طبيبة مختصة في الامراض النفسية: مسلسلات تطرح بديلا جديدا لمشاعر البرود والجفاء بين الأزواج «نور» «سنوات الضياع» «لحظة وداع» وغيرها من الأعمال بأبطالها وبطلاتها وشخصياتها الرئيسية والثانوية، فكل فرد في هذه المسلسلات له محبيه... فهل لهذه المسلسلات تأثير على مجتمعاتنا أم أنها «سحابة صيف» في حياة البعض ستنقشع كما حصل مع بعض المسلسلات المكسيكية التي سبقتها، أم ستترك تأثيرا سلبيا على العلاقات الزوجية والاجتماعية والأخلاقية؟ وهل سيساهم هذا الغزو للمشاهد الرومانسية في تحريك مشاعرنا؟ أسئلة عدة تدور طويلا في أذهاننا ونحن نرى هذا الهيام الفاقع وهذا الانبهار الكبير بهذه النوعية من الدراما الوافدة والتي تستهوي فئات الشباب والفتيات ومن قبلهم ربات البيوت و حتى الأطفال أصحاب الوجوه البريئة والتي لم تعد كذلك بعد أن عبثت ببراءتها مسلسلات الحب و الغرام ترى اي سر في ذلك؟ إن النظر في مسالة هذا الهوس بالمسلسلات التركية لا يمكن اختصاره بكلمات فالمسالة متشعبة و ذات دلالات مختلفة و متعددة اجتماعية و عاطفية...وبما أنها أضحت مثل الادمان عند العديد فلا يستطيعون الانقطاع عن متابعتها . فقد القت هذه المسلسلات عبر مشاهدتها حجرا في مياه الحياة الأسرية العربية الراكدة، حيث كشفت عن الرومانسية المفقودة التي تتمناها الزوجات العربيات في منازلهن، حتى إن الخادمات أنفسهن يتوقفن عن العمل بسبب شغفهن ب«مهند» او يحي او غيرهم من الابطال. «في كف الميزان» ان الامر لم يقتصر على مشاهدة وشهرة المسلسل وحبكته الدرامية وإنما تعداه إلى الإعجاب بالجمال الخارجي لأبطالها الذين تم انتقاؤهم بدقة فائقة جعلت أعين المراهقات والمتزوجات مرشوقة في كل حلقة من حلقات المسلسل. وقد اعتدنا جميعاً على ملاحظة مثل هذه الظواهر بين الفترة والاخرى مع ابطال المسلسلات المكسيكية لكنّ الامر الآن تفاقم ليصل الى بعض حالات الطلاق والشجارات حسب ما افادت السيدة أميرة العيساوي من خلال بعض الحالات التي سمعت عنها حيث قالت في هذا الصدد: ان اغلبية المشاهدين والمشاهدات بمختلف شرائحهم و ثقافاتهم هم من الأشخاص المعجبين بجمال الابطال ، كمهند بطل مسلسل «نور» او «ميرنا و خليل» ذاك الشاب الاشقر صاحب العينين الزرقاوين والانيق والمحب او يحي ذلك الوسيم مفتول العضلات اسود الشعر ذي سمات الرجولة و القوة. وتضيف فالكثيرات يعتبرنهم رموزا لرومانسية يفتقدنها لدى رجالهن فصار ابطال المسلسلات سببا لحالات الطلاق التي نسمع عنها اليوم. و لم يقتصر هوس الفتيات بفارس الاحلام مهند الى هذا الحد فقد وصل صداه الى موقع ال Facebook حيث قمن بعمل مجموعات خاصة تحمل اسمه وصوره و كل اخباره. والغريب في الامر ان هذا الهوس لم يقتصر على النساء فقط و انما شمل بعض الرجال المعجبين بلميس بطلة مسلسل«سنوات الضياع» و«عاصي» الذي يعرض حاليا، الذين باتوا يريدون من زوجاتهم ان يكن نسخة منها في جمالها وأناقتها ورشاقتها فقام كل طرف بمقارنة الطرف الأخر ووضعه في كف الميزان مع احد ابطال هذه المسلسلات لتميل كفة الميزان الى مهند و يحي و لميس او غيرهم. «جيل مهند و يحي وطريق الضياع» من يراقب الهزّات العنيفة التي خلفتها الدراما التركية في المجتمعات العربية فسيظنّ للوهلة الأولى أنّ هذه المسلسلات قادمة من كوكب آخر وليس لها علاقة بالكرة الأرضية. فمنذ وصول هذه الموجة أو الصاعقة إلينا أضاع العرب طريقهم. فالحياة انتظمت على إيقاع الدراما التركية وتلوّنت بألوانها المزركشة،فأصبح متابعو هذه الاعمال من اكثر المهتمين بشخصياتها وتصرفاتهم وتجاوزت القائمة حدود الفرجة لتتحول الشخصيات الى رموز للنجاح العاطفي والمادي والاجتماعي فزاد شغف الجمهور بمتابعة المسلسلات وانتقل هذا الهوس والتعلق بنجومها مؤخرا من شاشات