هامش اختتام أشغال الندوة السنوية الثانية لإطارات حركة النهضة ‹›أن الانتهاء من عملية الاتصالات والمشاورات مع الأحزاب مرتبطة بالشاهد، وبمدى تقدم الاتفاق مع الأطراف الجديدة التي قد تدخل الحكومة». مشروع تونس في الحكومة الثالثة لم يكن اجتماع المكتب السياسي لحركة «مشروع تونس» بمعزل عن التشويش والإرباك الذي اعتمده حزب «نداء تونس» في محاولة لإرباك مخرجات لقاء محسن مرزوق ببقية أعضاء حزبه بعد أن أكدوا عن دعمهم لحكومة الشاهد وإمكانية المشاركة فيها وهو ما لم يرضاه نداء تونس الذي يرى في نفسه وصيا على المشروع. إرباك المشروع لم ينجح بعد ان أقر الحزب بمشاركته في الحكومة الثالثة ليوسف الشاهد، إقرار سبقته نقاشات داخلية حاول من خلالها النداء استمالة عناصر من كتلة المشروع وبعض قياداته لضرب الاستقرار الداخلي والتأثير على موقفه النهائي بما يسهم بشكل مباشر في التقليل من الحزام النيابي والسياسي لحكومة الشاهد والتي عمل حزب الرئيس ونجله على إسقاطه منذ نحو 6 اشهر. ما خرج به حزب مشروع تونس أربك بدوره حزب نداء تونس الذي لم يتوقع التحاق مرزوق بحكومة الشاهد، فخروج الأمين العام للمشروع من جبة الباجي قائد السبسي أعطى لمحسن مرزوق هامشا من الحرية في اختيار ما يناسب حزبه والمستقبل السياسي للمشروع. ذلك ان شخصية مرزوق الماكيافيلية تختلف كثيرا عن شخوص بقية الندائيين وأساسا انتهازية رضا بلحاج الذي كاد أن يضحي بحزب «تونس أوّلا» وبقية رفاقه -قبل انصهارهم مع حزب مهدي جمعة- من اجل الأمانة العامة للنداء، لكن المنصب ظل حلما لبلحاج بعد أن تسلمه سليم الرياحي بضمانات كتلة تضم 14 نائبا. تخلص مشروع تونس من تأثيرات الرئيس والعائلة حرر مرزوق ليرسم لنفسه طريقا غير ذلك الذي يراه «فخامته» وهو ما دفع بندائيين لخلق خنادق من الإشاعات أيّاما قليلة قبل التحوير وانطلاق المشاورات حول تشكيل الحكومة. النداء «يتحرش» بالنداء في الوقت الذي بدأت فيه المواقف تتضح بشأن الوضع العام للبلاد، عاد نداء تونس ليكشف مرة أخرى أنه حزب معزول. هكذا موقف ظهر أساسا في البيان الصادر أول امس، وأظهر فيه الحزب خبطه العشوائي تجاه الأحداث الوطنية، وهو ما حوله الى بيان غير مرغوب فيه حتى بين الندائيين أنفسهم وإلى مهزلة سياسية ليس من ناحية المضامين فحسب بل لأنه تضمن إمضاء «المنصهر» حديثا سليم الرياحي. فقد دعا البيان من أسماهم ب»الطيف الديمقراطي التقدمي» لتشكيل الحكومة المقبلة دون مشاركة حركة «النهضة»... نقطة أثارت سخرية بعض الندائيين أنفسهم حيث تساءلوا: مع من سنحكم بعد ان سلمنا كل شركاءنا وأصدقائنا لحركة النهضة، وحتى محسن مرزوق اختار النهضة والشاهد على أن يعود الى الحزب الأم؟». كما علق آخرون: «النداء ضعيف وغير قادر على الحكم، تجربة 4 سنوات أثبتت أننا باختيار النهضة قد ضربنا مصداقيتنا أمام الناخبين، فكيف سنحكم ولم نعد نؤثر لا داخل البرلمان ولا خارجه؟». ويدرك قادة النداء ان تجميع الطيف الديمقراطي امر غير ممكن... ذلك ان تجربة الأداء السياسي للنداء مع شركائه أثبتت غدر النداء في أكثر من مرة، وخاصة ما قام به الباجي قائد السبسي بإنهائه وإضعافه لعدد من مكونات المشهد إبان تجربة جبهة الإنقاذ او الاتحاد من أجل تونس والذي اعتمده الباجي كقنطرة للوصول الى قرطاج . ويؤكد الواقع السياسي ان نداء تونس فاقد لثقة الأحزاب وأن مسالة التجميع ماهي الا عنصرا للتحرش السياسي والا لما بقي النداء الى حد اليوم دون شركاء سياسيين. وتبدو محاولات النداء لإقناع الجبهة الشعبية بالتحرك المشترك للكشف عن الجهاز السري لحركة النهضة مسألة غير واقعية، ذلك ان «الرفاق» على بينة من انتهازية النداء في هذا الملف بالذات، ويبقى تحرك ساحة باردو دليلا قاطعا على ذلك . بالإضافة الى كل هذا، مازال نداء تونس يعاني الانقسام الداخلي، انقسام تأكد بعد التحرك الأخير لمنسقي الجهات الذين عبروا عن رفضهم للانصهار الحاصل بين حزبهم والاتحاد الوطني الحر. وقال القيادي بحزب حركة نداء تونس أنيس معزون، في تصريح ل(وات)، إن المشاركين في اجتماع اليوم يعبرون عن رفضهم القاطع لانصهار الحركة مع حزب الاتحاد الوطني الحر، وعدم رضاهم عن الطريقة الحالية لإدارة للحزب. كما أعرب عن مخاوف القواعد والتنسيقيات الجهوية والمحلية من نتائج الاستحقاقات الانتخابية القادمة (الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019) التي رجح أن تكون «كارثية على الحزب في حال تواصل الوضع الحالي». وأضاف أن القواعد والتنسيقيات الجهوية ترفض أن تكون «شهود زور على الوضع الذي آل إليه الحزب»، كما ترفض القيادة الحالية لحركة نداء تونس، مؤكدا أن قرار الحركة الانصهار مع حزب آخر لا يلزم مناضلي الحزب ولا القواعد الجهوية. وانتقد معزون ما وصفها ب»سياسة التهديد» التي تمارسها الإدارة التنفيذية للحركة على مناضليها ورفضها القبول بالرأي المخالف (في إشارة الى حافظ قائد السبسي)، معتبرا ان وضع الحركة «ليس على ما يرام وليس في أحسن حالاته اليوم». كما عبر عن أمله في أن تتجاوب القيادة التنفيذية للحزب مع القواعد الجهوية، محذرا من إمكانية اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى لم يفصح عنها في حال مواصلة سياسة الهروب إلى الأمام. فكيف للنداء ان يكون تجميعيا للعائلة الديمقراطية وهو غير قادر على تجميع شتاته وقياداته التاريخية الى انطلقت في العمل معه منذ 2012؟