سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
باحث في علم الاجتماع التربوي ل«الصباح»: «تحميل المدرسة مهمة الإصلاح هو تحميلها ما لا طاقة لها به لأن هذه المهمة مهمة مختصين» السلوك الجانح في المؤسسات التربوية: أي حل؟
علاقة التلميذ بالمدرسة أصبحت مصلحية فهو يقصدها من أجل النجاح ليس إلاّ تونس الصباح: تعالت خلال السنوات الأخيرة أصوات المربين منددة بالسلوكيات الجانحة التي يأتيها السواد الأعظم من التلاميذ في الأوساط المدرسية.. ووجه الكثير منهم أصابع الاتهام لهذه الفئة وألقوا باللائمة على "هذا الجيل" واتهموه بأنه جيل "عديم الفائدة".. وفي المقابل فإنهم لا يدركون كيف السبيل إلى علاج مثل هذه السلوكيات التي لا يحبذون رؤيتها في الوسط المدرسي.. ويكتفون باللوم والعتاب والإدانة وإصدار أحكام مسبقة.. السيد طارق بن الحاج محمد باحث في علم الاجتماع التربوي سلط الأضواء على السلوك الجانح في المؤسسات التربوية في دراسة علمية جديدة.. وفي حديث معه تعرفنا على كثير من التفاصيل التي تطالعونها في هذه الورقة: فرق بين الجنوح والانحراف يقول محدثنا إن هناك خلطا في الأذهان بين السلوك الجانح والسلوك المنحرف وهو خلط خطير فهناك فرق بينهما فالجنوح هو سلوك ظرفي ويمكن أن يأتيه التلميذ في فضاء دون آخر في المدرسة مثلا وليس في المنزل.. وفي الشارع وليس في المنزل أو المدرسة.. أو يأتيه في فترة زمنية دون أخرى. لكن السلوك المنحرف يجعل الفرد يتصرف حسب حالة التوتر القارة عنده وحسب ما يمليه عليه سلوكه العدواني تجاه الآخر وتجاه الأشياء. وبين أن اختيار دراسة مثل هذا الموضوع يرجع إلى ما نحمله للمدرسة من مسؤولية.. فهل أن الجنوح والانحراف ظاهرة تربوية أم اجتماعية؟ وقال "فنحن متفائلون بالمدرسة لكن يجب أن نحملها مسؤوليتها.. فالجنوح والانحراف ظاهرة اجتماعية لأنها وافدة على المدرسة ولأن المدرسة ليست هي التي تنتج الجنوح والانحراف.. كما أن دور المدرسة هو التربية والتعليم والتأهيل كما أن المربين ليس لهم الوقت الكافي ولا القدرة على فهم هذه الظواهر ثم أن تكوينهم الأساسي لا يقوم على علم النفس التربوي.. في حين أن الإصلاح هو مسؤولية مؤسسات موازية للمؤسسة التربوية وذلك لأن دورها الأساسي هو الاهتمام بهؤلاء الناس".. ولاحظ عالم الاجتماع التربوي أن عدد الجانحين في الوسط المدرسي كبير لكن هناك عدد قليل من التلاميذ المنحرفين.. وبين أن التحولات الكبيرة لم تحدث في المدرسة بل حصلت خارجها ويكمن رهان المدرسة في مواكبة هذه التحولات.. فالتحول في النظام التربوي لم يكن بنفس النسق وبنفس السرعة لمواكبة التحولات الاجتماعية.كما أن التربية كانت تتم في مؤسسات وهي العائلة والمدرسة لكن الآن هناك أطراف أخرى تتدخل في عملية التربية وهي وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها وهذا جعل القيم التربوية والثقافية والاجتماعية تتغير خاصة مع الإقبال المتزايد للشباب على هذا النوع من المنتوج الثقافي.. فهناك قيم تربوية جديدة ولم تعد المدرسة مغرية للتلاميذ لأنها لا تستجيب لتطلعاتهم ذات السقف العالي كما نجد ظاهرة العزوف عن الدراسة إضافة إلى أن علاقة التلميذ بالمدرسة أصبحت علاقة مصلحيّة فالتلميذ في أفضل الحالات يدرس من أجل النجاح. كما أن القيم الاجتماعية تغيرت وذلك أن المثل الأعلى في المجتمع تغير.. ففي السابق كان المربي والطبيب والمهندس هو المثل الأعلى للشباب لكن الآن أصبح مثلهم الأعلى الفنان وعارضة الأزياء والرياضي المشهور والوسيم.. وتغيرت طريقة التعبير عن النفس ففي السابق كانت تستعمل كلمات ولغة معينة وطريقة رصينة ومتزنة للحوار أما الآن فقد أصبح الشاب يعبّر بالصراخ والتهريج والحركات البهلوانية ويرى أنها أمور عادية.. فالذوق الرديء بالنسبة له مسألة عادية والكلام المستهجن أمر عادي "نرمال" لأنه سبق له أن شاهد ذلك في التلفزيون وفي الأفلام وغيرها.. سلوكيات وافدة ذكر محدثنا أن هذه السلوكيات والثقافة الجديدة وافدة على المدرسة وليست المدرسة هي التي أنتجتها.. فالسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الموضع هو كيف للمدرسة أن تتعامل مع هذه التحولات؟؟ فالاكتفاء بالأحكام المسبقة والأوامر والنواهي على حد تعبيره لن يحل المشكلة ثم أن الاستقالة وتحميل الآخرين المسؤولية بدلا عن المدرسة خطأ.. ويمكن للمربي في هذه الظرفية أن يطلع على هذه التحولات ويفهمها وهو من دون فهمها علميا لا يمكنه التصرف بنجاعة. كما يجب على المربين تطوير كفاياتهم وخاصة تطوير الجانب العلائقي مع الشباب فالتربية هي مسؤولية الكهول التي يمارسونها على الشباب وليس العكس ويجب على الكهول القيام بمجهود أكبر.. وهذا يتم عن طريق التكوين الأساسي والانفتاح على مجموعة من العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تمثل المفتاح للتقليص من التوتر داخل الفضاء المدرسي.. فالتوتر داخل هذا الفضاء حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها.. وهذا لا يتم إما بالتكوين الإضافي المستمر أو بالقيام بمجهود يصنع الفرق بين مرب وآخر.. فالكفاءات ليست في الحصول على الشهادات العلمية فحسب بل في إيجاد علاقات جيدة مع فئة الشباب.. فأكثر المشاكل تحدث داخل القسم وليس خارجه وما أهمية شهادة المربي إذا لم يكن مرتاحا في قسمه وإذا لم ينجح في إقامة علاقة تفاعلية مع تلاميذه.. أهل الاختصاص بين السيد طارق بن الحاج محمد أن انفتاح المدرسة أمر نسبي فالمدرسة يجب أن تعرف حجمها الحقيقي لأنها ليست وحدها التي تقوم بعملية التربية كما توجد فضاءات أخرى أكثر إغراء للشاب ليأخذ منها المعلومة ويجب على المدرسة على حد تعبيره أن تعي بهذه التحولات دون اصدار الأحكام لأن الاكتفاء بالإدانة هو جزء من المشكل وليس جزءا من الحل.. ويجب عليها أن تنفتح على الاختصاصات الجديدة وأن تعطي الكلمة لأهل الاختصاص على أن تكون لهم حرية الحركة بعيدا عن الضغوطات الإدارية فالمختص الذي يشرف على خلية إنصات لا يجب أن يحس بأنه يقوم بدور إداري وأنه يجمع المعلومات عن التلميذ ويضمنها في ملف ليكون هذا الملف بعد ذلك جحة للمربي لكي يسلط على التلميذ العقوبات التي يرغب فيها.. وأضاف المصدر نفسه أنه يجب أن تستجيب المدرسة بشكل معقول لإنتظارات المجتمع وأن لا تنساق وراء الإنتظارات الكبيرة فقدر المدرسة أن تتعامل مع التغيرات ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة لإحداث حراك اجتماعي.. كما أنها مؤسسة تعليمية وتربوية أكثر منها إصلاحية فتحميلها مسؤولية الإصلاح هو تحميلها ما لا طاقة لها به.. لأن هناك ضغط العمل الإداري وضغط البرامج الدراسية.. كما أن تأثيرها محدود لأنه حتى وإن قامت بإصلاح فإنه يبقى في حدود أسوار المدرسة.. ثم أن المرافقة التربوية لا يمكن لأي كان القيام بها.. ويجب أن توكل هذه المهمة لمختص أو مرب تلقى تكوينا إضافيا في هذا المجال.. كما يجب أن تكون هناك رغبة حقيقية في الإصلاح.. وركز محدثنا على أهمية ثقافة الحوار في المجتمع عموما وفي الفضاء التربوي بصفة خاصة وقال "يجب الحوار مع الشباب بشكل يغريه فالحوار ليس موضة بل هو قدر لأن كل شيء الآن أصبح مبنيا على التفاعل".. وأضاف "يجب ألا نكتفي بالإدانة فالمدرسة يجب أن تقوم بالتربية والتدريس وليس الاعتقال المدرسي أي أن المهم هو أن يمضي التلميذ ساعات داخلها في مأمن من الشارع والاكتفاء بذلك"..