نجحت قناة الأم بي سي في شدّ أكثر من 10% من سكان العالم العربي بمسلسل تركي أقلّ من عادي اعتمد دبلجة سورية ركيكة ولم يكلّف القناة مصاريف ذات بال مقابل ما درّه عليها من مداخيل متأتية من الاشهار. وفي تونس احتلت هذه القناة خلال شهر أوت المرتبة الأولى ضمن القنوات التي يشاهدها المتفرّج التونسي مزيحة بذلك القنوات التونسية رغم ما كانت تقدمه من انتاج وطني.. وبذلك ساهم المتفرّج التونسي في الترفيع من متابعي نور ومهنّد الى حدود ال 85 مليون متفّرج بما مثّل رقما قياسيا لم تبلغه أي قناة عربية عند عرضها لمسلسل على حدّ تعبير مسؤولي أم بي سي. خلال مواسم الشتاء كان المتفرّج التونسي يتسمّر أمام تلفزيونه مساء كل جمعة لمتابعة البرايم تايم لبرنامج ستار أكاديمي... وكان المشارك التونسي الذي يبلغ الأدوار النهائية يحظى باستقبال رسمي وشعبي يستحيل ان يحظى به عالم من علمائنا العاملين بالمهجر والذين قدّموا للانسانية جليل الخدمات.. وفي رمضان وبعد إحدى عشر شهر من الصيام عن الانتاج الوطني تعود تلفزتنا بمسلسل بثلاثين حلقة وسيتكوم وقهوة عربي لمن استطاع «لشربها» سبيلا.. زد على ذلك مسلسلا على قناة 21 قلّ من يتتبعه.. ورغم هذا الانتاج الذّي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة فإنه يكلّفها ما يحول دونها ومواصلة الانتاج الا بحلول رمضان القادم رغم السيل المدرار من الاشهار.. على اعتبار ان هذه الانتاجات ذات الاستهلاك الواحد غير قابلة للتسويق خارجيا يسدد لها من المال ما يكفي لانتاج عديد المسلسلات السورية الكثيرة الرواج. سياسيا هناك عزيمة صادقة للنهوض بالمشهد الثقافي تجسّمت في الترفيع التدريجي في ميزانية وزارة الثقافة واعادة هيكلة مؤسستي الاذاعة والتلفزة التونسية وذلك بغاية تحصين هويتنا والسعي للاشعاع بانتاجنا الثقافي اقليميا ودوليا.. لكن واقع الحال الآنف سرده يكشف عن عديد النقائص والتناقضات في تجسيم هذا الاصلاح الثقافي الرائد.. فوزارة الثقافة تنفق لدعم الانتاج الفني الوطني عشرات الملايين من الدنانير.. تنفق بسخاء على انتاجات لا تغادر رفوف محلات بيع الكاسيت أو خزينة مؤسسة التلفزة.. في المقابل يصنع تلفزيون ال «آل بي سي» وخلال شهرين من الزمن نجما يحقق لتونس من الاشعاع ما يستحيل على كل الفنانين المدعومين تحقيقه بل قل تحقيق ولو جزء بسيط منه.. ويحيي هذا النجم من الحفلات خلال أشهر ما لا يستطيع جميع الفنانين إحياءها خلال سنوات اللهم الاّ إذا كانوا من فناني الاعراس والكباريهات. أما مؤسسة التلفزة فتنتج مسلسلا يحظى باهتمام بضعة آلاف من المشاهدين ليقبر فيما بعد في رفوف النسيان ويؤثث في أفضل الحالات البرمجة الصيفية الخاوية.. تنتج أوتقتني مسلسلا فتثري الكاتب والمنتج والمخرج والممثلين وتفلس هي ويجوع فيما بعد المتفرّج فيهجر قناته الوطنية.. أفما آن الأوان للبحث في الاسباب العميقة وراء حالة العجز هذه.. أما آن الأوان لتعديل أوتار استراتيجية الانتاج والدعم ودخول معارك الانتاج الجديدة والبحث في السبل الكفيلة بتحقيق الاشعاع المرجو والمسك بزمام الأمور عوضا أن نكون مجرّد متلق أو أن يكون وزراؤنا مجرّد مستقبلين لنجم ستار أكاديمي الذي صنعته بلد تمزق أوصالها الحروب؟ فأي شعب هذا الذي أصبح مهنّد رمز الرجولة فيه ونور رمز الانوثة وميزانية وزارة الثقافة فيه تحظى بعناية خاصة قلّما تحظى بها ميزانيات دول فاقتنا ثقافاتها إشعاعا. لقد آن الأوان لنخلع عن شعبنا جبّة المستهلك الساذج وأن نصنع بدورنا الرأي العام كما تصنعه دول أخرى شرط أن ننأى بأنفسنا عن الحسابات الضيّقة وأن نتوقف عن التفكير في كيفية قسمة كعكة الدعم وميزانية الانتاج... أن نتوقف عن الطمع في «اللقمة الباردة». حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: