شهد الدينار التونسي طيلة السنوات الأخيرة انخفاضا على خلفية الوضع الاقتصادي المتدهور، وساهم هذا الانخفاض في تراجع القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار ، ليشهد سنة 2019 استقرارا في الأشهر الأخيرة أمام العملات الاجنبية ، الامر الذي دفع بعديد الملاحظين والخبراء الى ربط هذا الاستقرار بالعوامل السياسية. منظمة «كوناكت» الدولية وبإشراف رئيسها فؤاد قديش أجرت لقاء مساء أول أمس مع عدد من خبراء الاقتصاد ومسؤولين سابقين بالبنك المركزي لتوضيح حقيقة انتعاشة الدينار أمام العملات الأجنبية و«هل أن ارتفاع سعره أمام العملات حقيقي أم مصطنع؟». تتعدد أسباب انخفاض الدينار التونسي، فعدا ما ذُكر في علاقة بصندوق النقد الدولي، تأثر أيضًا بالتراجع الكلي لحركة الاقتصاد التونسي نتيجة مشاكل مالية وهيكلية تعيشها القطاعات المركزية، وذلك إلى جانب الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة ، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن. وخلال السنوات الثماني الماضية، خسر الدينار التونسي حوالي 54 في المائة من قيمته أمام الدولار الأمريكي لينتقل من 1.38 إلى 3.05 دينار للدولار الواحد حتى أفريل 2019، كما خسرت العملية المحلية أمام اليورو أكثر من 42 في المائة من قيمتها بالانخفاض من 1.96 دينار لليورو الواحد سنة 2011 إلى 3.42 حتى ماي 2019 ، لكن شهد الدينار ارتفاعًا طفيفًا منذ شهر ماي الماضي. المحلل المالي حاتم زعرة ، أكد في تصريح ل «الصباح» ان انتعاشة الدينار هي حقيقة وليست مصطنعة بسبب العوامل السياسية ، مشيرا الى أن هذه الانتعاشة متأتية بالاساس من الطفرة في السيولة التي تواصلت طيلة 5 أشهر ، الا انه خلال الاشهر الاخيرة طرأ اشكال جديد يتمثل في «شحّ» في سيولة الدينار التونسي والذي اعتبر أنه سيتواصل خلال الفترة القادمة ،مؤكدا ان المسألة لم تعد تتعلق بالسياسات المالية المتبعة، وباتت رهينة سياسات الحكومة القادمة ، والتي مطالبة بإنتهاج سياسة اصلاحات تدفع نحو تحقيق نسب نمو أفضل ، لإعادة السيولة للدينار التونسي والحفاظ على استقراره أمام العملات الأجنبية. من جهته ، أفاد المدير العام السابق للسياسات النقدية بالبنك المركزي محمد صالح سويلم في تصريح ل «الصباح» ، ان هناك عدة عوامل أدت الى انتعاشة الدينار ، من بينها تخلي الحكومة والبنك المركزي عن السياسة العشوائية لتخفيض قيمة الدينار والتي لم تقدم اي اضافة خلال سنوات 2016 والى غاية 2018 ، حيث شهدت هذه السنوات ارتفاعا في نسبة التضخم وتراجعا في القدرة التنافسية، وخسارة لأسواق أوروبية ، كما تم تسجيل ارتفاع في التداين العمومي والخارجي، مشددا على أن هذه العوامل أشار اليها تقرير الصندوق النقد الدولي الأخير، وهي ناجمة عن التخفيض في قيمة الدينار. وبين سويلم ان استقرار العملة المحلية يفرض استقرارا على مستوى الأسعار، كما ان التحكم في نسبة التضخم ينعكس ايجابا على نسبة الفائدة المديرية التي بدورها ستنخفض وهو ما يشجع على عودة الاستثمار. وأكد المدير العام السابق للسياسات النقدية بالبنك المركزي، أن التجارب العالمية أثبتت ان انخفاض العملة المحلية لن نجني منه غير ارتفاع في نسبة التضخم وآفاق اقتصادية غير مستقرة ولا تشجع الاستثمار ، مشددا على ان استقرار الدينار في المرحلة القادمة هو رهين سياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية ، داعيا الى ضرورة فرض توازنات بين العرض والطلب والتي من شأنها ان تحدد مسار سعر الصرف ، وعلى البنك المركزي ان يعمل في الفترة القادمة على تحديد سقف لسعر صرف لدينار التونسي امام العملات الأجنبية يدفع بالثقة للمستثمرين ويخلق استقرار على مستوى الاسعار ، معتبرا انه رغم الجهود المبذولة من قبل البنك المركزي في تخفيض نسبة التضخم والتي بلغت الى موفى الشهر الماضي 6.7 بالمائة ، فإن الهدف الاساسي لمزيد تحقيق استقرار مريح الوصول بنسبة التضخم الى معدل 4 بالمائة . وقلل سويلم من خطر تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة ، مؤكدا ان هذا العامل لا يؤثر مطلقا على سعر صرف العملة التونسية وبالإمكان تلافي ذلك عبر الإستنجاد بسوق الصرف واعادة التوازن الى مخزون بلادنا من العملة الصعبة . وكشف المدير العام السابق للسياسات النقدية في البنك المركزي ان دخول حقل الغاز «نوارة « حيز العمل من شأنه ان يقدم اضافة قدرت ب 20 بالمائة على مستوى الانتاج ويقلص من فاتورة توريد الغاز من الجزائر ومن الطلب على العملات الأجنبية بما يمكن « الستاغ» بدفع حاجياتها بالدينار التونسي ، كما ان عودة انتاج الفسفاط الى سالف عهده وتحديدا الى سنوات ما قبل 2011 سيرفع من مخزون بلادنا من العملة الصعبة ، بالاضافة الى تسجيل انتعاشة في القطاع السياحي والفلاحي وهي عوامل تدر على بلادنا اموالا طائلة من العملة الصعبة. ودعا المسؤول السابق بالبنك المركزي الحكومة القادمة ، الى ضرورة تشجيع الاجانب على الاستثمار في سندات الدولة ،وخلق توازن بين العرض والطلب في سوق صرف العملات الاجنبية. من جهته ، اعتبر رئيس «كوناكت» الدولية فؤاد قديش ، ان الجدل حول انتعاشة الدينار في الاونة الاخيرة والمثار من الرأي العام التونسي هو ليس مصطنعا لغايات سياسية مثلما يروج له ، وانما هناك العديد من المؤشرات التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان تعافي الدينار امام العملات الاجنبية كان بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية ببلادنا. سفيان المهداوي