كم تمنينا أن تكذب الاممالمتحدة نتائج التقارير المعلنة بشأن ما تتعرض له السوريات داخل وخارج سوريا في مخيمات اللجوء من استغلال جسدي ومن اعتداءات جنسية في مراكز توزيع الاعانات الغذائية، ولكن يبدو أن للحرب وجها آخر خلف ساحات القتال والمعارك المفتوحة بين المتقاتلين، وهو وجه لا يقل بشاعة، بل لعله أشد قساوة على الانسان من المعارك الحربية، لأنه بكل بساطة يستغل البطون والامعاء الخاوية لمقايضتها وابتزازها جنسيا قبل تمكينها من رغيف ملوث بالذل وقارورة ماء تتقاسمها العائلات لتأجيل شبح الموت بدل استعجاله.. الحديث عن الاستعباد الجديد للبشر في سوريا مشهد مكرر سبق لماجدات العراق مواجهته في ظل «الفوضى الخلاقة» التي رافقت الاجتياح، كما في ظل حكم شبكات الارهاب الداعشية بعد أن أحكمت قبضتها على الموصل واستباحت نساءها.. وهو مشهد لا يمكن إلا أن يفاقم إحساس الذل والمهانة لحالة العجز والانهيار التي تنسحب على الانظمة العربية والإسلامية، التي لا تزال تفاخر بأنها «خير أمة أخرجت للناس»، والتي بات جليا أنها لا تفهم معاني وتجليات هذه الكلمات التي قد تنطبق على بقية شعوب العالم الراقية المتضامنة التي تفوقت على أغلب المجتمعات العربية والاسلامية في احترامها والتزامها بالقيم المشتركة التي تجمع بينها في زمن الحروب والأزمات كما في زمن الامن والسلام.. سبع سنوات مضت على حرب الاستنزاف السورية دون مؤشرات على قرب موعد الخروج من النفق أو التوصل الى هدنة تمكن السوريين من استعادة الانفاس والاستعداد للقادم.. غالبا ما يكون الاطفال والنساء الحلقة الاضعف في كل الحروب والصراعات وغالبا ما يدفعون الثمن من كرامتهم وإنسانيتهم المغدورة عندما يتحولون الى أقذر أنواع الأسلحة المتاحة التي يعتمدها أباطرة الحروب لاستهداف ضحاياهم، وهذا ما سجلته من قبل الحروب العرقية في السنوات الاخيرة من إفريقيا (بوروندي ورواندا) إلى أوروبا (البوسنة) وآسيا )الروهينغا)... طبعا جرائم أعوان منظمات الاغاثة ليست وليدة اليوم وأغلب التقارير تشير الى أنها تعود الى أكثر من ثلاث سنوات وهي موثقة في جنوبسوريا ولكن أيضا في عديد الملاجئ خارج الحدود السورية.. وقد سبق للأمم المتحدة أن حذرت من هذا الخطر ولكن دون أن تتمكن من تطويقه بالنظر الى حاجة المنظمة الأممية للاعتماد في عمليات توزيع المساعدات الانسانية على متعاونين من المنطقة للاتصال باللاجئين أو الوصول الى المناطق المنكوبة.. «أصوات من سوريا 2018» هو عنوان التقرير الأممي الفضيحة الذي كشف عن زواج فتيات من متعاوني المنظمة قسرا لفترة من الزمن بهدف الحصول على المساعدات الغذائية وأن الكثير من السوريات لا سيما اليتيمات والأرامل وفاقدات السند العائلي أصبحن يخشين الانتقال الى المقرات الخاصة بتوزيع المساعدات حتى لا يُتّهمن في أخلاقهن ومصداقيتهم أمام ذويهن وفي أحيائهن.. حجب المساعدات الغذائية عن أصحابها إمعانا في اذلال السوريات ودفعهن الى الخضوع لمطالب المبتزين والمتمعشين من مآسي السوريين.. هل يمكن اليوم لكل الدعوات من أجل التحقيق بشأن ما تتعرضن له من انتهاكات أن يكون لها معنى؟ وهل يمكن لكل المطالب بمحاسبة وملاحقة المجرمين أن يكون لها وزن فيما تظل اليد الطويلة التي تشترك في أكبر جريمة في حق سوريا طليقة لتنشر الخراب والدمار في البلاد وتعبث بشعبها وتذل ماجداتها؟.. يبدو أن أمة اقرأ لم تقرأ بعد ما بات عليه حال سوريا ولا ما أصبحت عليه «خير أمة أخرجت للناس» بعد أن اعتمدت النفاق دينا والاقتتال مذهبا وتدمير بعضها البعض شريعة عن جهل وظلامية...