احتضنت دار الثقافة ببنزرت في نهاية الأسبوع المنقضي ندوة فكرية نظمتها دار الثقافة الشيخ إدريس بالتعاون مع ودادية قدماء معاهد بنزرت حول النسخة العربية لرواية "كريستال" للروائي التونسي جلبار نقاش، التي صدرت منذ أسابيع قليلة أي خلال شهر أكتوبر المنقضي عن دار شامة للنشر. وهو كتاب من الحجم المتوسط يمتد على 338 صفحة، قام بتعريبه محمد الصالح فليس معية ناصر الوسلاتي وفتحي عطوي اللذين قاما بالتحقيق والتدقيق. في كلمته الافتتاحية أوضح عبد الواحد عزيب أن رواية "كريستال" هي أول رواية تصدر بتونس في أدب السجون، وكان ذلك في 2011، وهي رواية باللغة الفرنسية تكشف عن الاعتقال السياسي بتونس وظروف الاعتقال القاسية التي عاشها المعتقلون السياسيون الذين ناضلوا من أجل مثلهم العليا. وأما الروائي جلبار نقاش فقد تحدث عن ظروف كتابة الرواية داخل السجن قائلا: "عندما يكون المرء داخل السجن تكون لديه أفكار، ولكن كيف يمكن تجسيدها كتابة وهو محروم من وسائل الكتابة؟ ثم كشف عن الحل كما جاء في الرواية ص 14 " لا أدري كيف تم الأمر، ولكني اكتشفت ذات يوم أن قلم الرصاص قد تجاوز كل الحواجز وكل آليات الرقابة ليستقر بقفة المؤونة ويصبح في متناول يدي داخل الزنزانة". ولكن بقيت مشكلة توفير الورق، ولكنه وجد في غلاف علب السجائر الحل. يقول في الصفحة ذاتها: "وفي لحظة وأنا أتفحص علب السجائر اكتشف فيها موردا سخيا للورق.. كل علبة تضمن لي إذن كتابة صفحتين.. كل صفحة يمكن ان تحتوي على سبعمائة كلمة". وأضاف الروائي: "في المعتقل يسعون إلى ردك إلى المستوى الصفر من الوجود، ولكن هذا القلم البسيط حمل الي السعادة، تحولت من سجين إلى إنسان حر، حر في التفكير والكتابة مع العلم أنني لا أعرف إلى اليوم كيف وصل الي ذلك القلم، ولم يخبرني أحد بذلك. وتحدث الروائي عن ظروف تعريب الرواية فبين أن عددا من الأدباء حاولوا ذلك، ولكنهم لم يصمدوا؛ إلى ان تحمل محمد الصالح فليس المهمة، وقام بها خير قيام." وفي كلمته أوضح محمد الصالح فليس في البداية صعوبة التعريب مذكرا بالقول الشائع "من ترجم خان"؛ ولذلك كان هاجس "الخيانة يخيفني ؛فأنا لا أريد تفادي الخيانة فحسب، وإنما أريد أن أعطي الكتاب البهجة، ففيه من صورنا نحن المعتقلين السياسيين آنذاك الكثير، وهو ما جعلني في علاقة محبة مع الرواية، وتعريبها كان فعل محبة كذلك والتجربة كانت رائعة جدا، والكتابة كما يقول جون كوكبو "فعل محبة"، والكتابة كانت جزءا أساسيا من معركتنا مع إدارة السجون والتي أول ما تقوم به عندما تغضب عليك تأخذ منك الأوراق والكتب والقلم. ولابد من الإشارة إلى أنني في القيام بالتعريب اعتمدت ثلاثة أشياء وهي الكتاب أولا، ومعرفتي بصاحب الكتاب ثانيا، والظروف التي عشناها سويا بالمعتقل ثالثا. ولما تكون هذه العوالم ماثلة أمامك يسهل تعاملك مع النص". الحوار الذي عقب هذا التقديم كان ثريا، ولم يخل من مقترحات وجيهة ومنها ضرورة توفير نسخ من الكتاب قبل موعد الندوة حتى تتسنى قراءته وهو ما يسهم في إثراء الحوار، ومنها الدعوة إلى تحويل هذه الرواية إلى فلم سينمائي، وهو اقتراح ثمنه الروائي جلبار نقاش.