مع انه لم يحمل في طياته مفاجأة تذكر ولم يحمل فيما نشر من صفحاته جديدا، فقد جاء تقرير الكونغرس الامريكي الذي حمل وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد رامسفيلد مسؤولية مباشرة في الانتهاكات المسجلة في السجون الامريكية في غوانتنامو والعراق وافغانستان، ليعيد الى السطح مجددا احدى الملفات التي لن يكون من اليسير طيها نهائيا مع انتهاء مهمة الادارة الامريكية للرئيس بوش، التي بدات تستعد للانسحاب لتفسح المجال للرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما بالاستقرار في البيت الابيض وتحمل اعباء تركة سلفه، بكل ما اقره المحافظون الجدد وصقور البيت الابيض من اخفاقات وفضائح تأبى النسيان او الاندثار. ولعل في موجة الاعترافات المسجلة منذ اشهر وحملة استفاقة الضمير المفاجئة التي انتابت العديد من مساعدي الرئيس بوش وآلت الى سلسلة الاستقالات المدونة بين كبار مستشاريه في البيت الابيض، ما يعكس محاولة لاستباق الاحداث والتنصل من المسؤولية التاريخية والانسانية والاخلاقية في اكثر من قضية ارتبطت بالحرب في العراق وافغانستان، وفضائح السجناء في ابوغريب وغوانتانمو، او الحرب الاسرائيلية على لبنان، او كذلك باخفاقات مؤتمر انابوليس للسلام في الشرق الاوسط، والفشل الذريع في تحقيق رؤية الرئيس بوش في اقامة الدولة الفلسطينية.. وغير ذلك من القضايا المرتبطة بالحرية والديموقراطية وفق مشروع بوش للشرق الاوسط الجديد.. فهذا التقرير الذي لم يبرئ ساحة وزيرة الخارجية غونداليزا رايس من التهمة نفسها، جاء بعد تلك الاعترافات الاولى من نوعها للرئيس بوش قبل ايام على نهاية ولايته، وما تضمنته من عبارات الاسف المنمّقة حول ندمه بشان الحرب على العراق والمعلومات الاستخبارية الكاذبة حول الترسانة النووية للعراق، التي كانت وراء قرار الحرب على العراق، قبل ان تزول تلك الذريعة امام تبخر الترسانة المزعومة وفشل فرق التفتيش في الكشف عنها، لتحل محلها ذريعة البحث عن الحرية ونشر الديموقراطية والعدالة الغائبة في بلاد الرافدين. واذا كانت رايس قد حرصت في مختلف المناسبات ان تلعب دور المسؤول الوفي وان تظهر ولاءها المطلق وقناعتها بخيارات رئيسها، فان بوش باعترافاته الاخيرة قد حاول ان يحمل رداء الضحية ويحمل الاستخبارات مسؤولية الحرب في العراق، مع انه اكثر من يدرك ان قرار الحرب قد اتخذ مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر حيث تحولت المحاضرة المطولة او الدرس الذي قدمه وزير الخارجية كولن باول في مجلس الامن الدولي وهو يستعرض قرائنه وخرائطه حول مواقع الترسانة النووية للعراق والتي اتضح لاحقا انها مقتبسة من دراسة اعدها احد الطلبة الى الحلقة المطلوبة للترويج لتلك الحرب... ولا شك انه عندما يعود الرئيس الامريكي جورج بوش قريبا الى مزرعته بالتكساس لمواصلة حياته هناك، بعد انتهاء ولايته الثانية والاخيرة، والاشراف على مشاريعه الخاصة، وهو الذي يعتزم افتتاح مؤسسة للمساعدة على نشر الحرية والديموقرطية في العالم، بعد ثمان سنوات في قيادة البيت الابيض، اعلن خلالها ثلاثة حروب مدمرة.. فان الاكيد ان ملف الحرب اللامشروعة في العراق سيجد له اكثر من طريق ليعود في كل مرة ليكشف المزيد من الفصول المغيبة في تلك الحرب، لا سيما بعد توقيع الاتفاقية الامنية بين واشنطن وبغداد والتي لن تمنع باي حال من الاحوال استمرار بقاء القوات الامريكية في هذا البلد عشر سنوات اخرى وربما اكثر حماية للمصالح الامريكية في المنطقة التي لاترتبط ولا تنتهي بتغير الوجوه والاسماء والادارات. ولعل فيما سمح بكشفه من هذا التقرير بالتزامن مع الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان ما يدعو للتساؤل مجددا حول موقع وجدوى اتفاقية جنيف الرابعة لحماية حقوق الانسان في حالات الحرب او السلم، وحول مفهوم القانون الدولي الانساني وكل التشريعات التي اقرت علنا "بان كل متهم بريء حتى تثبت ادانته" الامر الذي لا يبدو ان القوات الامريكية في غوانتانامو وابو غريب ادركته قبل ان تبدأ تنفيذ مهمتها هناك... وفي انتظار ما يمكن للرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما تقديمه للحد من انعكاسات وتبعات خروقات الادارة السابقة على مصداقية امريكا، يبقى من غير المرجح ان يدخل الملف العراقي والافغاني طي النسيان، وسيجد انصار حقوق الانسان في امريكا وخارجها على مدى السنوات القادمة، ان لم يكن لعقود اكثر، من ملف يبقي الحرب اللامشروعة على العراق على سطح الاحداث، في انتظار ان يتحقق ما لم يذكره التقرير وهو المرور الى مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الحرب، قبل المرور الى فصل المحاكمة والذي بدونه ستبقى تلك الحرب نقطة سوداء متوارثة بين مختلف الادارت الامريكية المقبلة...