منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    افتتاح مركز موسمي للحماية المدنية بفرنانة تزامنا مع انطلاق موسم الحصاد    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    قافلة الصمود : الإفراج عن 7 من الموقوفين    فرصة عمل للتونسيين في السعودية: إليك التفاصيل    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    درة ميلاد تدعو إلى تنويع السياحة وإنقاذ قطاع الفنادق في تونس    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    121 حريق تسبّبت في تضرّر أكثر من 200 هك منذ بداية جوان: إقرار لجان تحقيق مشتركة للبحث في ملابسات اندلاع الحرائق    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    ترامب يهاجم ماكرون بعنف: ''لا يعرف سبب عودتي... ويُطلق تكهنات لا أساس لها''    اشتعال النيران في 36 شاحنة في برلين...تفاصيل    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    عبدالله العبيدي: إسرائيل تواجه خطر الانهيار وترامب يسارع لإنقاذها وسط تصاعد الصراع مع إيران    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    إلى حدود 15 جوان: تجميع حوالي 3.51 مليون قنطار من الحبوب    انعقاد جلسة عمل اللجنة القطاعية للبيئة في إطار إعداد المخطط التنموي 2026-2030    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الاول) : العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    هجوم إيراني جديد على تل أبيب وأميركا تنفي المشاركة بالقتال    ماكرون.. ترامب أبلغ زعماء مجموعة السبع بوجود مناقشات للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخة مفجوع في حبيبته وعروبته ولغته
كتاب «ديلانو شقيق الورد» للفيلسوف الشاعر سليم دولة:
نشر في الصباح يوم 06 - 09 - 2008

تونس الصباح: طبعا في الواقع لا فحتي كتب الاختصاص يمكن لمحبي الاطلاع وحتى المتطفلين أن يطلعوا عليها، أما في المجاز فيمكن للفيلسوف التونسي سليم دولة أن يفرد سبع صفحات من ديوانه الأخير للتنبيه بغاية الإقصاء وانتقاء قراء نصه الشعري المتكون من 194 صفحة ضمها كتاب من الحجم المتوسط اشتمل على 205 صفحات طافحة بنرجسية الشعراء وإحساسهم بالتفوق على المحيطين بهم.
عملية الانتقاء هذه يمكن أن تحيلنا على تخمينين مختلفين تماما.
لان ما سمي في بداية صفحات كتاب «ديلانو شقيق الورد» وهو عنوان الديوان بنص التنبيهات يمكن أن نعتبره مجرد عملية ترويجية لإشهار الديوان ودعوة مراوعة إلى قراءته والاَطلاع عليه ويمكن هنا أن تذكر بصيغة «لا تقرا هذا الخبر» الذي تعتمده بعض الجرائد والمجلات لجلب انتباه القارئ لتجعله يلتهم ما فيه...
ويمكن أيضا أن نعتبره دعوة صريحة وتبن واضح وبناء أكيد لأسس ثقافة التعالي والاستعلاء التي عادة ما يفرزها الإحساس بالاضطهاد
ولعل سليم دولة بهذه التنبيهات تعالى حتى على المتنبي إذ قال:
أي محل ارتقى
أي عظيم اتقى
وكل ما خلق الله
وما لم يخلق
محتقر من همتي
كشعرة في مفرقي
أو في قوله:
أنا ترب الندى و رب القوافي × وسهام العدى وغيظ الحسود
أنا في امة تداركها الله × غريب كصالح قي ثمود
غير أن الفرق بين تنبيهات سليم دولة الشعرية و بين أبيات المتنبي هذه يكمن فقط في تنبيه النعومة بالصفحة 13 من كتاب «ديلانو شقيق الورد» وهو: هذا الكتاب: طار في هوى اللذين أحبهم عنقي !
إذ نجد في هذا صدق في الاعتراف بالهزيمة مع النفس ومع الآخروليس في هذا حرج لان الاخر يرزح بدوره تحت ثقل الهزائم والانكسارات وهو صدق مع الذات وتلخيص لراهن لا يعرف حقيقته إلا من صادقوا الشاعر وعايشوا معاناته وخبروا موقعه وهو الفيلسوف الذي نبغ منذ كان طالبا في الجامعة إذ عرف بكتاباته الفلسفية التي توجها سنة 1987 بكتابه «ما الفلسفة»
ونشر ديوان «السلوان والمنجنيقات» سنة 1995 وكتاب «الجراحات والمدارات» سنة 1997 والثقافة والجنسوية الثقافية وله عدة مخطوطات أخرى فضل على ما يبدو ان يسبقها كتاب «ديلانو شقيق الورد» وهو ديوان متكون من قصيدة واحدة مقسمة إلى 14 جزء تربط بينها لغة شعرية تحتل كل كلمة فيها مساحة أوسع من دلالاتها المعجمية أي أن كل كلمة تعني في القصيدة أكثر مما تشير إليه حتى إننا نجده في بعض قصائده يستنفذ في الكلمات كل طاقاتها التصويرية والإيحائية والموسيقية كقوله في الصفحة 152 :
أمزق لحاف فراشي
تفر مني
(عيني)
ثيابي
تبسمل حيطان غرفتي
اكلم خلقا من الأهل
في عداد الغياب
أطبطب على جدران الجيران وقوله في الصفحة 78
سقوني وقالوا لا تغني ولو
سقوا جبال حنين ما سقوني
لغنت
طار في هوى الذين احبهم عنقي
وفي الصفحة 141
أنا لا ابكي علي... قذفت بي وبي خارج المشهد
اللغوي، اشرف من علياء جبيل الروح على قطعان
وحشتي وإن كان لي وبي صلابة الصّوان، دهشة
الرّسّام في حضرة المتخيل، رقة أجنحة
الفراش، حيرة الملحن الخلاق أمام
نصّه ...ارتباكُ الرّوائي عند تمرّد شخوصه، انزلاقُ
صورةٍ من الكاميرا خارج المشهد، هشاشة الرّخام
العشقي أخرجت بي ومني خارج مقتضيات
المناظر!