التلفزيون الى المحلات التجارية والاماكن العامة حيث فطنت بعض المتاجر لاستثمار هذا الهوس تجاريا وذلك بعرض قمصان وبلوزات نسائية و زجاجات العطور تحمل صورا للميس ومهند ، وشمل هذا الهوس أيضا المدارس حيث امتلأت دفاتر التلاميذ المفتونين بسحر هذه المسلسلات بصور أبطالها بدل أن يملؤوها بواجباتهم البيتية. وصار التلميذ يحفظ السيرة الذاتية لمهند ولميس ونور ويحيى وحركة سير المسلسل أكثر مما يعرف عن واجبه المدرسي و أعلام أمته وكان التاريخ قد ضاع أمام مهند و يحي و لميس. كما طال صدى المسلسلات التركية دفتر الحالة المدنية فارتفع عدد الولادات التي تحمل أسماء ابطال المسلسلات. الى جانب الاصرار على متابعة الحلقات التي مرت اثناء ساعات العمل من خلال تحميل الحلقات التي قامت بتوفيرها مجموعة من المواقع الالكترونية التي تسمح بإعادة الحلقة. و شمل ايضا هذا الهوس رنات الهواتف الجوالة. «ظاهرة ازدادت عمقا» ومن الاحداث التي زادت في تعميق الظاهرة استعانة المطربة ديانا كرزون بالنجم التركي الشهير ساروهان هانيل المعروف ب«أسمر» في مسلسل «وتمضي الأيام»، الذي قامت بعرضه قناة 4mbc ليشاركها في كليب أغنيتها الجديدة «شايف على نفسك ومسوي ناسيني». وقال «هانيل» -في تصريحات خاصة لبرنامج «صباح الخير يا عرب» على قناة mbc- إن شخصية «أسمر» التي يجسِّدها في المسلسل مستعدة لفعل أي شيء من أجل الحب، وهو مجنون ومستعدّ لقتل أيّ شخص قد يفرّق بينه وبين حبيبته، مشيرا إلى أن «أسمر» شخصية ترى الحب كل يوم والطفولة ما زالت تعيش بداخلها. وتعدّ كرزون الفنانة العربية الثانية التي تقوم بتصوير فيديو كليب مع نجوم الدراما التركية، بعد اللبنانية رولا سعد التي صورت مع مهند نجم مسلسل«نور» إحدى أغنياتها في ألبومها الأخير. وبالتالي ساهمت هذه الكليبات في ترسيخ هذه الأعمال أكثر فأكثر. سبب النجاح ويبقى السؤال هل ان هذه الأعمال موجة و تنكسر كما حدث مع الدراما المكسيكية؟ ام انها دراما تفتح الباب واسعا امام الدراما القريبة من عادات و تقاليد شعبنا. وهل يفتقد جمهورنا بالفعل الى الرومانسية لذلك انكبّ على شحنة وافرة منها ام إنّ الامر كان أبعد من الرومنسية و هروبا من الكآبة و الروتينية و الفراغ الذي يرى البعض انها سيطرت على مسلسلاتنا التونسية او العربية ؟ أم أن الدبلجة القريبة لنا هي التي ساهمت في تقريب المسافة بيننا و بين الاعمال التركية و نجحت في تغيير نظرتنا تجاه الاتراك. فقبل عرض مسلسلات تركية على فضائيات ام بي سي ما كنا نعرف شيئا عن المسلسل التركي ولا عن فناني تركيا إلا فيما ندر، ومن خلال ترجمة هذه الأعمال الى اللهجة السورية ولجت بسهولة بيوتنا من أوسع أبوابها بحكم أن الدراما السورية قفزت خطوات كبيرة نحو قمة العمل الدرامي العربي بشكل عام و استطاعت حتى ان تتفوق على الدراما المصرية ذات العراقة و التاريخ و هذا ما جعل الممثلين السوريين و الذين أدّوا الأصوات ان يكونوا نجوما على شاشاتنا و لو بالصوت الى جانب النجوم الأتراك، و أن يدخلوا كل بيت .سيما و ان الدبلجة التي قاموا بها ساهمت في تقريب المسلسل من الجمهور كما ان الاسماء العربية للشخصيات لعبت هي الأخرى دورا في تقريبها إلى نفوسنا . و لكن تبقى حقيقة لابد من ذكرها ان هذه المسلسلات المدبلجة نجحت في تسليط الضوء على مدى عمق الأزمة التى تواجهها الدرامة العربية .