حدثان بارزان سيشكلان منعطفا سياسيا نهاية هذا الاسبوع، يتعلق الأول باجتماع المكتب السياسي لحركة "مشروع تونس" والتي من المتوقع أن تصدر موقفها النهائي من أزمة الحكم في البلاد والتحوير الوزاري ومسألة المشاركة فيها بالإضافة إلى منعرج العدالة الانتقالية في علاقتها بهيئة الحقيقة والكرامة، فيما يخص الحدث الثاني حركة "النهضة" التي تعقد بداية من اليوم ندوتها السنوية حيث سيقدم رئيس الحركة كلمة وصفها نهضويون ب"المهمة" سيما وأنها ستحمل تشخيصا للواقع السياسي، وأزمة الحكم، وعلاقة الحركة بالحكومة وبرئيسها بالإضافة الى تصورات الحركة بخصوص التحوير القادم. وإذ يبدو الاتفاق بين الكتل النيابية الثلاث (122 نائبا) - ألا وهي كتلة "المشروع"، وكتلة "النهضة"، وكتلة "الائتلاف" - واضحا ومتفق الأهداف بشأن إسناد الحكومة برلمانيا وسياسيا سواء بالتصويت لها والمشاركة في المفاوضات والنقاشات وحتى الدخول إلى الحكومة، فإن ذلك لا يعد عامل "استكانة" في ظل الأزمة التي كادت تعصف ب"مشروع تونس" بعد سلسلة من الحملات الإعلامية المناهضة للحزب إثر الترويج لما سمي ب"التوافق الحاصل بين حركة النهضة ومشروع تونس"، وهو ما اعتبره الناطق الرسمي باسم "المشروع" حسونة الناصفي "حملة غير بريئة في هذا التوقيت بالذات"... توقيت عاش فيه الحزب لحظات صعبة بعد الانتشار الواسع لخبر التوافق بين "المشروع" و"نداء تونس" على خلفية اللقاء الذي جمع بين الأمين العام محسن مرزوق ورئيس مجلس شورى حركة "النهضة" عبد الكريم الهاروني. وعلى عكس تصريح الأخير الذي أقر "بهدنة إيديولوجية" بين الطرفين، فقد سارعت أطراف قريبة من "نداء تونس" الى وصف اللقاء الحاصل بين الهاروني ومرزوق ب"التوافق" وهو ما دفع ب"المشروع" إلى التأكيد وعلى لسان مرزوق نفسه أن "الصراع الإيديولوجي تم حسمه بالدستور الذي ضمن الحريات الفردية والجماعية وأقر المساواة التامة بين المرأة و الرجل وضمن حرية الضمير". وقال محسن مرزوق أول أمس في حوار له مع قناة "الحوار التونسي" ان الصراع الايديولوجي لا فائدة منه اليوم، معتبرا أن حركة "النهضة" منافس سياسي "نختلف معه، ونتنافس معه في إطار قانوني ودستوري"، وشدد على أن "حركة المشروع لم تكن متوافقة مع حركة النهضة ولن تتوافق معها وإنما تتحاور مع جميع الأطراف السياسية من أجل مصلحة البلاد". وقد سارع مرزوق و"مشروع تونس" إلى نفي العلاقة "المحرمة" مع حركة "النهضة" حتى لا تكون هذه العلاقة مدخلا لإرباك حزبه في هذا التوقيت بالذات... توقيت استعاد فيه "مشروع تونس" ثقة أنصاره ومناضليه بعد تسونامي من الاستقالات والتهديد بالانسحاب سواء من الحزب أو من الكتلة نفسها، توقيت أدار فيه مرزوق كل أشكال الحوار مع جهات مختلفة ليخلص إلى أن البقاء خارج سياق التحالفات سيعجل بنهاية الحزب. فبراغماتية المشروع دفعت به الى التحالف مع الشاهد في انتصار واضح للواقعية السياسية، حيث يدرك مرزوق تماما أن الشاهد قادر على تمرير مقترح التحوير القادم وذلك بضمانات 109 المتوفرة حاليا. كما يدرك مرزوق وقيادات حزبه أن الرهان على "نداء تونس" لإسقاط مقترح التحوير القادم أمر غير مضمون لعدة أسباب، أهمها أن "النداء" لا يملك الحد الأدنى والقوة الكافية للتأثير على التحوير رغم "التعزيزات والمدد" البرلماني الذي فرضه انصهار سليم الرياحي بحافظ قائد السبسي. ذلك أن هذا التحالف هو تحالف "ملغوم" قائم على أرضية وعنوان إسقاط حكومة الشاهد لاقتسام السلطة بعدها، والأكيد أن "كوكتيل المولوتوف السياسي" بين "النداء" و"الوطني الحر" سيأتي يوما وينفجر في وجه أصحابه. ضمانات الاستقرار دفعت مرزوق للبحث عن شركاء جددا. صحيح أنه يختلف معهم في المنهج الفكري، ولكنه يتوافق معهم حول أهداف ثابتة كالاستقرار السياسي والحكومي وهي ذات النقاط التي دعت لها حركة النهضة منذ نحو 6 أشهر، وهو كتلة "الائتلاف" منذ تأسيسها. ولأن العبرة في التجارب، فقد اختبر "مشروع تونس" هشاشة "نداء تونس" وإمكانياته القوية في التراجع عن تعهداته في آخر لحظة، فقد خضع "النداء" للتصويت على مقترح تعيين وزير داخلية جديد رغما عنه في وقت أكد فيه "حزب الرئيس" إنه لن يصوت على هذا المقترح، ليتراجع منكسرا، بعد تهديد نوابه بالانسحاب العلني خلال جلسة التصويت. ولأن الغبي هو من يلدغ من الجحر مرتين، فقد عاد النداء ليرفع "لاءاته" الثلاثة أمام الشاهد: "لا للمشاركة، لا للمفاوضات، لا للتصويت" واستعان في هذا السياق بسليم الرياحي، فإن المعطيات الأولية والتي أكدها كل من رئيس كتلة "الائتلاف" مصطفى بن أحمد والصحبي بن فرج "هي أن التصويت على الحكومة حاصل وأن مفاجأة مدوية سترافق عملية تمرير الحكومة". من جهة أخرى حاولت أطراف من داخل "النداء" التأكيد على أن محسن مرزوق لا يؤتمن جانبه وأن إمكانية التراجع عن دعمه للشاهد أمر ممكن، وهذا الأمر رد عليه القيادي أيمن البجاوي بالقول في تصريح ل"الصباح": "ستعقد حركة مشروع تونس مكتبا سياسيا موسعا غدا الاحد وانعقاده بصفة موسعة - أي علاوة على أعضاء المكتب السياسي سيحضر رؤساء الجامعات والكتاب العامين الجهويين – وذلك قصد توسيع مشاركة الآراء حول التوجهات العامة لحركة مشروع تونس في الايام القادمة". وأضاف البجاوي "إن هذا الجدل السياسي يجب أن يحسم تحت قبة البرلمان، وإن حركة مشروع تونس ستتجاوب مع المبادرة للحديث عن التحوير الحكومي، وإن توفرت الأرضية الملائمة للحكم فسنشارك في التحوير الحكومي ونحاول المشاركة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فحركة مشروع تونس حركة مسؤولة"، مشيرا إلى أنه "كان أسهل لها الوقوف على الربوة والنقد من أجل النقد لكنها ستختار طريق البناء لإصلاح ما يمكن اصلاحه هذه الرؤية العامة وسيناقش هذا القرار في المكتب السياسي الموسع لبلورة التوجه السياسي القادم للحركة". من جهتها اكدت حركة "النهضة" في بيان مكتبها التنفيذي عن "تمسكها بموقفها الداعم للاستقرار الحكومي وضرورة الإسراع بإنجاز التحوير الوزاري بما يحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي حتى تتفرغ الحكومة للاستحقاقات الوطنية واتخاذ الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية من أجل الضغط على الأسعار وتحسين عيش المواطنين". وأضاف البيان حرص الحركة "على مواصلة الحوار والتشاور مع كل الأطراف السياسية والاجتماعية ودعوتها كل الأطراف الى المشاركة في حكومة الائتلاف الوطني برئاسة السيد يوسف الشاهد". وإذا ما كان الاتفاق حاصلا سياسيا وبرلمانيا على دعم الشاهد وحكومته، فإن الضغط الحقيقي هو ذاك الذي يعيشه دعاة الإطاحة بالحكومة حيث ان تعويلهم على فرضية تراجع "مشروع تونس" أو حركة "النهضة" عن دعم الحكومة يجعل نداء تونس والوطني الحر "المنصهر" مؤخرا تحت وقع الضغط العالي... فتمرير الحكومة القادمة هو إعلان حقيقي عن نهاية الحزب وخروج الباجي قائد السبسي من الباب الصغير بعد أن قام بكل ما في وسعه لتعويض الحكومة بأخرى طيعة وهو ما فشل فيه الى حد الآن، وهكذا مسألة يعلمها نواب من كتلة النداء الذين سيشاركون نواب النهضة والمشروع والائتلاف في التصويت ب"نعم" على الحكومة الجديدة. فهل يلتجئ الباجي قائد السبسي إلى ورقته الأخيرة و"السحرية" للحيلولة دون التحوير وتوسع نفوذ الشاهد؟ خليل الحناشي