هذه اللغة على شاعرّيتها تأتي في بعض المقاطع رقيقة مرهفة مرة خشنة بذيئة مرّة أخرى وهي بسيطة رقراقة مستعملة مستهلكة تارة وقاموسية وعرة طورا آخر وراقصة متوترة مزهوة زهو قائلها بامتلاكه ناصية اللغة مرة ثالثة ....
وقد اعتمد سليم دولة في ديوانه هذا على الانزياح وخرق في عديد المرات القواعد وخرج عن المألوف واحتال على النثر لتكون لكلمته تعابير غير عادية عن عالم غير عادي رغم أن ينهل من واقع ورغم ان جذوره ضاربة في عمق الأرض التي تضيق به على اتساعها ورغم أن رأسه يطال حدود السماء ويجوب الكواكب والمجرات ...
هذا الانزياح لم يكن على ما يبدوا هدفا في حدّ ذاته في شعر سليم دولة لان لغته خالية من العبث اللغوي ورسائله الشعرية لا فوضى فيها= وإن كانت في بعض الأحيان- فإنها الفوضى التي تسبق التنظيم ولكنه (أي الانحياز) كان وسيلته لخلق لغة شعرية مشبعة بالاحاسيس التيبث بواسطة الإيحاء
أما بالنسبة إلى الصور الشعرية فقد تهادت في كتاب: «ديلانو
شقيق الورد» في خيلاء واضحة المعالم متناسقة الألوان متناغمة الموسيقى أوبيرالية اللحن راقصة متلألأة كالنجوم في كبد السماء ليلة صيفية هادئة ... وتصل الصورالشعرية ذروة الوضوح والنقاء والجمال في قصيدة ديلانو في الصفحة 72 اذ يقول:
ألبسني حبك
«كسوة آل العباسي»
حبيبة حبيبات الروح
هل أباح لك السيد المسيح سفك دمي
قدام عوالم للعالم اللامرئي؟
مبالغة في استعمال الرمز
لقد بالغ سليم دولة في هذا الديوان الشعري في استعمال الرمز باختلاف أنواعه وذلك للتأكيد على ثقافته وسعة اطلاعه والتباهي بما لديه من معارف وإلمام بأمهات الكتب والمراجع وقدرته على استحضار تلك المرجعيات والاستلهام منها والتخفي وراءها ولكن الرمز الأسطوري طغى على الرموز الدينية والتاريخية والشعبية في تصوير الحالة الشعرية الشاعر وأنقذها بذلك من المباشر والتقريرية والخطابية وجعل القصيدة تحلق في فضاء متخيل واسع الأبعاد زمانيّا ومكانيّا.
أما بالنسبة للمواضيع التي تطرق لها الشاعر في كتاب «ديلانو شقيق الورد» فهي على اختلاف أغراضها تصب كلها في وادي إعلان الحرب على أعداء الحرية وعلى الضعف والاستكانة والمتاجرة بالقضايا العادلة وإعطاء دروس في عشق المحبوب سواء كان هذا المحبوب مكتبته بما تحتويه من كتب ومراجع أوديلانو الفتاة العراقية الجريحة أو لغة الأدب بأجناسه قديمها وحديثها ويبدو هذا في قوله :
وقلت للغة:
«عذبتني عذوبة المجاز
وطقطقة عظام الصرف وحيل النحو
وكيمياء الإعراب ونذالة الأعراب الجدد
مع أحرار العرب
أو كان الكون بداية من قصر قفصة مسقط رأسه وانهج العاصمة والبلدان العربية بفلسطينها وعراقها وصولا إلى الهند والصين وآسيا أو الكرة الأرضية بكل قاراتها.
وفي النهاية يمكن تلخيص كتاب «ديلانو شقيق الورد» في انه رسائل شعرية من قلب مغاربي مكلوم موجوع بسبب استباحة أعراض الأهل والأحباب في فلسطين والعراق وبسبب عذاب «ديلانو» جريحة العراق العذراء.
فهل وصلت هذه الرسائل للقارئ الذي انتقاه الشاعروارضى غروره؟ وهل هزت هذا القارئ صرخة قلب سليم دولة الذي سقط لسقوط بغداد فصرخ صرخة فيلسوف ثائرلم يجد لثورته إطارا يحتويها؟ مفجوع يحذر بين دفتي ديوانه من الخونة فلا يجد حلا أو سلاحا سوى تكرار عبارة «كفى/كفى...يكفي/كفى» حتى أصبحت كلازمة تفيد وصول المفجوع في عروبته وإنسانيته إلى مرحلة الهذيان والرفض الكلى دون تجزيء أو تخصيص للوضع العربي الراهن من المحيط إلى الخليج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.