أعادت حادثة المدرسة المشبوهة بالرقاب إلى السطح ملف تمويل الجمعيات ومراقبة نشاطها بعد أن خفت الضجيج حوله رغم أنه شغل في فترات سابقة الراي العام لكن لا أحد يعلم لماذا تثار المواضيع الحارقة والحساسة في مناسبات ثم سرعان ما يلفها النسيان دون معالجتها أو الحسم فيها نهائيا. وتظل التمويلات المشبوهة داخليا وخارجيا للجمعيات كما الأحزاب مدخلا لتشويه مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وتحويل وجهته لخدمة أجندات داخلية وخارجية. ورغم وعي الجميع بحجم المخاطر المحدقة باستقرار البلاد جراء هذه الآفة ومساهمتها المباشرة وغير المباشرة في افساد الحياة السياسية أو تمويل الإرهاب أو تبييض الأموال القذرة، لم ينجز الكثير في سياق التصدى لها ما أنتج شبه قناعة لدى الراي العام بغياب الإرادة السياسية لوقف النزيف. بل أكثر من ذلك قد يلوح الأمر أحيانا على شاكلة التواطؤ والاستفادة من الوضع الراهن خدمة لمصالح حزبية وسياسية. لقد أثبتت تقارير ووقائع سابقة استغلال الكثير من الجمعيات غياب الرقابة الكافية على تمويلها وأهدافها لتنشط في مجالات لا قانونية وتورط العديد منها في أنشطة إرهابية حيث صدرت في حقها مطالب قضائية للحل بسبب شبهة الإرهاب. كما كشفت تقارير دائرة المحاسبات تجاوزات عدة في مراقبة الحملات الانتخابية تعلقت أغلبها بالمال السياسي وتمويل الحملات وقد تكون الجمعيات إحدى الواجهات للتمويلات المشبوهة لشراء الذمم والأصوات. واتفق الجميع على القصور في المراسيم والقوانين المنظمة لعمل الجمعيات ولنشاط الأحزاب التى ركزت خلال صدورها ابان الزخم الثوري بعد 14 جانفي على النفس التحرري في الإحداث والنشاط وأهملت الجانب الرقابي الوقائي المطلوب لتفادي الإنحراف والتوظيف لغايات قد تهدد كيان الدولة والنظام الديمقراطي في حد ذاته. رغم كل الذي تقدم ظلت تحركات الدولة على المستويين التشريعي والإجرائي بطيئة لا تتناسب مع المخاطر والتداعيات المحتملة ولا مع التحذيرات وصيحات الفزع التى تصدر من هنا وهناك وتدعو إلى التحرك قبل فوات الآوان. لقد حان الوقت لوضع حد لموضوع غياب الشفافية في تمويل الأحزاب ولم يعد مسموحا أن تتكتم إلى اليوم جل الأحزاب عن قوائمها المالية ومصادر تمويلها كما لم يعد مبررا أن تظل آلاف الجمعيات بلا هوية ولا ملف مالي أو جبائي ما يجعل تتبع أثرها شبه مستحيل. ولأن الدولة ليس لها الامكانيات لا المادية ولا البشرية لمراقبة هذا الطوفان من الجمعيات الذي تجاوز 20 ألف جمعية فهي مطالبة في أقرب الآجال إلى البحث عن حلول من قبيل تنفيذ مقترحات سابقة لعدد من الخبراء والمختصين في المجال طالبوا بأن تمسك الدولة بسجل وطني خاص بالجمعيات على غرار السجل التجاري الخاص بالشركات، على اعتباره سيسهل عمل هياكل المراقبة ويحد من نشاط الجمعيات بعيدا عن الأعين وعن سلطة القانون.