يوشك الاسبوع الاول من ماراطون مفاوضات تشكيل الحكومة ان ينتهي دون مؤشرات حول كيفية نهاية السباق او ما يمكن ان يكشف ملامح الحكومة القادمة وما اذا ستكون حكومة شبيهة بما سبق من الحكومات او حكومة مختلفة في عدد الحقائب وفي خصال اصحابها وما اذا سيكون القول الفصل للكفاءة والنزاهة والخبرة او للانتماء الحزبي قبل كل شيء.. وفي انتظار توجهات بوصلة السيد رئيس الحكومة المكلف وما يمكن ان تكشفه قائمة اللقاءات القادمة فان الواضح حتى الان ان اصرار الوافد الجديد على القضبة على تاكيد استقلاليته عن حركة النهضة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية لا يقابله اصرار من جانب زعيم حركة راشد الغنوشي على اطلاق المجال للرجل للخروج من عباءته والاخذ بزمام المبادرة لتشكيل حكومته المرتقبة.. ولعل اول الملاحظات التي يمكن ان تتبادر الى الذهن من خلال متابعة اللقاءات المعلنة لرئيس الحكومة المكلف في رحاب قصر الضيافة غياب العنصر النسائي عن هذه اللقاءات حتى الان ويبدو ان زعيمة الحزب الوحيدة التي تلقت دعوة للقاء الجملي وهي عبير موسي رفضت ذلك واصرت على ان تفرض على حزبها الدستوري الحر حالة من العزلة التي تتناقض مع من يريد العمل السياسي.. الملاحظة الثانية التي نسوقها مع نهاية هذا الاسبوع الاول فتتعلق بالعلاقة بين زعيم حركة النهضة وبين رئيس الحكومة المكلف والتي لا يبدو انها خرجت حتى هذه المرحلة من حالة الوصاية المفروضة عليه وهو ما يمكن ان نستشفه من خلال تصريحات زعيم حركة النهضة واصراره على وضع خطوط حمراء امام السيد الحبيب الجملي من خلال اعلان زعيم حركة النهضة رفض الحركة القبول بحكومة تضم في اعضائها قلب تونس وهو شرط مسبق قد يبدو متناقضا مع تصريحات زعيم الحركة بعد اعلان مجلس شورى الحركة اختيار الحبيب الجملي لهذه المهمة.. ومن ذلك ان الغنوشي سبق ان اعلن ان الجملي قادر على النهوض بالبلاد والاقتصاد" كما سبق له التصريح بان النهضة ليست حريصة على وجود مكثف في الحكومة بل تريدها حكومة ممثلة لاوسع طيف سياسي ممكن ".. قبل ان يعود زعيم الحركة اول امس ويؤكد رفض الحركة مشاركة قلب تونس في الحكومة القادمة وهو ما يمكن ان يقيد رئيس الحكومة المكلف ويجعله في موقع لا يخلو من الاحراج.. الغوشي بين قبعة رئاسة حركة النهضة وقبعة رئاسة المجلس قد تبدو مهمة السيد راشد الغنوشي مهمة لا تخلو من الحساسية المفرطة في مثل هذه المرحلة التي تسبق تشكيل الحكومة المرتقبة لا سيما وانه اختار ان يكون حاضرا في المشهد وان يترأس وفد الحركة الذي التقى رئيس الحكومة المكلف قبل يومين بقصر الضيافة بقرطاج بكل ما يمكن ان يفترضه ذلك من حسابات او احراجات او ضغوطات مباشرة اوغير مباشرة على الوافد الجديد على القصبة الذي سيجد نفسه في موقف لا يحسد عليه في مواجهة من يصح وصفه "بولي نعمته" الذي يحمل في نفس الوقت لقب رئيس الحركة ورئيس مجلس نواب الشعب بكل مكوناته السياسية والشعبية، وهي مهمة سياسية يفترض أنها تتجاوز او هذا ما يفترض كل الاحزاب وفق ما حدده دستور 2014 . صحيح ان المسالة لم تكن مطروحة خلال رئاسة المجلس السابق فالسيد محمد الناصر لم يكن رئيس كتلة نداء تونس حتى وان كان ينتمي لهذا الحزب، كما انه ليس سرا ان حركة النهضة سعت في فترة شهدت علاقاتها بالرئيس السابق بعض التوتر والشد والجذب محاولة تقليص صلاحياته ومرت عمليا الى تقديم مبادراتها في هذا الشان. وقد حدد النظام الداخلي صلاحيات رئيس المجلس ونص بالخصوص على أن رئيس مجلس نواب الشعب هو الممثل القانوني للمجلس ورئيس إدارته وآمر صرف ميزانيته، وهو الذي يسهر على تطبيق أحكام النظام الداخلي وتنفيذ مقررات الجلسة العامة ومكتب المجلس، وهو الذي يشرف على حسن سير جميع مصالح المجلس، وله اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ النظام والأمن داخل المجلس وحوله، كما أن رئيس المجلس هو الذي يصدر كافة القرارات والتدابير المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية لأعضاء المجلس وأعوانه... وهو الذي يتولى رئاسة الجلسات العامة ويديرها.. وبالتالي لا يشير القانون الداخلي الى اكثر من ذلك ولكنه يفتح المجال في المقابل لاثارة اكثر من نقطة استفهام في هذا الصدد وحول مدى تدخل رئيس المجلس في تحديد خيارات رئيس الحكومة المكلف.. أخلقة العمل السياسي ليست مجرد شعار فاذا كان رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي مصرا ومنذ اللحظات الاولى للاعلان عن اختياره من رحم مجلس شورى حركة النهضة بمهمة تشكيل الحكومة القادمة على تذكير مختلف الوفود الحزبية التي يواصل الاستماع لها على استقلاليته عن الحركة، فانه لا يبدو ان الحركة مستعدة للقبول بهذا الامر والتعاطي مع هذه المسالة عمليا وليس افتراضيا.. ذلك ان تصريحات زعيم حركة النهضة ومواقفه من الحكومة القادمة تصر على السير في عكس هذا الاتجاه... وهو ما يدفع جديا للتساؤل لماذا يصر الغنوشي على احراج رئيس الحكومة المكلف واستباق الاحداث بالاعلان عن موقف الحركة الرافض لوجود قلب تونس في الحكومة وهو ما يعيد الى السطح المواقف المتقلبة والانانية للحركة في التعاطي مع ملفات خطيرة ومنها ملفات تتعلق بالفساد كما هو الحال خلال الحملة الانتخابية وما رافقها من سجن لزعيم حزب قلب تونس نبيل القروي قبل ان يتم الافراج عنه وعودته الى المشهد كلاعب سياسي له وزنه، وهو ما يفترض ان لعبة المصالح السياسية ومقتضيات ضمان البقاء وحدها تغير مجرى الاحداث.. ندرك جيدا أن مسالة الاستقالية تبقى عنوانا قابلا لكل التاويلات، فلا احد بامكانه الاطلاع على ما تخفيه النوايا فلكل سياسي ميولاته وخياراته وتوجهاته مهما حرص على نفي او اخفاء هذه التوجهات، تماما كما ندرك أن المسألة لا تتعلق بحرية الراي والتعبير ولا حتى بموقف الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية وهو حركة النهضة ولكن الامر يتعلق بمسألة لا تخلو من التعقيد وتتعلق بالمهمة المزدوجة لرئيس حركة النهضة الذي يبدو وكأنه يتجاهل أحيانا انه رئيس مجلس نواب الشعب المنتخب فيقود وفد الحركة للقاء رئيس الحكومة المكلف في قصر الضيافة ويتولى التصريح عن استثناء قلب تونس الذي بفضله فاز برئاسة مجلس نواب الشعب للسنوات الخمس القادمة من الحكومة القادمة.. ليس من الواضح دوافع هذا الخيار من جانب زعيم حركة النهضة، ولكن الواضح ان فيها اكثر من رسالة لاكثر من طرف وان بين سطورها ما يمكن ان يشكل مصادرة لارادة رئيس الحكومة المكلف الذي سيكون بالتاكيد مقيدا في خياراته ومفاوضاته مع مختلف الاطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة وهو الذي يراهن على استقلاليته كعنصر أساسي للنجاح في مهمته في الاجال الدستورية.. النقطة التالية والتي تحتاج للتوضيح في الاذهان فتتعلق بضرورة تحديد الخط الفاصل في التداخل الحاصل بين مهمة الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب ومهمته كرئيس حركة النهضة المعنية بهذه الحكومة اذ يبدو أن التناوب على المهمتين مرة برفع "كاسكيت" قبعة زعيم الحزب ومرة برفع "كاسكيت" او قبعة رئيس مجلس نواب الشعب تحتاج لتثبيت الاقدام على الارض والانتباه الى ما يمكن ان يؤدي اليه ذلك من تناقض خطير في الادوار وتاثير على توجهات وخيارات رئيس الحكومة المكلف ان كان معنيا بمسالة الاستقلالية فعلا.. دعوة الى الانضباط .. اول امس وبعد لقاء وفد حركة النهضة برئيس الحكومة المكلف صرح الغنوشي الذي تراس وفد الحركة ان قلب تونس غير معني بتشكيل الحكومة وكأنه بذلك يوجه دعوة للسيد الحبيب الجملي بالانضباط الى التعليمات وعدم تجاوز حدوده او المجازفة بالذهاب الى عكس هذا الراي.. وحتى وان كان السيد راشد الغنوشي يريد من وراء ذلك ايهام الراي العام والمتتبع لمسلسل المفاوضات بشان استقلالية وحرية خيارات رئيس الحكومة فان هناك حاجة ملحة لرسم حد فاصل بين صلاحيات الرجل كرئيس للحركة وبين صلاحياته كرئيس منتخب لمجلس نواب الشعب.. النقطة التالية فتتعلق بوزارات السيادة وبالتصريحات المتناقضة لقيادات الحركة في هذا الشان والتي من شانها ان تؤكد ان مسالة استقلالية رئيس الحكومة المكلف تتنزل في اطار اكراهات لعبة المصالح بعد انتهاء معركة رئاسة المجلس.. ولعل في تصريحات القيادي السيد الفرجاني في حواره ل"الصباح" في عدد الاربعاء بشأن رئيس حكومة تصريف الاعمال يوسف الشاهد واعتبار" ان اعلان الشاهد عدم المشاركة في حكومة الحبيب الجملي مرده رفض المطالب او الشروط التي كان د تقدم بها"، ما يدعو للتساؤل جديا كيف علمت حركة النهضة بذلك وهل ان رئيس الحكومة المكلف مطالب بتقديم تقرير خاص عن لقاءاته مع الوفود التي يواصل الالتقاء بها والاستماع اليها.. ولاشك ان المطلوب في هذه المرحلة وتجنبا للغموض والتشكيك الفصل بين مهمة رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة اذا كان الرئيس المنتخب معني بالحفاظ على نفس المسافة في التعاطي مع كل مكونات المجلس.. طبعا الامر لا يتعلق بحقه في منح صوته للحركة التي ينتمي لها ولكن في الحفاظ على الحد الادنى من اخلاقيات العمل السياسي داخل المجلس المنتخب ورفع الوصاية عن رئيس الحكومة المكلف... وفي انتظار ما يمكن ان تؤول اليه الحلقة القادمة من "الاستماعات" التي يعتزم رئيس الحكومة المكلف القيام بها يبقى الاكيد على الاقل حتى هذه المرحلة ان هناك حاجة للتعجيل بهذه المفاوضات للخروج من دائرة الانتظار الممل والترقب لما سيؤول اليه مخاض الحكومة التي ستكون امام اختبار عسير ومسؤولية تجاوز مخاطر الافلاس الاقتصادي وتوفير اجور التونسيين الى التعجيل بانقاذ تونس من الانهيار اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا ووضع حد للداء الذي اسفحل بالبلاد والعباد... اسيا العتروس