المشهد لم يكن غريبا بالمرة عن القارة السمراء وفوز موغابي نهاية الاسبوع الماضي باكثر من خمس وثمانين بالمائة من الاصوات في الجولة الثانية من سباق الانتخابات الرئاسية بعد قرار غريمه الانسحاب من السباق كان ولايزال من المشاهد المتكررة في افريقيا النامية وموغابي الذي لم يعرف سكان زمبابوي زعيما غيره للبلاد منذ الاستقلال عن الاحتلال البريطاني قبل ثمان وعشرين عاما كان ولايزال محور جدل مثير بين انصاره الذين يرون فيه رمزا للوطنية ومرادفا لمصالح زمبابوي ورفض هيمنة الاقلية البيض على ثروات البلاد وخيراتها ومزارعها وبين منافسيه ممن يرون فيه رمزا للتسلط والهيمنة على السلطة تحت شعار التصدي لتوسعات الغرب ولمساعي من بقي من المعمرين البريطانيين .ولاشك ان موغابي الذي سيكون في التسعين مع انتهاء ولايته الرئاسية السادسة الجديدة قد ادرك اهمية التناقضات الميدانية في بلد لا يزال يعاني السواد الاعظم من اهله من الفقروالجوع والتخلف ناهيك عن المشاكل الاقتصادية المتفاقمة والفوارق الاجتماعية والعرقية التي تهدد امنه واستقراره ونموه ادرك خيوط اللعبة التي يمكنه بمقتضاها ان يسيطر على السلطة في هراري دون ان يبدو فاقدا للشرعية ولعل في اصراره على حضور قمة روما حول ازمة الغذاء قبل الانتخابات وتمسكه بحضور اشغال القمة الحادية عشرة للاتحاد الافريقي التي من المنتظر ان تكون اختتمت اشغالها بالامس ما يمكن ان يحمل في طياته اكثر من رسالة لاكثر من طرف اقليميا ودوليا . كثيرة اذن هي العناوين التي تصدرت جدول اهتمام قمة الاتحاد الافريقي المعنية باكثر قارات العالم معاناة مع مسلسل الفقر والخصاصة والصراعات القبلية والاقليمية وهذه القمة التي تعقد في ظروف دولية واقليمية لا تخلو من التحديات والمخاطر امام الازمة الغذائية المتفاقمة وتزامنها مع الارتفاع المخيف في اسعار الوقود لم تكن هينة على مضيف القمة كما لم تكن خالية من الاحراجات بالنسبة لاغلب المشاركين فيها ممن وجدوا انفسهم في وضع يحسدون عليه امام اصرار موغابي على الحضور متحديا بذلك اصوات منتقديه من نيويورك الى واشنطنلندن وباريس مرورا بهراري ولسان حاله يردد من كان بيته من زجاج ... وقد وجد موغابي في دعوة منافسه العلنية بضرورة تدخل قوات دولية لاعادة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة ما منح موغابي سلاحا اضافيا في معركته الراهنة ليوجه بدوره الاتهامات لزعيم المعارضة بالخيانة والتبعية بما دفع تسفنجياري لاحقا الى التنصل من تصريحاته السابقة ...اما التحدي الاكبر الذي اعلنه موغابي خلال القمة فهو وقوفه امام ممثلي دول الاتحاد الافريقية الثلاثة والخمسون ليلمح بانه يود ان يرى اصابع بعض الزعماء توجه اليه ليعرف فقط ان كانت اصابعهم اطهر من اصبعه على حد قوله مضيفا في ذات الوقت كلمته التي طالما كان يرددها في كل المناسبات "نحن من جلب الديموقراطية الى زمبابوي". فقد جاءت مشاركة موغابي في القمة الافريقية بعد ساعات قليلة على ادائه اليمين الدستورية لرئاسة زمبابوي للمرة السادسة على التوالي في اعقاب انتخابات لم تخلو من العنف والدماء وذلك رغم كل الانتقادات التي استهدفته من القادة الغربيين اساسا وبذلك فقد اختار موغابي لا تحدي خصومه فحسب ولكن مواجهتهم على طريقته الخاصة وهو ما يفسر رده على احد الصحافيين البريطانيين خلال القمة عندما ساله عن الانتخابات الرئاسية في البلاد وقد كان موغابي منذ البداية مقتنعا بان ممثلي الاتحاد الاوروبي لن يكون بامكانهم اصدار بيان تنديد من شانه ان يشكك في مصداقيته او في شرعية الانتخابات التي خاضها لعدة اسباب احدها مرتبط بموقف المشاركين الذين لا يريدون الظهور بمظهر المؤيد لمواقف واشنطن والغرب على حساب احد اقدم زعماء افريقيا والمدافعين عن مصالحها كما ان موغابي يدرك جيدا ان السنوات التي قضاها في السلطة لا يمكن ان تثير انتقادات نظرائه في افريقيا لا سيما الذين تجاوزوا سنوات حكمه بكثير واذا كان موغابي وجد موقفا سلبيا من جانب رئيس كينيا اودينغا الذي كان من القلائل الذين رفعوا اصواتهم مطالبين باعادة الانتخابات فان رئيس الغابون عمر بانغو كان من بين الذين رحبوا بموغابي رئيسا لزمبابوي .و الحقيقة ان الانتخابات الرئاسية في المستعمرة البريطانية روديسيا الجنوبية سابقا جاءت لتعيد فتح احد الملفات المعقدة والتي لا تزال تبحث لها عن منفذ في الدول النامية حيث لا تزال المعركة من اجل الديموقراطية امرا غير محسوم واختبارا صعبا لم ينجح معه الاحتكام الى صناديق الاقتراع في وقف سيل الانتقادات او على الاقل الحد منها ليبقى السؤال المطروح في كل مرة هل هو مستقبل الديموقراطية او مستقبل المصالح الاوروبية الذي يحدد مواقف الغرب...لقد اخطا تسيفنجاري غريم موغابي مرتين مرة اولى عندما اختار الانسحاب من سباق الانتخابات ومرة ثانية عندما دعا الى التدخل الخارجي ولجا الى السفارة الهولاندية بما يمكن ان يزيد في اقناع انصاره بانه ربما لم يكتسب بعد كل الاسباب التي من شانها ان تؤهله لرئاسة زمبابوي...و في انتظار ما يمكن ان تحمله الاحداث من تطورات فلا يبدو حتى الان انه بالامكان التوصل الى حل للازمة في زمبابوي على الطريقة الكينية بما يسمح بتحقيق مصالحة وطنية وتشكيل حكومة تجمع بين المعارضة والموالاة رغم انه الحل الوحيد لتسوية سياسية مطلوبة تجنبا لمزيد الخسائر والمخاطر...