سليم دولة صاحب »الجراحات« و »المنجنيقات« وصاحب «»ألذّ الخسارات« ب »ديلانو« ديوانه الجديد يعلن قلق الفلسفة والشعر ويقنع بالاستقرار على فيض من الفوضى العارمة في تجربة عمره ويحاول ترجمتها في ملحمة شعرية تحمل كل أساليب الفنّ فيمزج بين الحديث والجديد ويصنع إحدى معجزات الحداثة حيث جاور بين نمطين من الكتابة يتناقضان في الانتماء المدرسي، فهو لا يفرّق بين الكتابة بالحبر والكتابة بالدم، أي لا ينتصر للشكل وحده ولا ينتصر للمعنى وحده ولا للتجربة وحدها بل يصنع من كل هذا نصا متمازج الأنماط والأشكال واللغات (الألسنة)، متعدّد الأجناس يتماهى السّرد فيه بالوصف والنثر بالشعر والمسرح بالغناء والسّجع. نصّ من هوية التونسيّ سليل الحضارات المتعاقبة، التونسي ابن الكاهنة ولعل الاهداء يقف على ما نقول، فهنالك علاقة سرّية بين عنوان النصّ »ديلانو« وهو اسم واقعي لبنت عراقية مسيحية والاهداء الذي جاء الى »الكاهنة« البربريّة التونسية وما حدث لها مع حسان بن النعمان ولعل العلاقة في الحفاظ على النسل والأسرار مثلما هو الشأن بالنسبة للشاعر الفيلسوف »سليم دولة« و »ديلانو« التي استأمنته على قلبها في بلدها »بلدة« العراق ولعل مدار التأنيث بأسره من العنوان الى الاهداء يعلن تأسيس النصّ الملحمي المقام على الخصب والعطاء والتناسل، فأصل الحياة أنثى. إذا كان من البداهة القول أن الشاعر، الشاعر لا يكون محايدا وإذا كانت الفلسفة الفلسفة ليست محايدة ولا الفيلسوف فإن نصّ »التنبيهات« يدلّل على صرامة في الكتابة غير تلقائية ودعوة صريحة الى »مخاطر« قد لا يحتملها البعض »سلطة كانت، كتابا، شعراء أو حتى أفرادا«. فهذا »كتابها دون منازع« والشاعر العاشق والقارئ العاشق مجبر على المضيّ تجاه الحلم عنوة أو اضطرارا. »مُنعت من طلب يديها، اطلب رحيلها.. أيها العاشق... بلا ندم!... على طريقة الصوفية جاءت التنبيهات، وعلى طريقة الكتابة القديمة في كتب التراث جاءت أيضا »طار في هوى الذين أحبهم عنقي«. وكانت التنبيهات حاسمة في المعنى »فمن لم يعجبه فقد كتب لسواه« وقد جاءت سدّا أمام ما تصوره الشاعر الفيلسوف سليم دولة من المعترضين وهو صاحب »ألذّ الخسارات« فهو يعرف إلى حدّ ما المعيقات التي يمكن ان يصطدم بها النصّ، وهو ما عنيناه منذ البدء بأن النصّ بلبوسه والتباسه وأجناسه إنما يغرزُ قدماه في الطين، طين الواقع، رغم تحليقه نحو السماوات والمجرّات والكواكب والألفيات القادمة. ينبه سليم دولة الى خطورة ما أقدم عليه ليعلن وعيه بكل جملة أو حرف أو فاصلة. »لن أحذف فاصلة واحده من هذا الكتاب... كلّف ذلك ما كلّف«. لذلك رأينا ان الاهداء ليس بريئا وعفويا، بمعني ان الاهداء والتنبيهات كانت ضرورة للايحاء بما يجب ان يكون عليه النصّ وليس كما قرأت لأحد مقدمي الكتاب بأن التنبيهات والاهداء كانا للايهام بأهمية الكتاب للاقدام على قراءته فهذا حسب اعتقادي رأي ضعيف بل وفيه تقليل من أهمية الاهداء والتنبيهات ان لم يكن تقليلا من اهمية الكتاب وصاحبه أصلا...