ملف من اعداد: منية العرفاوي: تونس - الصباح الاسبوعي - قبل انتخابات أكتوبر كثر الحديث عن المال السياسي والتمويلات المشبوهة لبعض الأحزاب، كانت ضخمة ولم تعكس أبدا فقرها "المدقع" قبل الثورة ورغم أن القانون المتعلّق بمراقبة تمويل الأحزاب كان من أحسن القوانين الموجودة حتى على المستوى الدولي وذلك بشهادة الخبراء إلاّ أن هيئة الانتخابات لم تتمكّن من فرض الالتزام به على الأحزاب السياسية لأسباب متعددة.. بعد انتخابات "التأسيسي" لم نعد نسمع حديثا عن المال السياسي رغم أن مظاهر البذخ والترف بادية على الكثير من الأحزاب ولا تعكس أحيانا حتى جماهيريتها الشعبية.. كما أن المشهد العام تمّ إغراقه بآلاف الجمعيات التي يبدو ارتباطها وثيقا بالأحزاب.. المجلس التأسيسي بدوره لم يَنْأ بنفسه عن شبهات البيع والشراء وأطلقت بعض الأحزاب استغاثة للرأي العام تنبّه ناخبيها بأن النواب خانوا الأمانة وخانوا إرادة الشعب والتحقوا بأحزاب لم ينتخبوا من أجلها.. ملف رجال الأعمال بدوره بات يثير الريبة، فقد صرّح بعضهم أنهم كانوا عرضة للابتزاز السياسي كما وأن تسوية وضعياتهم أصبحت تتمّ في الكواليس أكثر منها في العلن.. "الصباح الأسبوعي" سألت السياسيين عن تمويلات أحزابهم وتعرّضت إلى أهم مخاطر المال السياسي، والشبهات التي تحوم حول نواب "التأسيسي"...
صفقات بيع وشراء الذمم النيابية تخيّم على «التأسيسي» زمن «المقاولات السياسية» حزب حاكم يسدد فاتورة تمويله السياسي بمحاولة تمريره لإعفاءات جبائية في قانون المالية ! 36 % من النواب خانوا الشعب سياسيا تونس - الصباح الاسبوعي: لئن كان هناك اتفاق مبدئي بين مختلف الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني على أن انتخابات المجلس التأسيسي كانت انتخابات نزيهة وشفافة في المطلق، إلاّ أن بعد انطلاق أعمال المجلس، صاحب الشرعية والسلطة الأصلية، ومع بداية أشغال المجلس شهدنا تغيّرا في الألوان السياسية لبعض النواب، الذين انسلخوا عن أحزابهم والتحقوا بأحزاب بعضها ولد بعد الانتخابات.. هذا التصرّف اعتبره البعض خيانة للشعب ولرغباته الانتخابية وكثر الحديث عن عمليات بيع وشراء، ولعل تيار العريضة الشعبية كان أحد ضحايا "ميركاتو التأسيسي" حيث تشظّى هذا الحزب وتشتت نوابه بين الأحزاب والكتل، كما أن تقرير دائرة المحاسبات كشف بدوره عن تدنّي شفافية العملية الانتخابية من حيث مصادر التمويل حتى بالنسبة لبعض الأحزاب الحاكمة.. "سوق" انتخابات "التأسيسي".. اسكندر بوعلاقي يقول: خطورة المال السياسي لا تكمن فقط في قدرتها على تفخيخ الأحزاب وتفجيرها من الداخل كما حدث مع تيار العريضة الشعبية الذي تعرّض كل نوابه الذين انتخبهم الشعب لأجل برنامج العريضة الشعبية الى الإغراءات المالية والإغواء السياسي وقاموا بخيانة أصوات الناخبين، ولا تكمن في التأثير على عمل اللجان وعمل المجلس التأسيسي بل الأخطر أنه يفتح المجال للتدخّل الأجنبي".. ويؤكّد بوعلاقي أن المال السياسي وقع ضخّه بقوة في "سوق" انتخابات التأسيسي.. وقد ذكّر بوعلاقي بواقعة خطيرة حدثت في المجلس التأسيسي عندما أراد أحد الأحزاب في ائتلاف "الترويكا" الحاكم وأثناء مناقشة مشروع ميزانية 2012 تمرير جملة من القوانين على شكل إعفاءات جبائية لولا تدخّل أحد النواب الذي كشف الأمر وهدّد كتلة الحزب بفضح هذه الممارسات، وهذا الحزب وقع تمويله قبل الانتخابات من أطراف لها مصالح مالية واقتصادية وقد أراد تسديد فاتورته بإعفاءات جبائية يمرّرها في قانون المالية. كما أكّد بوعلاقي أن ما يثير الشك والريبة ويوحي بأن هناك صفقات تعقد في الخفاء بين السياسيين ورجال أعمال فاسدين هو انخفاض عدد رجال الأعمال المورّطين في الفساد وحسب تصريحات رسمية من حوالي 400 رجل أعمال الى ما يناهز 26 رجل أعمال فقط بطريقة ملتبسة وغامضة وبعيدا عن الشفافية المفترضة في مثل هذه الملفات وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على صفقات عقدت بين من يملك السلطة السياسية ومن يملك النفوذ المالي.. ويضيف بوعلاقي "كذلك هناك أصابع اتهام توجّه الى الأجنبي الذي يحاول التحكّم في القرار السياسي الوطني من خلال التمويلات الحزبية المشبوهة وهو ما رصدته تقارير إعلامية في علاقة دولة قطر بحركة النهضة مثلا..". ويؤكّد اسكندر بوعلاقي عضو تيار المحبة حاليا، العريضة الشعبية سابقا: الخريطة السياسية للمجلس التأسيسي تغيّرت بنسبة 36 بالمائة وهنا أتساءل لقاء ماذا باع النواب أحزابهم وغيّروا جلودهم السياسية؟.. وفي سياق متصل فإنه متأكّد من أنه في رحاب المجلس التأسيسي قد حدثت عمليات بيع وشراء، وبسؤاله عن المبالغ المقترحة لشراء الذمم ذكر أنها تترواح بين 15 ألف دينار و100 ألف دينار، كما أكّد في ختام حديثه معنا وأنه في غياب دعم الدولة للأحزاب من خلال التمويل العمومي فكيف تكون الانخراطات المتراوحة بين 2 و5 و10 و15 دينارا قادرة على ضمان كل ذلك البذخ والترف الذي ترفل فيه بعض الأحزاب؟..
زكي الرحموني (الهيئة العليا للانتخابات): المشهد ملوث بمن صنعهم المال السياسي الهيئة السابقة لم تقم بدورها في مراقبة مصادر التمويل تونس - الصباح الاسبوعي: الهيئة العليا للاشراف على انتخابات 23 أكتوبر الفارط، رفعت على الأعناق بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات والتي أجمعت كل الأحزاب السياسية حينها على أنها كانت أنزه انتخابات وأكثرها شفافية في تاريخ البلاد الحديث.. ورغم ما برز من إشكاليات بعد ذلك واتهامات من هنا وهناك إلاّ أن هذه الهيئة حافظت على مكانتها المميزة لدى الشارع التونسي رغم ما قيل.. لكن السؤال الذي نطرحه اليوم هل تمكّنت هذه الهيئة من تطويق تسرّب رائحة المال السياسي الفاسد من ثنايا صناديق الاقتراع؟ سؤال توجّهنا به إلى زكي الرحموني عضو الهيئة العليا للإشراف على الانتخابات سابقا، وردّا على هذا السؤال يقول الرحموني "بحكم التجربة فإن الهيئة التي أشرفت على انتخابات 23 أكتوبر الفارط وقد منحها المرسوم 27 المنظم للانتخابات صلاحيات كبيرة لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب، لكن لم يقع احترام القانون في هذا المجال من طرف الفاعلين السياسيين ونعترف أيضا أن الهيئة لم تقم بدورها كما يجب رغم أنها كانت تملك آلية قانونية قوية تمكّنها من النفاذ إلى جلّ المعطيات الخاصّة ولا يمكن مجابهتها بالسرّ المهني مثلا لكن كانت تعوزها الإمكانيات". المال يؤثر على توجهات الرأي العام ويضيف الرحموني "غياب آليات الرقابة الناجعة يؤثر حتما على نتائج الانتخابات.. وفي الانتخابات السابقة لم تكن هناك الجدّية الكافية لتطبيق القانون وقد تأثرت الجدّية بغياب الإمكانيات المخولة للمراقبة الصارمة.. ففلسفة الانتخابات تقوم على فرض احترام وهيبة القانون على قدم المساواة بين كل المتنافسين السياسيين، والمال السياسي هو إساءة لقواعد اللعبة السياسية ونتائجه لن تكون موضوعية". ويؤكّد زكي الرحموني أن اليوم هناك انفلاتا في المال السياسي الذي لا يخضع الى أيّ مراقبة، كما وأن المال يصبح وسيلة للتأثير على الرأي العام.. ويقول "المنتوج السياسي الحالي لا يعكس النخب الحقيقية فالمشهد ملوّث بمن صنعهم المال السياسي..". وحول رؤيته المستقبلية في ما يتعلّق بمسار الانتخابات المزمع إجراؤها قبل موفى السنة حسب عدة تصريحات رسمية، يؤكّد الرحموني أن ما ينقصنا قبل هذه الانتخابات هو عامل الثقة، والانتخابات الشفافة والنزيهة تعزّز عامل الثقة بين المواطن والدولة لكن في غياب روزنامة واضحة ووعود سياسية قاطعة حول موعد الانتخابات وهيئة الإشراف عليها والقانون الانتخابي جعل المواطن لا يثق في الدولة لأن القول إن الانتخابات ستكون قبل نهاية السنة الحالية مستحيل لأسباب تقنية ولوجستية ومنطقية وموضوعية.. الحديث عن هذه الانتخابات المزعومة "كلام فارغ" وعملية كذب وتحيّل.
النهضة.. الجمهوري.. الجبهة.. النداء: تمويلاتنا حلال «محلل» تونس - الصباح الاسبوعي: في اتصال جمعنا بقيادات سياسية لأبرز الأحزاب الموجودة على الساحة والتي لها جماهير وعمق شعبي.. لسؤالهم عن مصادر تمويلهم ونظرتهم إلى المال السياسي إجاباتهم كانت واضحة وتوحي بأن تمويلاتهم حلال مائة بالمائة..
رابح الخرايفي: 30 ألف دينار لكل عملية سبر آراء يقول الأستاذ رابح الخرايفي عضو المجلس التأسيسي عن الحزب الجمهوري "تبدو من المبالغة عندما نتحدّث عن مال سياسي فاسد بمعنى أن هناك شركات تغدق على النواب أموالا للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والمالية، لكن في تونس فان الأمر يقتصر على دعم فريق أو طرف سياسي على حساب طرف آخر بغايات اديولوجية أو فكرية ليس دفاعا عن المصالح بل دفاعا عن رغبات سياسية.. وفي تونس ليس لدينا هياكل قوية للقيام بأعمال الرقابة اللازمة على مصادر التمويل فدائرة المحاسبات لا تستطيع لوحدها القيام بكل أعمال الرقابة ناهيك وأنه ليس لدينا نيابة عمومية اقتصادية للتثّبت من مختلف الأعمال التي تقوم بها الأحزاب.. اليوم لدينا شركات لسبر الآراء تحاول توجيه الرأي العام قدر المستطاع، علما وأن أقل عملية سبر آراء تكلّف ما يناهز 30 ألف دينار، وبالتالي من يصعد 4 مرات كأوّل منافس في عمليات سبر الآراء قد يدفع لقاء ذلك 120 ألف دينار وهو مبلغ كبير لا تقدر عليه كل الأحزاب الى جانب الاشهار المقنع من خلال الحضور القار في الاعلامية التي أصبحت بمثابة أصل تجاري بالنسبة للبعض، وبالنسبة للمال الأجنبي فانها شبهة قائمة ولا يمكن دحضها، وعموما نحن في الحزب الجمهوري تمويلاتنا واضحة فكل جامعة تتحمّل مصاريفها ومواردنا تتأتى خاصّة من الانخراطات ومن تبرّع النواب بجزء من مرتباتهم في حدود 350 دينارا لكل نائب".
رضا بلحاج: تمويلنا شفاف واجتماعاتنا في «البطاحي» يؤكّد رضا بلحاج المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حول الاتهامات التي تحول حول نداء تونس ومفادها أن الحزب مصادر تمويله غامضة ومشبوهة أنها افتراءات ومجانبة للصواب وأن الحركة تعتمد على منخرطيها وعلى قاعدتها الشعبية ويقول "لدينا مراقبو حسابات وتمويلاتنا شفافة ولا لبس فيها وعندما تنتهي السنة المالية سننشر حساباتنا طبقا للقانون، وبالنسبة لاجتماعاتنا فان أغلب الاجتماعات تتم في الهواء الطلق و"البطاحي" وما يقال عن ضخامة الاجتماعات، هو إشاعات ولا أساس له من الصحة وانا لا اتهم أي طرف سياسي بالمال الفاسد."
زبير الشهودي: لدينا هيئة داخلية للرقابة والتدقيق المالي.. يقول زبير الشهودي مدير مكتب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي "تمويل الأحزاب تحكمه هياكل رقابة وحركة النهضة قدّمت تقريرها لدائرة المحاسبات ولم تصلنا أي مؤاخذات قانونية عليه، ونحن كحزب كبير أكيد ستكون مصادر تمويلنا أفضل بحكم اتساع قواعدنا وهو ينعكس على قيمة الانخراطات والهبات، وحركة النهضة حزب يعتمد الشفافية حتى على المستوى الداخلي لذلك توجد لدينا كحركة هيئة للرقابة المالية والتدقيق تقوم بالتدقيق المالي داخل الحركة من حيث الموارد والمصاريف وترفع تقريرا في الغرض الى القيادة الشورية أعلى سلطة بالحركة وذلك لتكريس الشفافية والمصداقية داخليا وهو ما سينعكس خارجيا وعلى مصير الحركة حتى لا نجابه اخلالات قانونية قد تؤثر على نشاطنا القانوني.. وما يروّج عنّا هو مجرّد افتراء واشاعات مغرضة هدفها تشويهنا ولو أن بسبب تكرارها لم يعد يصدّقها أحد.. وعموما بالنسبة للمال السياسي فان دائرة المحاسبات لديها القدرة القانونية والآليات لمراقبة كل مصادر التمويل وضمان شفافيتها.
حمة الهمامي: إذا أردت أن تفشل ثورة أغرقها بالمال السياسي الفاسد يقول حمة الهمامي زعيم حزب العمّال والناطق باسم الجبهة الشعبية "الجبهة الشعبية اقترحت على الائتلاف الوطني الموسع هذه القضية في نقطتين، أولا تقنين تمويل الأحزاب وتجريم التمويل الخارجي، والمسألة الثانية هي مراجعة قانون الجمعيات في ما يتعلّق خاصّة بالتمويل الخارجي.. اليوم نرى أموالا طائلة ولكن الدولة لا تريد التثبت من التمويلات فهناك جمعيات تتلقى أموالا طائلة من الخارج وذلك لانه مسموح لها بالقانون، ونفس الشيء بالنسبة للأحزاب فقائد السبسي اعترف بعظمة لسانه أن هناك "ينبوع" أموال قادم من الخارج، ونحن نعتقد أن هذا ما زال مستمرا إلى اليوم، ورجال الأعمال يعترفون أنهم عرضة للابتزاز ولذلك نحن نطالب بتقنين المسألة ومن في الحكم اليوم يفتحون الباب للفساد ولا يحسمون في مسألة التمويل العمومي للأحزاب، وهي وضعية سياسية غير مريحة ف"هو شي منه" يقول "إذا أردت أن تفشل ثورة أغرقها في المال السياسي الفاسد" فالحدّ من المال الفاسد هو شرط من شروط نجاح الانتخابات،
كمال العيادي (رئيس اللجنة الدولية لمقاومة الفساد): يجب الحد من ذهنية الاسترزاق من العملية السياسية والانتخابية تونس - الصباح الاسبوعي: شفافية مصادر تمويل الأحزاب في تونس مقننة بمرسوم يعتبر من خيرة ما أنجزه الخبراء القانونيون في تونس والذين استعانوا بالتجارب المقارنة وبالقوانين الدولية المنظمة للمال السياسي.. هذا ما أكّده رئيس اللجنة الدولية لمقاومة الفساد كمال العيادي لكنه يؤكّد أن هذا القانون تجاهلته كل القوى السياسية قائلا: "أشعر أن ليس هناك قابلية من الأحزاب السياسية لاستيعاب هذا القانون.. الذي أصبح مقبورا وأعتقد أن الأحزاب التي تطرح اليوم على نفسها إستراتيجية لمقاومة الفساد يجب عليها الامتثال قبل ذلك لهذا القانون". "الصباح الأسبوعي" من خلال محاورة كمال العيادي تعرّضت لعديد المسائل ذات العلاقة بالمال السياسي وتأثيره في المشهد التونسي.. الشفافية والرمزية الأخلاقية في البداية يقول العيادي "أتفق تماما مع الرأي القائل بكون موضوع المال السياسي موضوعا مهماّ ومعقّدا وأهميته تكمن في مدى التزام رجال السياسة بالأحكام القانونية والأخلاقية، فرجل السياسة عندما يلتزم بقواعد الشفافية من حيث موارد حزبه ومصادر تمويله سيكون كذلك ملتزما بمبدإ الشفافية عندما يصبح رجل دولة متحمّلا لأعباء الحكم والدولة..". كما شرح العيادي بأنه "تكمن أهمية الشفافية في بعدها الرمزي لأن الأحزاب في النهاية مهما كان ثراؤها فاحشا فإنها لا يمكن إن تبلغ مستوى الشركات المالية العملاقة لكن تصرّف رجال السياسة وتعاطيهم مع الشفافية له رمزية أخلاقية وسياسية.. وقد ذكر كذلك أنه إذا كان المال السياسي قضية أو ملفا دوليا فانه ليس هناك معايير موحدة لمعالجتها أو مكافحتها وحتى وان اتفقت المجموعة الدولية على معايير وآليات محددة لمكافحة الرشوة والفساد في قطاع الأعمال والمال، فانه وفي ما يتعلّق بالمال السياسي ليس هناك إجراءات أو معايير موحدة ولئن تطرّقت أغلب الاتفاقيات الدولية إلى الفساد المالي إلا أنها لم تتطرّق صراحة إلى المال السياسي.. هاجس النفوذ.. وحول العلاقة بين السياسي والرأسمالي يقول العيادي "الأحزاب السياسية تمثّل الغرفة الخلفية للحكومات ولها النفوذ السياسي والإداري ولكنها تفتقر الى المال لأن الأحزاب ليست مؤسسات ربحية ولا تخلق الثروة فانه في المقابل نجد أن رجال الأعمال لهم النفوذ المالي لكنهم يفتقرون الى النفوذ السياسي رغم أن المؤسسات المالية في حاجة الى النفوذ السياسي وفي بلدان كبرى وعريقة في الديمقراطية نرى كيف يصطف رجال المال وراء رجال السياسة ويموّلون حملاتهم الانتخابية بحثا عن النفوذ السياسي فيما بعد.. ويكون بالتالي التقارب آليا وزواجا مصلحيا وطبيعيا جدّا، حتى أنه في بعض البلدان تحوّلت الحملات الانتخابية الى صناعة، ولذلك اهتم كل المنظرين بهذا التمازج الطبيعي لكي لا تكون العملية السياسية حكرا على رجال الأعمال يتحكمون من خلالها في قواعد اللعبة السياسية". كما أكّد العيادي أنه في تونس أتى المرسوم المنظم لعملية تمويل الأحزاب على كل هذه الجوانب وقد اعتمد الخبراء الذين صاغوا هذا المرسوم على أهم القوانين العالمية وقد كان من أحسن القوانين الصادرة في هذا المجال ولكن حسب ما تسنّى لي من معلومات فان هذا القانون لم يصادق عليه في الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة حزبان سياسيان أحدهما حركة النهضة.. قانون تمويل الأحزاب.. مقبور وهذا القانون يؤكّد على ضرورة أن لا يتجاوز التمويل القطاع الخاص للأحزاب 60 ألف دينار إلى جانب منع التمويل الأجنبي منعا باتا كما يفرض على الأحزاب التصريح بالهبات التي تتلقاها.. وفي الختام أكّد العيادي أن أخطر ما هو موجود اليوم والذي يعتبر ملفا مسكوتا عنه هو ظاهرة دمج العمل الاجتماعي والسياسي، فالعمل الاجتماعي له علاقة بقيم التآزر والتضامن لكنه اذا أصبح أداة للعمل السياسي يفقد معناه، خاصّة اذا ارتكز السياسي على العمل الاجتماعي لكسب الأصوات الانتخابية لأن ذلك يضرّ بالعملية السياسية ويساهم في تفشي ظاهرة التواكل والتمعّش من العمل الاجتماعي أو الاسترزاق من العمل السياسي.. وهي عقلية يجب الحد منها حتى لا نخلق ذهنية الاسترزاق من العملية الانتخابية. كما أن العمل الجمعياتي اليوم يكتسي نوعا من الخطورة لأن هناك جمعيات تملك الآليات والقدرة على مراقبة مراودها وتمويلاتها ويجب أن نتريّث ونجد الآليات الفاعلة في مراقبة أيّ انفلات.