يبدو أن الاتفاق الأخير بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية من أهم أسباب تأجيل موعد زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى تونس لإتمام مراجعة خامسة تخص متابعة الإصلاحات المقرر استكمالها من طرف الحكومة، فبعد أن كانت هذه الزيارة مقررة في شهر جانفي المنقضي تأجلت إلى مطلع شهر مارس المقبل ليتم في ما بعد تسريح القسط السادس من القرض الممد المتفق عليه بين تونس والصندوق والمقدر ب255 مليون دينار. ويعد هذا الاتفاق من أهم النقاط التي يوصي بها صندوق النقد الدولي على أن لا تتجاوز كتلة الأجور ال14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام باعتبارها لامست الزيادات في أجور الموظفين في السنوات الأخيرة الخطوط الحمراء مما دعا العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي الحكومة إلى ضرورة التحكم في هذه النسبة التي عرفت ارتفاعا ملحوظا فبعد أن كانت في حدود ال7680 مليون دينار خلال سنة 2011 وصلت إلى حدود ال13385 مليون دينار في 2016، ووصلت خلال سنة 2017 إلى ما يناهز ال14 ألف مليون دينار لتبلغ في سنة 2018 ال16000 مليون دينار وتصل حسب قانون المالية الجديد إلى ما يناهز ال16485 مليون دينار، أي ما يعادل نسبة 14.1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. والاهم أن البلاد اليوم لم تعد تتحمل مزيدا من الضغوطات على الميزانية العامة، من أهمها ارتفاع المديونية مع حلول سنة 2019 إلى حدود ال70.9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وتواصل انزلاق الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية المرجعية، فضلا عن تواصل توسع عجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة التضخم المالي.. وهذا الوضع الذي يتوقع أن يستمر خلال كامل السنة الجارية في ظل تواصل تعطل أهم المحركات الاقتصادية المدرة للقيمة المضافة على غرار بطء نسق إنتاج الفسفاط، يبقى الاقتراض والبحث عن تمويلات جديدة من أهم الحلول التي تلتجئ إليها الحكومة وهذا ما يؤكد مرة أخرى حرص بلادنا على الحفاظ على تعهداتها مع المؤسسات المالية المانحة حتى تواصل دعمها عبر إقراضها عندما تحتاج إلى ذلك. وعلى هذا الأساس، جهزت الحكومة نفسها ولها كل التبريرات حول قبولها الزيادة في أجور الوظيفة العمومية، حسب ما أفاد به الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي في تصريح ل»الصباح»، مبينا أن الحكومة اعتمدت في ما يخص هذا القرار على معادلة صعبة وفقت من خلالها بين توفير السلم الاجتماعية من جهة والمحافظة على سلامة المالية العمومية حتى لا يتجاوز عجز الميزانية العمومية ال3.9 بالمائة من جهة ثانية. وأكد المسؤول الحكومي أن المسالة بيد الحكومة وهي مستعدة لتفسير هذه الخطوة للأطراف الدولية التي نتعامل معها للمحافظة على مساندتها لنا والتي سيكون أولها صندوق النقد الدولي الذي من المنتظر أن يستكمل معنا الاتفاق بشان القرض الممدد في نصفه الثاني بعد أن تحصلت بلادنا إلى حد اليوم على ما يناهز ال1.45 مليار دينار.. وأمام تأخير موعد حلول بعثة الصندوق إلى شهر مارس المقبل لإتمام المراجعة الخامسة بعد أن كان مبرمجا خلال شهر جانفي المنقضي، سيتأجل بصفة آلية موعد صرف القسط السادس من القرض الممدد إلى ما بعد شهر أفريل القادم وهو ما سيؤجل كذلك موعد تسريح بقية الأقساط من القيمة المتبقية من القرض الجملية الذي كان محددا إلى غاية شهر أفريل من سنة 2020. وفاء بن محمد