بعد اكثر من تاجيل وخلال استعراض عسكري لا يخلو من الاثارة والاشارات المتناقظة عاد الملف الامني لمحافظة الانبار المتمردة على وجود القوات الاجنبية الى العراقيين او هذا على الاقل مايبدو او ما اريد تسويقه لا من خلال العناق الحار بين الجنرال جون كيلي قائد القوات الامريكية في العراق وبين محافظ الانبار فحسب ولكن ايضا من خلال الخطاب الترحيبي للرئيس الامريكي جورج بوش الذي لم يفوت الفرصة ليذكر"بالنصر" الذي تحقق لقواته هناك وبان الانبار قد تخلصت من القاعدة وان دور القوات الامريكية بعد هذه الخطوة سيقتصر على الاشراف مستقبلا على الاوضاع وهو بذلك انما يستبق الاحداث ويقطع الطريق امام كل التكهنات والتوقعات والمطالب بشان تحديد موعد لانسحاب القوات الامريكية من العراق وهي النهاية المنطقية الي يجب ان تؤول اليها الاحداث وفق الخطاب السياسي الامريكي الذي ما انفك يشيد ويروج للانجازات والانتصارات التي تحققت لقوات الاحتلال في بلاد الرافدين بعد ست سنوات من الاجتياح وبعد ان تحول تنظيم القاعدة في العراق الى شماعة لتبرير الاجتياح ومنه الى تحديد كل المبررات المطلوبة وغير المطلوبة لتبرير ضرورة استمرار القوات الامريكية الى اجل غير مسمى بعد ان تم اسقاط كل التقارير والدراسات والاعترافات الرسمية وغير الرسمية بان العراق لم يكن متورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر وان فلول القاعدة وجدت طريقها الى هذا البلد بعد احتلاله وانتهاك سيادته واختراقه وتدمير منشاته ... ولعل في اختيار اليوم الاول من شهر رمضان للاعلان عن اعادة الملف الامني للانبار ما يمكن ان يحمل في طياته اكثر من رسالة لا تخلو من اشارات واضحة تهدف الى اثارة مشاعر اهالي الانبار كما بالنسبة لمختلف ابناء الشعب العراقي الذين يتطلعون الى استعادة امنهم واستعادة سيادتهم بعيدا عن مختلف انواع الوصاية الاجنبية الا ان الواقع يبدو غير ذلك لا سيما امام استمرار الغموض المحيط بابعاد واهداف الاتفاقية الامنية التي تسعى ادارة الرئيس بوش لتوقيعها مع الحكومة الرابعة للاحتلال وتامين مصالحها الامنية والاستراتيجية في المنطقة وفي العراق وخاصة ضمان سلامة قواتها و تمكينهم من الحصانة المطلوبة حاضرا ومستقبلا من كل انواع المساءلة او المتابعة اوالمحاسبة في كل ما اقترفوه في العراق طوال سنوات الاحتلال عمدا او عن طريق الخطا ... بلغة الارقام فانه باستلام الملف الامني من القوات الامريكية تكون الانبار اكبر المحافظات العراقية المحافظة الحادية عشرة واول محافظة سنية تعود الى السيطرة العراقية وفي ذلك خطوة كان بالامكان ان تشكل منعرجا في الاستراتيجية الامريكية في العراق لو انها ارتبطت بخطوات اكثر واقعية في اتجاه تحديد موعد لانسحاب القوات الامريكية وغيرها من العراق اما بلغة الحروف فان استلام القوات العراقية الملف الامني في الانبار لا يعني باي حال من الاحوال جلاء القوات الامريكية عن المحافظة بل يعني استمرار بقاء خمسة وعشرون الفا من تلك القوات في الانبار في مهام مختلفة بين تدريب وتاهيل القوات العراقية وبين الاستعداد للتدخل بطلب او بدون طلب من العراقيين ... اما بلغة الحسابات والمصالح فان محافظة الانبار وان لم تكن من المحافظات النفطية فانها تتمتع بموقع استراتيجي بسبب حدودها مع ثلاث دول عربية وهي سوريا والاردن والسعودية بما يمنحها موقعا خاصا في حسابات القيادات العسكرية الامريكية التي تنظر اليها كممر للمقاتلين العرب المتسللين الى العراق وقد كانت الانبار كانت نقطة سوداء في سجل القوات الامريكية التي وجدت في المحافظة مقاومة شرسة للاحتلال منذ اليوم الاول ورفضا من جانب الاغلبية السنية للوجود العسكري الاجنبي وهو ما يفسرتفرد الانبار باكبر حصيلة من الخسائر في صفوف القوات الامريكية التي لم تتردد بدورها في دعم جهود مجالس الصحوة العراقية بعد ان ادركت دورها في مواجهة التنظيمات المتطرفة التي وجدت في الفراغ الامني والسياسي في المحافظات العراقية مرتعا لها لتزيد في ماسي الاهالي ومعاناتهم التي باتت مزدوجة بين سندان انهاكات قوات الاحتلال وبين مطرقة شبكات المتطرفين ...و لاشك ان الحديث عن بروز خلافات حادة الى السطح ووجود انقسامات بين زعامات عشائرية وحزبية وغيرها بالتزامن مع هذا الحدث ما يؤشر الى ان كل التبريرات ستكون مطلوبة من اجل استمرار الوجود العسكري الامريكي تحت أي غطاء او تهديد محتمل او غير محتمل تكون فيه الورقة الامنية الملاذ في كل الاوقات سواء كان المرشح الجمهوري ماك كين او الديموقراطي اوباما الرئيس الجديد للبيت الابيض ذلك ان المصالح الامريكية لا تتغير بتغيرالاسماء والوجوه وأي تغيير لا يمكن ان يتعدى حدود ما سيسمح به صناع القرار وفقا للمخططات والاستراتيجيات الطويلة وقصيرة المدى ...