مؤشر القراءة لدى التونسي لا يتجاوز 0.58 كتابا للفرد في السنة بحسب ما صرح به مدير إدارة المطالعة العمومية بوزارة الشؤون الثقافية أي أن الأمر لم يصل حتى إلى إكمال قراءة ولو كتاب واحد في 365 يوما. «الصباح الأسبوعي» حاولت أن تكشف في فقرة «ما وراء الأرقام» عن الأسباب الاجتماعية التي يمكن أن تفسر هذه الظاهرة. العزوف عن المطالعة بحسب الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد في تصريحه ل«الصباح الأسبوعي» ليست فقط تربوية بل لها امتدادات وأصول اجتماعية. فانطلاقا من العائلة ومدى اهتمامها بالكتاب يمكن أن نعرف إن كان الطفل سيهتم به مستقبلا أم لا وهنا يشير الباحث إلى أن «أننا لا نخصص فضاءات داخل المنزل ملائمة لنشاط المطالعة ولائقة بمكانة الكتاب في حين أننا نخصص أموالا جمة وفضاءات رحبة للصحون وفناجين القهوة والورود البلاستيكية مثلا» كما يفيد محدثنا بأننا نعتبر المطالعة مجهودا إضافيا مرهقا لا نجد له وقتا في حياتنا اليومية ولكننا قد نجد وقتا لمباريات كرة القدم ومشاهدة الأفلام والجلوس في المقاهي وغيرها. أما في الشارع الذي يوضح محدثنا أنه فضاء اجتماعي مفتوح بالمعنى السوسيولوجي، فإن التقنيات المستحدثة في الحصول عن المعلومة تنافس الكتاب مقابل غلاء أسعار الكتب مقارنة بالمستوى المعيشي والقدرة الشرائية. ويرى محدثنا أن هنالك «خلطا حاصلا في الأذهان (حتى لدى المثقفين) بين الكتاب كمصدر للمعلومة (وهي خاصية لا تتعلق بالكتاب لوحده) وبين الكتاب كمصدر للثقافة (وهي خاصية يكاد الكتاب ينفرد بها). هذا الخلط هو الذي يجعل من البحث عن المعلومة يتقدم على عملية التثقيف، وهذه الأسبقية هي نتيجة حتمية للتعارض القائم في عصرنا الحالي بين مفهومي النجاعة والقيم». ويعتبر محدثنا أن للإعلام دورا في تفسير هذه الظاهرة أيضا، خاصة منه التلفزيون ويرى أن هنالك «انقلابا شبه جذري في مجالات الحياة المعاصرة وفي سلوكات الأفراد بما في ذلك علاقتهم بالكتاب ونشاط المطالعة. وهنا يطرح حضور التلفزيون على أنه «الجهاز والمؤسسة والقوة الأكثر تأثيرا في إعادة تشكيل القيم الاجتماعية وإعادة صياغة مفهوم التنشئة الاجتماعية وفق مفاهيم تربوية جديدة ترتكز أساسا على المتعة والاستعراض والمشاهدة والفرجة والتسلية». ويخلص محدثنا إلى أن مقاومة ظاهرة العزوف عن المطالعة والكتاب تستوجب الاشتغال على مستويات عدة تنطلق بالمستوى المدرسي والتربوي دون إغفال الشق الاجتماعي بأن يعاد للكتاب الاعتبار في حياتنا اليومية والشق السياسي بإيجاد سياسة ثقافية وطنية تركز على أهمية الكتاب.