تونس/الصباح: ليس غريبا ان تختار الدورة 22 لايام قرطاج السينمائية رجلا اسمه عصمان صمبان.. وليس غريبا ان يحتفي السينمائيون العرب والافارقة بهذا الرجل وفي دورة «كان» من ابرز المساهمين والفاعلين في مسيرتها.. رجل أحبّ افريقيا.. وعشق كل ما فيها فوهبها جهده ومهجته.. .. رجل عشق الكلمة وانتصر لكل حركة وكل خطوة تمد افريقيا بشعاع من الكرامة والحب والحياة. .. عصمان صمبان السينغالي المولد والنشأة والافريقي الانتماء يتوفر على مسيرة نضالية طويلة.. شاقة.. مدمرة للأعصاب.. لكنها ممتعة في داخلها.. مسيرة هي تعبير عن طموح كبير لأجل افريقيا حرة.. شامخة.. فاعلة في الحياة. مؤلف روائي ما لا يعرفه الكثير عن عصمان صمبان انه بدأ مسيرته الابداعية مؤلفا روائيا.. وهو الذي هاجر سرا الى فرنسا لأجل لقمة العيش بعد ان ضاقت به السبل في مسقط رأسه.. فكان أن التحق بأحد المواني الفرنسية كعامل يومي.. حيث ذاق الامرين وعاش صنوف الظلم والاضطهاد. .. هذه الظروف القاسية.. المؤلمة ترجمها في رواية عنوانها «عامل المواني الاسود».. واعقبها برواية ثانية «آه يا بلد شعبي الجميل».. وجاءت روايته الثالثة بعنوان «اطراف الخشب الالهية» التي حكى فيها قصة اضراب عمال السكك الحديدية سنتي 1947 و1948 بداكار النيجر وتتمحور احداث هذه الرواية الهامة حول قصة عاملين في السكك الحديدية التي تربط بين داكار وباماكو يناضلان من اجل الحصول على نفس حقوق العمال الفرنسيين. العودة الى أرض الوطن هزّ الحنين عصمان صمبان الى ارض الوطن السينغال بعد سنوات قضاها في الهجرة.. فكان أن عاد سنة 1960 حيث مسقط الرأس وتزامنت عودته بحصول السودان الذي اصبح بعد ذلك يسمى مالي على الاستقلال.. لم يهدأ باله ولم يسكن الى الراحة.. فكان كثير التنقل بين ارجاء افريقيا ((مالي الكونغو غيايا) كأنه يستحثها على ان توحي له بفكرة ويستلهمها لاجل وقفة تمكنه من استكشاف مخزونها وقدرتها على الحياة الكريمة. كان عليه ان يتحرك.. ان يغامر.. ان يعلن بصوت عال ان افريقيا للأفارقة.. وان افريقيا قادرة على صنع الحياة الكريمة بأبنائها.. كان عليه ان يبتكر شيئا من داخله لتقديم صورة مختلفة عن افريقيا ويبرز الحقيقة ويفنّد كل المواقف التي ترى في هذه الربوع الجهل والعنجهية والوحشية.. فكانت الصورة الحل الأمثل للانتصار لحقيقة افريقيا.. .. وجاء قراره سنة 1961 الالتحاق بمدرسة السينما بموسكو نقطة الانطلاق لمسيرة سينمائية نضالية.. وقدم عام 1962 اول فيلم قصير «الرجل شارات» اعقبه بشريط ثان «نياي» (1964). قرطاج تحتضن افريقيا عندما اعلنت قرطاج عام 1966 ميلاد اول مهرجان سينمائي عربي وافريقي كان عصمان صمبان أول المؤيدين لهذا الفعل الابداعي الجاد فجاء الدورة الاولى لهذا المهرجان بفيلم «سوداء فلان» ليكون المؤسس والصانع لأول فيلم روائي طويل في افريقيا وليكرس من خلاله البعد الثقافي والنضالي لهذه التظاهرة.. في «سوداء فلان» روى عصمان صمبان قصة حياة افريقية من السينغال تسافر مع العائلة الفرنسية البيضاء التي وظفتها كخادمة الى باريس وهناك تكتشف (اي الفتاة) معنى ان تكون وحيدة ومعنى ان تكون مطالبة بالاشراف والاهتمام بكل شيء بما في ذلك المرضى من افراد العائلة.. «سوداء فلان».. كان صرخة افريقية مدوية ضد العنصرية.. ودعوة واضحة وجلية للحرية والانعتاق.. «سوداء فلان» صبّت توجهاته ضمن اختيارات وتوجهات ايام قرطاج السينمائية.. وهي اختيارات نضالية تنتصر للانسان الافريقي وتكرّس مبدأ الحرية والتأسيس لفعل ابداعي جاد يؤسس للحياة الكريمة لذا فان اسناده التانيت الذهبي يعد انتصارا لكل هذه المبادئ. هدية افريقيا عصمان صمبان الذي ستحتفي به ايام قرطاج السينمائية كان وسيبقى هدية افريقيا وحضورها الابداعي الثقافي والفني والسينمائي على امتداد حوالي نصف قرن قدم فيها 14 فيلما روائيا طويلا الى جانب العديد من الافلام القصيرة والوثائقية.. حصل على عديد التتويجات العالمية منها جائزة النقاد الامريكيين لافضل فيلم اجنبي وجائزة مسابقة «نظرة اخرى» في مهرجان «كان» والجائزة الخاصة لمهرجان مراكش السينمائي لينال يوم 9 نوفمبر 2006 قبل اشهر من وفاته على وسام الشرف الفرنسي.