مع ان الحدث لم يكن بالامر المفاجئ بسبب الحملة الدعائية التي رافقته فقد جاء الاعلان عن التحاق شبكة "اورونيوز"قبل بقائمة بقية القنوات الاجنبية الناطقة باللغة العربية ليعكس حجم التنافس على استقطاب المشاهد العربي في العالم العربي كما في دول المهجر ولاشك ان في اختيار توقيت اعلان انطلاق البث بلغة الضاد لم يكن بالامر الاعتباطي او وليد الصدفة فقد جاء هذا الاعلان من مقر معهد العالم العربي بباريس وعشية رئاسة فرنسا الاتحاد الاوروبي وانطلاق قمة باريس للاتحاد من اجل المتوسط في خطوة لا يمكن ان تخفي الابعاد والاهداف المرتبطة بالراي العام العربي في هذا العقد الاول من القرن الواحد والعشرين بكل ما شهده من احداث وتطورات ظل العالم العربي في اغلب الاحوال مجرد مفعول به وابعد ما يكون عن الفعل المؤثر في سير الاحداث لا سيما في ما يتعلق بالحرب المستمرة على الارهاب التي كان ولايزال العرب اول المستهدفين فيها واول من دفع ثمنها حتى الان بسبب الخلط المتعمد في احيان كثيرة بين العنف والاسلام... والحقيقة ان انطلاق اورونيوز في بث برامجها بالعربية ليس سوى خطوة اخرى تضاف الى خطوات كثيرة سبقتها في هذا الاتجاه بعد قناة "الحرة" الامريكية و"دوتشه فيللا"الالمانية و"روسيا اليوم" و" بي بي سي" البريطانية و" قناة 24 الفرنسية" في انتظار ربما ان تتضح برامج اخرى من الصين والهند واسرائيل التي يبدو انها تنوي بعث فضائيات لها ناطقة بالعربية تساعد على توضيح سياساتها وتوجهاتها ازاء العالم العربي ويبدو حتى الان ان صور اغتيال الطفل الشهيد محمد الدرة التي تناقلها العالم خلال الانتفاضة الثانية ومن بعدها تلك المشاهد المتكررة لاغتيال الصحافيين في العراق كانت وراء حسم هذا الخيار في اتجاه محاولة تلميع صورة الغرب لدى العالم العربي الا ان الملاحظ ان بروز هذه الفضائيات في ظرف زمني متقارب بدا بالخصوص في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتدعم بعد الحرب على العراق وانها تسعى الى تحقيق نفس الهدف من وراء استقطاب اسماء اعلامية عربية لادارة هذه الفضائيات ومحاولة الاستئثار باهتمام المتلقي في العالم العربي في زمن بات التنافس على اشده بين منابر اعلامية تسير كل منها في اتجاه معين يتماشى وخطوط السياسة الخارجية للدول التي تنتمي لها. ولعل القاسم المشترك بين عدد من هذه الفضائيات الاجنبية الناطقة بلغة الضاد انها تعود الى خوض التجربة من جديد بعد ان كانت تخلت عنها في السابق في اعقاب مغامرة لم تدم طويلا لاسباب مختلفة واذا كانت قناة "اورونيوز العربية "تعود بعد تجربة غير مثمرة منتصف التسعينات لتعيد التجربة محاولة الاستفادة من دروس الماضي فان قناة "بي بي سي العربية" بدورها تعود الى البث بعد ان كانت اختارت ايقاف انطلاقتها الاولى بعد سنتين في التسعينات ايضا وذلك بسبب برنامج اعتبر انه مسيء للعائلة المالكة في السعودية مما جعل ممولوها يتخلون عن مشروع "بي بي سي العربية" ويتجهون لبعث قناة" الجزيرة" في قطر التي يبدو انها كانت وراء قرار بعث قنوات جديدة ناطقة بالعربية تكون قادرة على تقديم البديل او على الاقل محاصرة كل من قناة "العربية" و"الجزيرة" التي نجحت ولاول مرة في خرق الصورة التقليدية للاعلام العربي الذي طالما وصف في الغرب بانه لا يمكنه الا ان يكون سوى بوق للدعاية للحكومات العربية او منبرا لنقد وشتم الادارة الامريكية... ولاشك ان نجاح الجزيرة في مناسبات عديدة في تحقيق السبق ولاسيما في احداث خطيرة وقطع الطريق امام قناة "سي ان ان" الامريكية التي كانت استفردت