يبدو أن صور الموت البطيئ الجاثم على المخيمات السورية المتجمدة باتت أمرا مألوفا الى درجة غير مسبوقة بعد أن احتد الجوع الكافر بالمشردين السوريين على الحدود الاردنية واللبنانية وبات يعلن معه كل يوم مقتل المزيد من البراعم ممن تجمد الدم في عروقهم وعجزت عائلاتهم عن توفير الحضن الدافن والطبق الدافئ لهؤلاء.. استمرار منظمة اليونيسيف في نعي الاطفال السوريين جراء موجة الثلوج بات أشبه برفع اللوم ورد ما يمكن أن يطالها من انقادات أمام تكرار المآسي في مختلف المواسم حيث ظل الاطفال على راس الضحايا في المأساة السورية سواء تعلق الامر بسفن الموت العابرة للبحار والمحملة بأحلام اللاجئين في الفوز بوطن يأويهم بعد ما لحق سوريا من خراب ودمار أو سواء تعلق الامر بجبال الثلوج التي تحاصر مخيمات اللاجئين السوريين الذين تقطعت بهم السبل وضاقت بهم دول الجوار المنشغلة بدورها في أزماتها المتعددة واحتجاجاتها ضد الحكومات الفاشلة والتي لا تكاد تهدأ الا لتعود من جديد .. الجوع كافر وقد سجل للفاروق قوله لو كان الفقر رجلا لقتلته.. قول ينطبق على كل الازمان والاوقات في عالم تدفع فيه أم سورية بعد أن استبد الجوع بأطفالها الى محاولة قتل أطفالها الثلاثة ومحاولة الانتحار معهم حتى لا تسمع صرخاتهم وهم يطلبون الطعام فلا يجدونه وينشدون الدفىء ولا يجدونه. ساعات معدودة فصلت بين مأساة الام السورية وبين اعلان اليونيسيف وفاة خمسة عشر طفلا سوريا بسبب موجة البرد والارجح أن ما خفي من معاناة السوريين المهجرين في الداخل والخارج يتجاوز ما يصل وسائل الاعلام والمنظمات الانسانية والدولية.. اللاجئ السوري المهدد اليوم عنوان لازمة طال أمدها ومع ذلك فانه لا يبدو حتى الان أنها وجدت طريقها الى سلم الاولويات في اهتمامات الانظمة والحكومات العربية التي تستمر في موقف المتفرج في انتظار ما ستجود به الحلول القادمة من موسكو او واشنطن أو أنقرةفسوريا خرجت من الجامعة العربية ولم يتقرر بعد أن تعود اليها.. مظاهر التطبيع مع الموت البطيئ سبقتها مظاهر التطبيع مع العجز والياس بعد أن بات مصير الشعوب وسيادة الاوطان العربية رهينة القوى الاقليمية والدولية التي يمكن أن تقرر متى يجب رفع المظلمة على اطفال سوريا ومعها كل الاطفال الرهائن بسبب كل الصراعات وحروب الاستنزاف التي تعصف بمصير جيل كامل لم يعرف يوما الطريق الى المدرسة أو المشفى ولم يكتب له أن يتصفح كتابا أو ينعم بلعبة ناهيك عن الحلم بالحياة الكريمة وبوجبة دافئة ترد عنه الجوع.. لاندري كيف سيجد المبعوث الدولي الجديد الذي سيخلف ديمستورا في منصبه بسوريا التي سيكون رابع مبعوث أممي يتولى هذه المهمة بعد الجزائري الاخضر الابراهيمي والكيني الراحل كوفي عنان والسويدي ديمستورا وجميعهم انتهى بهم المصير الى القاء المنديل والانسحاب بعد عجزهم عن تغيير المشهد في سوريا وايقاف المجازر والانتهاكات في هذا البلد على مدى سبع سنوات من الحرب المدمرة... والاكيد اليوم أن كل طفل وكل ام وكل لاجئ سوري يموت بسبب البرد او الجوع مسؤولية كل الاطراف التي اتفقت على استنزاف سوريا حتى الرمق الاخير وعجزت عن تحويل صفقات السلاح وكل أسباب الموت والارهاب الى مشروع يتيم للحياة... لا يختلف اثنان ان الامرفي سوريا ينسحب على ضحايا الحرب في اليمن بعد أن تحولت حروب العرب الى مجرد ارقام في سجلات القوى الكبرى وادواتها التي تواصل حصد الارواح.. كيف نامل ان ياتي الفرج أو الامل ممن لو رصدت الاموال التي ينفقونها على السلاح والخراب والدمار لكانت وفرت الطعام والمأوى لكل الافواه... المؤسف أنه ومع دخول الازمة في سوريا عامها الثامن لا يبدو أن الاطراف المعنية بالصراع في سوريا قادرة على قراءة وفهم المشهد أو الاستفادة مما حصل حتى الان على الاقل تجنبا للاسوا.. لا نتوقع أن توزل مرحلة التطبيع مع الموت قبل ان تخرج الشعوب العربية من حالة الجمود والموت التي تغرق فيها وتستعيد حقها في الحياة...