«Apocalypse Now» هو ذا عنوان شريط لفرنسيس كوبولا وفيه إعلان عن حلول الطامة الكبرى التي لا تبقي ولا تذر. فهل نحن الآن وأمواج التّسونامي المالي تعصف بمن حولنا من أصحاب الرساميل المقنطرة من نقد عيني وافتراضي على مشارف نهاية تاريخ؟ كثيرا ما نبّهتنا عجائزنا عند حدوث الخوارق أنّ في ذلك علامة من علامات آخر الأزمنة فهل صدقن هذه المرّة؟ ولم لا نصدّقهن والكون على أهبة يتطلّع إلى قمّة العشرين رئيسا يهرعون يوم 15 نوفمبر إلى عرين الصقر ذات الجناح المكسّر. إنّ الاجتماع المفروض على إدارة الرئيس المتخلّي إنّما هو اجتماع استنفار وفزع أمام توثّب غول الكساد حيث أنّه لم تنفع الضمائد التي سارعت الدول إلى وضعها على مكوّنات الأسواق المالية وأنّى لها أن تنفع وما هي الا كما يقول الإفرنج «ضمادات على أرجل من خشب» وتقول العرب: «لا يستوي الظلّ والعود أعوج». إنّ المسألة الاقتصادية اليوم وهذا هو ما يعنينا في قضية الحال لا ولن تُحلّ بالمقاربات الكلاسيكية بضخّ الأموال العموميّة في البورصات واقتناء أسهم البنوك المشرفة على الإفلاس. تلك حلول غير مجدية اقتصاديا والأيام تطلعنا بما فيه الكفاية على ذلك. وهي غير أخلاقيّة إن كنّا نعتقد أنه ثمّة بصيص من الأخلاق في أفق الاقتصاد العالمي فمن غير المقبول أن تمنح المكافآت لمن خاطر في سبيل الاستثراء على حساب الودائع التي أؤتمن عليها وانتهج طريقا واهية باستنباط وسائل مالية وهميّة. دروس وعبر ولكن هل أنّ الانحراف المالي هو نتيجة تصرفات تحمل على أشخاص معنيين ديدنهم الطمع والجشع أم أنّه نتيجة حتميّة لمنظومة بلغت حدّها فانقلبت كما هو معلوم إلى ضدّها. فاليد الخفيّة لآدم سميث منظّر الرأسماليّة في القرن الثامن عشر والتي بمقتضاها يحافظ السوق على توازنه أصابها الوهن. والوصفة الكينيزية نسبة الى منقذ الرأسمالية إثر فاجعة الخميس الأسود من شهر أكتوبر عام 1929 أصبحت غير ذات مفعول ولعلها أصبحت في خانة «لا ينفع العقّار فيما أفسده البشر». إنّ الليبيرالية المجحفة التي عايشناها منذ انفلات عقد الاتحاد السوفياتي وانقراض البناء الشيوعي بعد سبعة عقود لم تبلغ من عمرها العقدين وها هي تتهاوى. لقد هلّل فوكو ياما سنة 1989 عند سقوط حائط برلين بانتصار الرأسمالية وأعلنها على رؤوس الملأ مدويّة: «إنّها نهاية التاريخ». وها هو اليوم على أعمدة الصحف يطلقها حسرات على نهاية أمريكا كقاطرة للعالم ويشير الى مكامن الداء وهي أخلاقية بالأساس إذ أنه يقول «في نظر العالم فإنّ محتشد غوانتنامو عوض تمثال الحرية كرمز لأمريكا اليوم (أنظر جريدة le monde 10 أكتوبر 2008). هل بعد هذا الكلام كلام؟ هل حقّا بلغت الرأسمالية حدّها مثلما أشار إليه عالم الاجتماع الأمريكي والرستين في حديث للصحافة مشيرا بدون ذكر الأثر الخلدوني - كتاب العبر - أنّ التاريخ حلقات وحقب وأنه مثلما أشار إليه برودال مؤرخ المتوسّط أنّ الزّمان منقسم إلى زمانين: زمان الفترة المديدة وفي قضية الحال أي الرأسمالية فقد دامت قرابة الخمسمائة عام وزمن الفترات الظرفية التي تناولها أشومبتير بالتّحليل وهي في الواقع الحقب المتتالية من مدّ وجزر الرأسمالية خلال تلك القرون الخمسة. وخلُص المحلّل الآنف الذكر الى قناعة استمدّها من علم الإحياء وهي أنّه لمّا تحيد منظومة أكثر من اللزوم عن مدارها ولا تستطيع أن تستعيد توازنها فإنّها تقع في أزمة تحدّد مسيرها وهو الفناء... تساؤلات مشروعة هل إن الوضع قاتم بهذا الشكل؟ هل إنّ الأمر محتوم ولا عاصم اليوم من هول الفاجعة؟ الأيّام القادمة كفيلة بالردّ إذ أنّ المنجّمين العلمانيين وأعني بهم منظري الاقتصاد السياسي لم ينبسوا ببنت شفة اللهم إلاّ إذا استثنينا السيد ميشال روكار الوزير الفرنسي الأوّل الأسبق والذي تتلمذت عليه في باريس في فترة الستينات والذي أعلن بدوره «أنّ جرس نهاية الليبرالية المجحفة قد دقّ بعد وأنّه يرى أنّ ما يقوم به بعض الأساتذة في الاقتصاد من تلقين تلامذتهم كيفية الحصول على ضربات هائلة «من خلال تعاملهم في البورصة إنّما هو عمل إجرامي». وهو يدعو إلى مراجعة النظام النقدي العالمي شأنه شأن مواطنه ستروس كان مدير الصندوق الدولي وهو ما دعا اليه الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي اجتهد في إقناع الرئيس المتخلّي الى عقد قمّة العشرين. أن ترضى أمريكا الشامخة بمقارعة الرؤى وتباين المقاربات في عقر دارها فهذا في حدّ ذاته دليل آخر عن زعزعة الامبراطورية العظمى. ولكن ماذا سينتج عن اجتماع واشنطن؟ هل هي بريتون وودز جديدة أم فقط بريتون وودز منمّقة؟ هل هناك فعلا إرادة لحكومة عالمية تضمن للجميع حقوقا وواجبات متساوية؟ هل يعاد النظر في صندوق النقد والبنك العالمي في اتجاه إنشاء بنك عالمي مركزي يستند إلى عملات رائدة مثل الأورو واليوان واليان والدولار طبعا؟ هل تصبح منظّمة التجارة العالمية منظمة للتبادل العادل والشفاف ولرفع المنح التي ترصدها دول الشمال لفلاحيها ولمنتجيها في سبيل الإبقاء على أثمان مفتعلة تنافس بها بكلّ صلف منتوجات بلدان الجنوب مثل القطن الإفريقي الذي يعاني الأمرين منذ زمان من المنافسة الشرسة للقطن الأمريكي؟ هل من حدّ لتجارة أسلحة الدّمار الحقيقية التي تتباهى بها اقتصاديات بلدان الشمال والتي تذكّي بها نيران الصراع في بلدان الجنوب؟ هل من يقظة للضمير الدولي تجاه آفتي الفقر والجوع؟ الآن وقد أمكن جمع 700 مليار من الدولارات ومثلها من الأوروات لفائدة البنوك المشرفة على الإفلاس هل يعسر على بلدان الغرب رصد 30 مليار فقط من الدولارات لتمكين مليار من البشر من التخلص من مخالب الجوع؟ هل إنّ الوقت قد حان بعد لتفعيل الصندوق العالمي للتضامن الذي اقترحته تونس على لسان رئيسها الذي اقترنت إنجازاته على امتداد عقدين بتلاؤم البعدين الاقتصادي والاجتماعي؟ هل يستطيع الرئيس المنتخب باراك حسين أوباما أن يحرّك سواكن المنظّمة التي تأويها بناية منهاتن في هذا الاتجاه؟ لقد كان دوما يصرّح أمام أنصاره خلال الحملة الانتخابية: نعم نستطيع (yes we can)... فلننتظر...