في حرب الخليج الاولى بنقل اطوار الحرب اولا باول وتنجح في 2003 في نقل الحرب المعلنة على العراق وتزيح الستار عن عديد الخروقات والانتهاكات التي ارتبطت بتلك الحرب ما جعل التفكير يتجه الى بعث قنوات موازية تكون قادرة على الاستئثار بالاهتمام في العالم العربي وهو الاستئثار الذي لا يبدو انه تحقق حتى الان واذا كانت قناة "الحرة" الامريكية التي يمولها الكونغرس قد احتفلت بمرور اكثر من اربع سنوات على اطلاقها فانها لا تزال تعد في نظر شريحة واسعة من الراي العام العربي في الداخل والخارج الناطق الاعلامي باسم الخارجية الامريكية وانها تهدف بالدرجة الاولى الى تلميع صورة امريكا المهتزة في العالم بسبب الحرب على العراق وافغانستان ولبنان وفلسطين ورغم كل الارصدة التي خصصها الكونغرس لهذه القناة والتي بلغت عند بعثها ستين مليون دولار فانها لا تزال تبحث لها عن طريق الى المشاهد العربي ولا شك ان موجة الاستقالات في اوساط مسؤولي القناة المتكررة قد زادت في تعقيد مهمتها لا سيما وان تلك الاستقالات ارتبطت في اكثر الاحيان بظهور او نشر اخبار لا تتماشى مع نسق توجهات الادارة الامريكية الممول الاساسي لهذه القناة مثل نقل خطاب حسن نصر الله على سبيل الذكر لا الحصر والذي يعد رمزا للارهاب بالنسبة لواشنطن في حين يعد رمزا للمقاومة في نظر السواد الاعظم من الشارع العربي او كذلك بنقل اخبار عن الاحداث الدائرة في العراق وفقا لمصطلح خاص بالقناة يعمد الى انتقاء كلمات دون غيرها في الاشارة الى العمليات الاستشهادية او الفدائية بانها عمليات انتحارية او غيرها كذلك من المصطلحات ومن جانبها فلا تزال "البي البي سي "البريطانية بدورها تبحث لها عن موقع في منطقة تشهد طفرة من الفضائيات المتنافسة على اكثر من مائتين واربعين مليون مشاهد ولاشك ان ما حققته اذاعة "البي بي سي" من مصداقية لدى المستمعين على مدى تجربة استمرت اكثر من سبعين عاما منذ بعث هيئة الاذاعة البريطانية لا يزال امرا بعيدا بالنسبة للفضائية التي اضطرت الى اغلاق اثني عشر مكتبا لها في اوروبا الشرقية لتحقيق هدفها في اعادة احياء فضائية بي بي سي بالعربية التي برر رئيس الوزراء غولدون براون وجودها بالجهود المشتركة في مكافحة الحرب على الارهاب والدعايات المؤسسة لتلك الحرب والامر ينطبق على فضائية روسيا اليوم والفضائية الالمانية التي لا تزال تتحسس موقعها في سماء الفضائيات المتنافسة التي بات من الصعب ان تحظى برضاء او قبول المتلقي العربي الذي تجاوز مرحلة الاستهلاك والقبول السلبي للمعلومة التي تصله في عصر لم يعد فيه مجال للاستبلاه الاخرين او تغييب المعلومة عنهم او فرض راي دون الاخر ومن هذا المنطلق فان مهمة اورونيوز لن تكون بالهينة وهي التي انطلق باثني عشر ساعة من البث في انتظار ان تمدد ساعات البث على مدار الساعة بتكاليف تجاوزت ثمانية وثلاثين مليون اورو بما يوحي بان الامر تحول الى سوق مالية واسعة تعد بالكثير لمموليها... الاهتمام بالمشاهد العربي كما يبدو تجاوز بالتاكيد حدود الفضائيات العربية المتنافسة بعد ان تجاوز عددها خلال عقد من الزمن نحو الخمسمائة قناة كان ظهورها وانتشارها اشبه بالفقاعات الاعلامية التي منحت الكثير من الشبان والمبتدين في عالم الاعلام المجال للبحث عن فرصة افضل للعمل الصحفي والكسب ولكن ايضا والاهم للبحث عن مجال اوسع للخلق والابداع بعيدا عن قيود الرقابة واالقوانين الزجرية من اجل صحافة حرة ومسؤولة ولكن لا يبدو ان الفضائيات الاجنبية الناطقة بالعربية قادرة على توفيرها او السماح بها حتى الان ....