كان نزلاء المؤسسة السجنية ببرج الرومي ببنزرت على موعد بداية الأسبوع الجاري مع العرض الأول للشريط السينمائي "سامحني" للمخرجة الراحلة نجوى سلامة، وذلك في إطار مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورتها 29، بعدما أصبح ذلك من تقاليد الإدارتين للعام الرابع على التوالي. وشهد الحدث حضورا مكثفا من الإعلاميين والممثلين والضيوف إضافة إلى عدد كبير من السجناء غصت بهم قاعة العرض الفسيحة. وعرفت أحداث الفيلم تفاعلا كبيرا من الجميع عامة، ومن المودعين خاصة؛ بما أن موضوع الشريط يتحدث عن قاض فاسد جسد دوره محمد علي بن جمعة، أصدر حكما ظلما بالسجن عشر سنوات على عالم في الآثار ولعب هذا الدور الممثل السوري عابد الفهد. وتلعب الصدفة دورها باكتشاف القاضي إثر فحص طبي أن السجين المظلوم مصاب بمرض لن يمهله أكثر من شهر لكن بعد أن أنهى العقوبة. وكان ذلك دافعا للقاضي كي يثوب إلى رشده، وفكر في أن يطلب عفوه، إلا أنه ظل مترددا. ولما توجه إليه في النهاية بعبارة "سامحني" كان الرجل ميتا. وفي حديثه إلى الإعلام إثر العرض ثمن مدير السجن العقيد رمضان العياري دور وزارة الشؤون الثقافية ومهرجان أيام قرطاج السينمائية في دعم الأنشطة الثقافية داخل المؤسسة السجنية، هذه المؤسسة التي يتعاطى بها المودعون أنشطة ثقافية مكثفة تساعدهم على تنمية المواهب وتعديل السلوك. وتقلل من نسبة العود، وقد تم تقديم بعضها خارج السجن، وإن الإعلام يلعب دورا أساسيا في إبراز ذلك. ومن الضيوف الذين كانوا في الموعد الممثل كمال التواتي الذي أسعدت اطلالته المودعين. وفي تصريحه ل"الصباح" ثمن التواتي هذه التجربة في دورتها الرابعة مؤكدا إعجابه بمسرحية "الوجيعة" التي قدمتها الفرقة المسرحية لسجناء برج الرومي بفضاء التياترو بالعاصمة في الدورة الماضية لأيام قرطاج المسرحية. وفي إطار مواز أكد الممثل السوري عابد الفهد أن المؤسسة السجنية هي مدرسة إصلاحية وشريك فاعل مع كل ما يدور خارجها ومنها العروض السينمائية، باعتبار أن السينما تهذب الروح، وتثير حالة وجدانية من خلال تفاعل المشاهد معها؛ لأنها تمسه من قريب كما حصل في عرض هذا الفيلم. وعن ظروف قيامه بهذا الدور أي دور "مصطاري البجاوي" عالم الآثار، ذكر عابد الفهد أن المخرجة الراحلة نجوى سلامة أعلمت مدير التصوير محمد بوراوي أنها تبحث عن ممثل يشبهه، فاقترح عليها أن يعرض الأمر عليه. وأكد أنه وافق على العرض بعدما أعجبه السيناريو، وأن آخر حديث له مع المخرجة الراحلة كان إثر مكالمة هاتفية أعلمته فيها برغبتها في أن يحضر معا عرض الفيلم، ولكن الموت لم يمهلها. وقد التقت "الصباح" كذلك الممثلتين العراقيتين هالة السلمان التي تشارك في فيلم "شارع حيفا" وزهراء غندور في فيلم "الرحلة" فلم تخفيا إعجابهما بهذا التعامل مع السجناء وتمكينهم من حقوقهم الثقافية داخل السجن. وأضافت زهراء غندور أن ذلك ليس غريبا على تونس التي تأتي في مقدمة الدول العربية في مجال الحريات، وأن مثل هذه التظاهرات تجعل السجين يشعر بأنه إنسان، سلبت حريته مؤقتا، ولم تسلب منه إنسانيته. وهذا أهم شيء لأنه يعيد تأهيل السجين، ويساعده على الاندماج في المجتمع لاحقا، فضلا عن الصورة الجميلة التي تعطيها مثل هذه التظاهرات عن تونس لدى شعبها من جهة، وبين الدول من جهة أخرى. وأما المندوب الثقافي ببنزرت شكري التليلي فقد بين أن المودعين بالسجون هم أبناء تونس، وأن تشريكهم في مثل هذه المناسبات الثقافية واجب وذلك بأن يعيشوا الأجواء الثقافية داخل المؤسسة السجنية. وأن وزارة الشؤون الثقافية منفتحة منذ سنوات على الإدارة العامة للسجون والإصلاح لإنجاز برامج ثقافية داخل تلك المؤسسات كالمسرح والموسيقى والسينما والمطالعة وغيرها.