لم يكن وزير التعاون الدولي والاستثمار، الأمين العام لحركة "النهضة" زياد العذاري من بين الوفد الرسمي المقرر لمرافقة رئيس الحكومة في زيارته إلى المملكة العربية السعودية قبل أن يتلقى دعوة رسمية من الخارجية السعودية عبر سفارتها بتونس. وقد اثار هذا الموقف عدة أسئلة حول واقع ما اقدمت عليه الخارجية السعودية التي كثيرا ما أعلنت مناهضتها لحركات الاسلام السياسي واستعدادها رفقة الامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر (السيسي) للإطاحة بحكم الإسلاميين وإنشاء بدائل عن تلك الحركات تكون قريبة من المحور السعودي الإماراتي. دعوة العذاري بصفة شخصية، وهي معلومة جد مؤكدة، تفتح الباب للتساؤل عن واقع العلاقات الممكنة بين حركة "النهضة" من جهة، والقيادة السعودية من جهة اخرى في وقت مازالت فيه زيارة ولي العهد السعودي الى تونس محمد بن سلمان منذ نحو أسبوعين تلقي بظلالها على المشهد لا سيما تلك"الخلوة"التي جمعت بين رئيس الجمهورية وولي العهد دون سواهما. ويبدو واضحا ان التهديد بالمحور السعودي ضد حركة النهضة لم يعد ذي معنى بالنظر الى مستوى "التمييز والتبجيل" الذي خُص بهما العذاري، لا سيما أن الاتفاقيات التي وقّعها وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي مع الجانب السعودي كانت مبرمجة لتوقيعها في تونس خلال لقاء ولي العهد بن سلمان مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، لكن تغيب العذاري حينها (كان في زيارة لعدد من الدول الافريقية) حال دون ذلك. من جهته دون العذاري على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي قائلا "تشرّفّت الْيَوْمَ بتوقيع اتفاقيتين ومذكرة تفاهم بين تونس والصندوق السعودي للتنمية في موكب انتظم بالعاصمة السعودية الرياض تحت إشراف جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين والسيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة. بلغت القيمة الجمليّة للتمويلات حوالي 340 مليون دينار ومخصصة لمشاريع تنمية جهوية في الجهات ذات الاولوية: - المساهمة في تمويل مشروع تحسين نسبة التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط الريفي بولاية بنزرت (265 مليون دينار تونسي). - المساهمة في تمويل مشروع التنمية الفلاحية المندمجة في جومين وغزالة وسجنان بولاية بنزرت (75 مليون دينار تونسي). - منحة لمشروع صيانة جامع الملك عبد العزيز في العاصمة تونس بالمنار (1.6 مليون دينار). تضاف هذه المنحة الى الهبتين اللتين خصصتا لترميم وصيانة جامع الزيتونة المعمور وجامع عقبة والمدينة العتيقة بالقيروان (بما مقداره حوالي ستون مليون دينار). وكانت الزيارة التي يؤديها السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة على راس وفد حكومي إلى المملكة العربية السعودية فرصة أيضا للقاء أعضاء مجلس الغرف التجارية حيث التقينا بأصحاب الأعمال السعوديين لبحث تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي ولتأكيد حرص الحكومة التونسية على تشجيع القطاع الخاص السعودي على الاستثمار في تونس ومرافقتهم وتقديم كافة التسهيلات لهم". هذا الترحيب السعودي غير المسبوق بشخصية "اخوانية" في هذا الظرف بالذات يثير جملة من التساؤلات على غرار: هل تكون الحفاوة السعودية بالامين العام لحركة النهضة مدخلا لاعادة ترتيب العلاقة بين المملكة ودولة قطر التي كان في زيارتها مؤخرا رئيس الحركة راشد الغنوشي، وهل يكون هذا التبجيل مقدمة لتدخل مطلوب من الحركة في الخلاف السعودي التركي ايضا؟ فِي قراءة له لزيارة الشاهد والوفد التونسي للملكة العربية السعودية قال الديبلوماسي السابق جلال لخضر في تصريح لموقع "حقائق اون لاين" ان "رئيس الحكومة يوسف الشاهد يسعى من خلال زيارته التي يؤديها الى المملكة العربية السعودية الى أن"يظهر في صورة رجل الدولة القوي والذي تلقى عليه الأضواء داخليا وخارجيا". واعتبر الأخضر في تصريحه "أن زيارة يوسف الشاهد الى المملكة العربية السعودية تحمل في طياتها عددا من الرسائل والأهداف السياسية والاقتصادية، ويمكن قراءة أهدافها ديبلوماسيا كونها تأتي في اطار خدمة مصالح البلاد مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي تشهدها المنطقة في ظرف يتميز بالانقسامات وسياسة المحاور، مشددا على ضرورة النأي بتونس عن كل التحالفات الحاملة لخلفيات سياسوية تناصر طرفا معينا". واقتصاديا، أكد المتحدث على أهمية أن تكون للزيارة تبعات ايجابية على استثمارات السعودية وحليفاتها في البلاد. في سياق متصل أفاد الأخضر بأن"الشاهد يسعى من خلال هذه الزيارة أيضا الى ابراز أن"الامتداد الديبلوماسي والخارجي لتونس لا تحتكره رئاسة الجمهورية فقط بل للقصبة نصيب في ذلك"، منبها إلى أنه من حق رئيس الحكومة أن يكون له توجه ومصالح لكن شريطة خدمة مصالح البلاد من الناحية الاقتصادية اضافة الى اسناد مكانة متميزة للجالية التونسية بالمملكة، وفق تعبيره. وخلص الديبلوماسي السابق الى كون الزيارة تتضمن عدة أبعاد من بينها التونسي - التونسي، وبعد خارجي وآخر سياسي يتعلق بالشاهد نفسه، معتقدا في الآن ذاته أن النهضة لن تنظر بعين الرضا إلى هذه الزيارة، وفق تقديره. خليل الحناشي