فقد نجحت هذه الأعمال الى اجتياح الساحة الدرامية العربية و اجتذاب مختلف شرائح المجتمع و تفاعله معها. ومن العوامل ايضا التي ساهمت في تقريب الأعمال التركية الينا كونها باتت اقرب الينا من الدراما المكسيكية رغم مشاهد الجرأة الموجودة في بعض الأحيان ألا إنهم متحفظون اذا ما قارناهم بما نشاهده في الأعمال المكسيكية. كما يمكن القول أن هذه المسلسلات التركية عبر مخرجيها استطاعت ان تكشف جمال الطبيعة التركية الساحرة و ان تحول وجهة السياحة العالمية لها كما استطاعت التركية ان تجمع فيها التمثيل مع الموسيقى مع عرض الأزياء مع الرقص مع فنون الديكور والتنسيق ، ما جعل منها مزيجا من الفنون تجعل كل من يشاهدها يتفاعل معها من دون أن يشعر. خلاصة القول ان حالات الانبهار بالمسلسلات التركية المدبلجة ناتجة كما سبق وذكرناه سالفا عن ضعف الإنتاج الدرامي العربي كذلك التغيير والتجديد في الفكرة والطرح وطريقة المعالجة والاضاءة، فهل السبب الكامن وراء هذا الانبهار هي الاجواء الباهرة الجديدة التي تقدمها هذه المسلسلات من طبيعة جبالها و مدنها وغاباتها ووجوه ممثليها وممثيلاتها او السبب انها قدمت صورا ليست موجودة على ارض الواقع الا ما ندر منها . ولئن يذهب البعض الى أن تأثير هذه المسلسلات إلا فقعة صابون تنحصر فترة عرضها على الشاشة بعدها يتناسى الناس هذه المسلسلات مثلما حدث مع المسلسلات المكسيكية فإنّ الخوف على ما ستخلفه هذه الأعمال و مدى تأثيرها على ثقافة مجتمعنا و التي بدأت تتراكم تأثيراتها مع تزايد عرضها على قنواتنا . ياسمينة بن عبد الله ------------------------------------------------- طبيبة مختصة في الامراض النفسية: مسلسلات تطرح بديلا جديدا لمشاعر البرود والجفاء بين الأزواج إن السمات الشخصية ورومانسيتهم وتحليهم بالرقة والاخلاص و التفاني لاجل اسعاد الحبيب، جعل عشاق هذه الصفات ينجذبون أكثر الى هذه المسلسلات، وجعلت من ابطالها رموزا لكثير من النساء و الرجال. و بالتالي نجد ارتباطا بين الحدث والسلوك الشخصي، فهذه المسلسلات و ان صحّ القول ساهمت في إكمال النقص الكامن في حياة الفرد خاصة العاطفي. فكانت هذه الاعمال الدرامية دافعا معنويا قويا وبمثابة تعويض على عواطف مكبوتة ومتنفسا لهم. فكلما زاد الاحباط والفشل كلما زاد التعلق بشيء ما يعوّض النقصان، بحسب رأي الدكتورة هدى حمزة المختصة في الامراض النفسية وهو ما يحصل مع هذه الأعمال الدرامية التركية التي جاءت لتستبطن مكنونات النفس البشرية ، لأن معظم الناس لا يظهرون ما يبطنون. فبدل التفاهم و تبادل المشاعر والحوار بين الزوجين نجد الجفاء و البرود. وهو ما جعل هذا النوع من المسلسلات يطرح بديلا جديدا وراقيا ورقيقا أبهر به من تابعه من نساء ورجال وتساءلوا لماذا تخلو حياتهم اليومية مع بعضهم البعض من مثل هذه الأجواء الشاعرية. فالنساء صرن يبحثن عن صورة وسلوك ورومانسية «مهند» في أزواجهن وتضيف الدكتورة قائلة أن تلك النساء و من خلال انجذابهن إلى هؤلاء الأبطال يقلن للشاب أو الزوج «انظر و تعلّم» فتطرح امامه نموذجا لما تبحث عنه ، رغم قناعتها في غالب الأحيان أنه نموذج خيالي مستحيل ابتدع لخدمة الدراما فقط و مع ذلك تصر على طلبه آملة ان يعدل الطرف الثاني من سلوكه و يتبنى هذا النموذج الذي تروج له المسلسلات التركية الرومانسية. وتضيف الدكتورة هدى قائلة: «ان هذه المسلسلات تعرض طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة من منظور تركي مختلف عن تلك الموجودة في حياتنا دخل مجتمعنا العربي والتونسي على حد سواء فتبدو علاقة رومانسية متكافئة الجوانب لا يمارس فيها الرجل دورا سلطويا تحكميا ولا تظهر فيه المرأة خاضعة لا حول لها ولا قوة بل تأخذ في هذه العلاقة دورا فاعلا مهما ومؤثرا، و ان كان موديلا افرزه المجتمع التركي العلماني إلا أن كل امرأة تظل تحلم بالعيش في ظله و بهذا فان هذا النوع من الدراما استطاع من خلال نوعية خطابه الدرامي الوصول الى مستهدفيه خاصة فئات الشباب والفتيات ومن قبلهم ربات البيوت وبعض الرجال والتاثير عليهم ليتحوّل الى قدوة يحلم الجميع بالنسج على منوالها.. للتعليق على هذا الموضوع: