نار تأكل بقايا نار وتشتعل هكذا كان شعري على الدوام ولأن اللهب الصاعد حارق ولأن اللهب الصاعد مارد طال السماء ومثل لعبة الكبريت فجّر آلاف النجوم فدوّت اغنيات للأطفال الأبرياء ولدماء شيخ قبل أن يودّع انشقّ.. فوقه الفضاء وسالت روحه الى فوق حيث الشوق والتوق لم يشهّد يومها.. لكنه حمل الشهادة كيف تموت وقد ودّعت الموت آلاف المرات أقمت بينك وبينه سُدّا من الكلمات وسجّلت ضده ما سجّلت من انتصارات «يا موت قتلتك الفنون جميعها» هكذا.. قلت.. كيف تموت وقد رافق الموت في حياتك الحياة تحدّثت اليه ظلا وشبحا نصفا منك وجها لوجهك حاورته متحديا وأشْهرْتَ في وجهه سيف الحروف الافقية للرسم والاسم: «م..ح..م..و د» سلّمته شهادة ميلاد أبدي فيها ما انقضى وما سينقضي فيها الذي لا ينقضي قبضة من الزمان خارقة بين ما كان وما سيكون ضاق بك المكان والزمان وبقدر ضيقهما اتسعت خرائط من الكلمات وبين الموانئ والمطارات بين مدن العالم والمحطات تشكلت فلسطين وفلسطين وفلسطين في كل رحلة مخاض وولادة واغنيات لفرح طفولي ظل متوقّدا في الشوارع والأزقّة فوق السطوح والروابي وفي اقصى ركن من أركان البيت العتيق في الناصرة والجليل وعكّا تقوده هنا او هناك رائحة خبز ونسمة فجر وعبْق وردة اثاره الندى بين غيمة ونجمة ومدى أيّها الطفل لازلت طفلا تكبر فيك الطفولة كل يوم أيها الطفل لازلت طفلا مملوءة ذاكرتك بحواسّك الخمْس مفعم كيانك بروح القدس منتشر وجدانك في الحجر والشجر والضجر في السحاب والتراب في نسغ النسغ وأصل الأصل والخيط الفاصل بين الليل والنهار حملت الينا جميعا وطنا وحرية وزهرة برية فكيف تموت؟ أهديتنا مفتاحا للقدس ونافذة للشمس اودعت فينا قيسا من وهج الحروف وحقول قمح لازالت روح جدك بها تطوف سمعتها تردد اثر تلاوة صلاة: «يا ابني وفلذة كبدي أين أنت وفي أي مطار نمت؟ في أي خيط من الضوء رحل صوتك في أي غمامة سافرت أبجديتك؟ تعبت وتعبت وسيظل قلبك رغم صمته ينبض وسأظلّ هنا أضمّك وأضمّه في انتظار ميلاد وقيامة وانتصار نهائي لمعركة الكرامة يا ابني وفلذة كبدي رأيت الاقصى في عيون كلماتك ولما احترقت بنار الشوق اليه أسريتُ في ملكوت أشعارك فرأيت ما لم ترهُ عين وسمعت ما لم تسمعه أذن أيها الشاعر يا وطنا معلقا في الوجدان والذاكرة يا موعدا متجدّدا وصبحا متورّدا وليلا لا نريد له ان يأتي وحتى لا نبالغ في التفاؤل مرّت علينا ليال كثيرة وتمر.. ولو لا مصابيح الحروف لو لا كأسها والدرّ لو لا سجل أنا عربي والهوية لو لا رتا وعيونها والبندقية ورائحة خبز أم قامت تعجن في الفجرية لو لا نخلة فارغة وزيتونة مباركة وياسمينة يانعة لو لا صلاة وقيامة واسراء ومعراج وفرح طفولي غامض غامض لبكيتُ.. ولكنني لن أبكي سأضمّ ألمي لألمك سأضمّ شوقي لشوقك فتولد اغنية: «نحن أحياء وباقون.. وللحلم بقية».