لئن قلّ الحديث عن الجامعة التونسية للمسرح بعد مرور فترة وجيزة على جلستها العامة وانتخاب احد الممثلين رئيسا لها، وكاني بجل «المسرحيين الهواة» لم يعد يهمهم من امر هذه الجامعة شيئا. فاني اردت اثارة هذا الموضوع من جديد، لا فقط بصفتي مسرحيا وادير فنيا جمعية مسرح الشمال ببنزرت التي تأسست منذ سنة 1966، بل لاني كنت كذلك من الذين ساهموا بصدق وفاعلية في بناء وتدعيم هذا الهيكل الجمعياتي في نطاق مسرح الهواة بصفة خاصة وليس المسرح ككل، وذلك نظرا للبون الشاسع بين الهواية والاحتراف، خاصة على مستوى التوجهات والغايات وطرائق العمل والاهداف، اذ ان الجامعة لا يمكنها بصبغتها الجمعياتية ان تكون هيكلا نقابيا على صعيد الاحتراف. بحيث ان مسرح الهواة الذي يعتبر الوعاء الثقافي الفني القابل لاحتواء هواة المسرح بجميع شرائحهم واصنافهم ومستوياتهم واعمارهم، انطلاقا من الطفولة هو الذي يحتاج الى جامعة حازمة ونشيطة تسهر على تأطير الجمعيات المسرحية ومساعدتها على الاضطلاع.. بدورها على نطاق واسع يتجاوز بكثير نطاق الاحتراف. خاصة وان المسرح يعتبر من اهم مقومات الغذاء الفكري على المستوى الثقافي والحضاري للمجتم المدني، لذا فهو يتطلب ارضية صلبة ومترامية الاطراف تحتضن جمهورا مسرحيا واعيا يدرك مدى المسرح ومدى أهمية رسالته الثقافية والاجتماعية والحضارية، وهذا لا يكون الا بتضافر جهود كل الهياكل الجمعياتية على الخصوص وتجاوبها مع جهود الدولة لان الهواية والتطوع، والرغبة التلقائية في العمل والابتكار والابداع والتوق المتواصل للاضافة هي من أوكد متطلبات البناء الثقافي والحضاري، وهذا ما ينبغيي التركير عليه، في مجال الثقافة بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة. مفاجأة لم تكن في الحسبان والواقع الذي لا يمكن تجاهله او اخفاءه هو ان الجامعة التونسية لمسرح الهواة، وهو اسمها السابق قد قطعت منذ تأسيسها اشواطا بعيدة المدى في هذا الاتجاه والكثير من المسرحيين القدماء الذين ناضلوا بصدق في هذا الميدن، يذكرون الفترة الذهبية الاخيرة التي عاشتها الجامعة مع الهيئة المديرة التي ترأسها المثقف والكاتب المبدع الاستاذ يحي محمد والني كنت شخصيا من اعضائها النشيطين، فقد قامت في هذه الفترة بدور فاعل في دعم وتنشيط مسرح الهواة، وفي توطيد العلاقة نبين الجمعيات في كل الجهات، والسعي الدؤوب لدى وزارة الثقافة لتحقيق مكاسب تشجيعية هامة لفائدة هذا القطاع. لكن في السنوات الاخيرة وقعت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان اذ ان الهيئة المديرة التي كانت تتصرف في حظوظ الجامعة قبل مؤتمرها الاخير نسجت خيوط لعبة ادت الى تجريد هذا الهيكل من هويته الاصلية وذلك بحذف كلمة مسرح «الهواة» من اسم الجامعة، فتقاذفتها الاهواء الشخصية، وانحرفت عن مسارها وعن الغايات والاهداف التي بعثت من اجلها، وفقدت توازنها وقيمتها كما فقدت ثقة الهياكل الجمعياتية القاعدية، ولم تعد تلقى الاهتمام من طرف الدوائر المسؤولة كما كانت من قبل وآل بها الامر الى الفراغ المدقع، وهذا امر بديهي لان تغير اسمها جعلها، لا هي جامعة هواة ولا هي نقابة محترفين هذا بالاضافةالى التصرفات العشوائية الاخرى على مستوى التسيير التي ساهمت ايضا بقسط وافر في تعثر الجامعة واخماد توهجها. وقد زادت الجلسة العامة الاخيرة التي غاب عنها الكثير من جميعات الهواة في تعميق هوة الانحراف عن الجادة، وارى انه من قبيل المغالطة ان يعلن الرئيس الجديد انه سيرد للجامعة اعتبارها وانه سيجمع من جديد شمل الجمعيات حولها، في حين انه يدرك في قرارة نفسه على الاقل ان هذا الهيكل الذي اصبح يترأسه لا يمكنه باي حال من الاحوال ان يقدم ولو الحد الادنى من الخدمات للجمعيات المسرحية لانه اصبح خاوي الوفاض من المقومات التي تؤهله لذلك. بحيث ان الامر اصبح موكولا الى القائمين على شؤون جمعيات الهواة فهم وحدهم القادرين على تصحيح مسار الجامعة، او ايجاد الهيكل البديل ان تعذر عليهم ذلك. لان قطاع مسرح الهواة في حاجة ملحة الى جامعة خاصة به، تسهر على رعايته وتأطيره، وتساعده على مواصلة السير في الطريق السوي ثقافيا واجتماعيا وحضاريا وابداعيا.