بعد 8 أعوام كاملة على الانتفاضة الاجتماعية الشبابية التي تبنت لاحقا شعارات ثورة سياسية، تبدو تونس في مفترق طرقات "ساخن" وضحية تجاذبات لوبيات مالية وسياسية تونسية وعربية ودولية. ● بمقاييس الانتقال الديمقراطي وتحسن هامش الحريات الفردية والعامة تحققت مكاسب بالجملة. ● لكن الصعوبات والمشاكل تراكمت على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي فاستفحلت البطالة والرشوة ونسب التضخم والعجز التجاري واقتربت أغلب المؤشرات التنموية من "الخط الأحمر" ، وتعمقت أزمات المؤسسات العمومية والحكومية وتدهورت خدماتها في قطاعات التعليم والصحة والنقل والإدارة.. إلخ... ● ورغم النجاحات الأمنية في قطاعات كثيرة انتشرت بشكل غير مسبوق ظاهرة استهلاك المخدرات وبيعها وبرزت أنواع بشعة من الجريمة والعنف بما يعمق خيبات الأمل والخوف من المستقبل في صفوف الشباب والعائلات خاصة في المناطق الشعبية.. ● في هذا السياق فإن من بين أكثر الأسئلة التي تؤرق التونسيين مع حلول الذكرى الثامنة لانتفاضتهم الشبابية - الاجتماعية وثورتهم السياسية المنقوصة : من يحكم تونس؟ وهل سينجح المتحكمون في السلطات العليا في إنقاذ الموقف بعد تراكم أزمات البلاد ومشاكلها؟ ● من بين ما يلفت للانتباه منذ 8 أعوام أن تقدير المراقبين الأجانب والسفراء لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس ومسارها الإصلاحي، أو " الثوري"، يفوق بكثير تقدير التونسيين لها وتصريحاتهم عنها. ● وقد كان من بين مفاجآت الأيام القليلة الماضية تنويه السفير الأمريكي الجديد دونالد بلوم أمام الكنغرس بتجربة التوافق الديمقراطي في تونس منذ "الإطاحة بالدكتاتورية في جانفي 2011". كما نوه بالمسار الانتخابي التونسي وبالتوافق بين رئيس علماني وحزبه من جهة وبين العلمانيين والإسلاميين في نفس الحكومة من جهة أخرى. ● كما خصص السفير الفرنسي بتونس أوليفييه بوافر دارفور جانبا من كلمته في اللقاء السنوي بالصحفيين في مقر إقامته للتنويه بالتعددية والانتخابات التونسية وبمسار تونس السياسي. ● في المقابل فإن بعض " الاعلاميين " والسياسيين والمثقفين الذين بالغوا في رفع الشعارات "الثورية" و"الثورجية" عامي 2011 و2012، أصبحوا يتنافسون في تقزيم قيمة كل التحركات الشعبية والاحتجاجات في تونس والدول العربية عام 2011 وقبلها، ووصفها ب"المؤامرة" و"الانقلابات" المدبرة ليلا في عواصم غربية؟! ++ في هذا المناخ العام، يتساءل كثيرون إن كانت في البلاد فعلا سلطة موحدة وقوية قادرة على إنقاذ الموقف وعلى إبرام اتفاقات تجنب البلاد مسلسل الاضرابات التي توشك أن تشل البلاد، خاصة تلك التي تنظم في قطاعات التعليم والنقل والصحة العمومية والمناجم؟ وهل هي قادرة فعلا على تحسين مناخ الأعمال والاستثمار بما في ذلك عبر القطع مع البيروقراطية وتجنب الاضطرابات والاعتصامات؟ ++ يلاحظ منذ مدة تنصل أغلب السياسيين من المسؤولية مع إلقاء المسؤولية على المنافسين في الانتخابات القادمة: رئاسة الحكومة تحمل المسؤولية لقياديين في حزب النداء واتحاد الشغل، ورئاسة الجمهورية والمركزية النقابية وحلفاؤهما يحملون المسؤولية لرئاسة الحكومة والاطراف السياسية التي تدعمها في البرلمان، أي حركة النهضة وحزب مشروع تونس بزعامة محسن مرزوق وكتلة الائتلاف التي تشكل نواة حزب السيدين يوسف الشاهد وسليم العزابي بزعامة النقابي السابق مصطفى بن أحمد. ● وبعد أن كان قادة حزب النداء يتغنون بكون حزبهم فاز بالرئاسات الثلاث في انتخابات 2014 وبالأغلبية البرلمانية والحكومية، أصبحوا يصنفونه في "المعارضة"(؟!) ويتهمون رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالتحالف مع حركة النهضة وحلفائها؟ في المقابل نفى الشاهد هذه الاتهامات واعتبر نفسه ممثلا للتيار الديمقراطي الوطني التقدمي سليل تيار "الديمقراطيين الاشتراكيين" ورموزه المؤسسين وعلى رأسهم حسيب بن عمار وأحمد المستيري وراضية الحداد.. وبالنسبة لتمثيلية حركة النهضة في الحكومة أوضح أنها أقل بكثير من حجمها البرلماني: 4 أو 5 من بين أكثر من 40 عضوا في الحكومة. ++ لكن ما دخل الشعب الذي تدهورت أوضاعه في مثل هذه الصراعات الهامشية التي قد تزداد خطورة والبلد مقبل على عام انتخابي؟ مرة أخرى: الحل يبدأ بالنسبة لعموم التونسيين بمعرفة من يحكم تونس؟ قصر الرئاسة في قرطاج أم قصر الحكومة في القصبة والبرلمان في باردو.. أم لوبيات أخرى داخل تونس وخارجها ؟!