شركة ترغب في إنتداب ممثلين تجاريين، تضمن لهم التمتع بكل الضمانات، الضمان الاجتماعي والمرتب الشهري المحترم.. فإلى كل من يرغب في الخروج من حالة البطالة والقعود الى حالة من الكبت والنشاط ويجد في نفسه الجدية في العمل يرجى الإتصال فورا ب«...» هذا نموذج من نماذج الإعلانات المغرية التي ينجذب إليها العاطلون عن العمل من الشبان للخروج من حالة البطالة خاصة أن الحوافز والتشجيعات والإقامة المجانية وظروف العمل كما ينصص لها على أحسن ما يرام.. لذلك تجدهم يخوضون التجربة بعد أن يتلقوا تدريبات الغاية منها تلقينهم «ماعون الصنعة» ثم لينطلقوا في نشاطهم. تنوع النشاطات فتجد من هؤلاء الشبان من يحمل أثقالا يقطع بها عشرات الكيلومترات ..فتجده محمّلا بأحزمة رجالية وحنفيات حوض الاستحام وعلى يديه ساعات يدوية وأقمعة وآلات حاسبة وعلى كتفه حقيبة أو أكثر «غصت» بالسلع المتنوعة، فيجوب الشوارع عارضا على المارة والجالسين بالمقاهي منتوجاته وقد يأخذه الأعياء فيركن الى مقهى ما ويجلس على أحد كراسيه متكئا على احدى طاولته محاولا في الآن نفسه أن يظفر بزبون والحال أنه جلس ليلتقط أنفاسه بعد طول مشي. ومنهم من هيّأ نفسه فارتدى سروالا أسود اللون وقميصا أبيض وربطة عنق واضعا على كتفه حقيبة «عجّت» بأنواع من العطور الرفيعة -حسب ما يزعمون- يدلف هؤلاء الشبان العمارات السكنية ويطرقون أبواب الشقق ويتفننون في إظهار محاسن سلعهم وأسعارها ..وكثيرا ما نراهم منتشرين في المقاهي يتحدثون الى روادها بسلاسة وقوة عجيبة على الكلام دون توقف ..يتحدثون بكل دقة وإتقان، يرددون نفس العبارات ونفس الكلمات مما يوحي أنهم نهلوا من نفس المنبع.. ينطلقون بالتعريف بهويتهم وشركتهم وإختصاصهم ثم يعرّجون على التخفيض الذي أقدمت عليه الشركة هذه الايام فيتطرقون الى جودة العطور وسعرها المميز الاستثنائي ثم يظهرون بضاعتهم وسريعا ما يمنحون المستمع أو «الزبون المنتظر» عينة أو «رشة» خفيفة على يده لينتظروا ردة فعله في آخر المطاف.. لقاء ..لكن هؤلاء الباعة الشبان يصادفونك مرة فتجدهم يدققون النظر باحثين عمن تشده بضاعتهم فيميلون اليه بسرعة عله يقتني شيئا ما.. وأحيانا قد لا تجد لهم أثرا فهم يكثرون التنقل وقد يخرجون الى الأرياف علهم يجدون ضالتهم هناك. بالقرب من شارع الحرية وأمام احدى المنشآت العمومية وجدنا ثلاثة شبان القوا بأجسادهم الى الحائط يتحدثون وقد وضع كل منهم حمله الثقيل.. لم يقبلوا في البداية الحديث ولكن احترازهم لم يمنعنا من طرح بعض الأسئلة التي مهدنا لها بابداء التعاطف معهم.. فتكلموا ثلاثتهم معا ونسوا الممانعة: «هذا حمدي وأنا رضا وذاك نعمان.. نبيع في الساعات اليدوية وآلات إلتقاط الإرسال التلفزي والمنظار والأحزمة الرجالية.. وننحدر جميعنا من شركة واحدة.. وحول وضعيتهم المهنية صمت الآخران وتكلم رضا: «مازلنا بادين جدد».. قاطعوا الحديث فجأة وتفرقوا... ولئن كانت ملامحهم تبدو مكفهرة فإن إجابتهم توحي أن العمل لم يعجبهم وأنهم لم يظفروا بعد بكسب.. تجارب سابقة على عكسهم روى منير تجربته مع هذه الشركات قائلا: «مارست هذه المهنة منذ ما يزيد عن سنة.. وظللت بها حوالي ثلاثة أسابيع ثم انقطعت».. ويضيف: «بقدر المجهود الكبير والتجوال الطويل فإنّ الدخل محدود وضئيل وتتمثل دواليب العمل في منح الشركة لي مجموعة من السلع المتنوعة مثل الأحزمة والجوارب والساعات حيث تحدد لي السعر الأدنى لبضاعة ما وأجتهد في بيعها بأكثر مما حدّد لي لأتحصل على ربحي».. وحول ظروف العمل يجيب منير: «ليس هناك أية امتيازات ولا ضمان إجتماعي بل حينما تسلمك هذه السلع عليك الإمضاء عليها ثم إيداع بطاقة هويتك.. ولا تتسلّمها إلا بعد أن تعيد السلع وتحاسب على ما تبقى مساء..» وحول التجارب التي سمع عنها في هذا المجال قال: «لي صديق عمل مرة في إحدى شركات حيث تمكن في اليوم الأول له من بيع كميّة محترمة من المنتوجات وأودع البقية في المساء لدى الشركة وحين عاد من الغد، وجد مقرّ الشركة مغلقا وعلم أن أصحابها غادروا المكان» واستدرك منير بقوله: «هناك من الشركات الكبرى المعروفة من توفر دخلا لممثليها التجاريين ولكن يبقى الراتب زهيدا مقارنة بما يقدمه الشباب من جهود وما يقاسونه من متاعب. حقائق يكشفها الشبان صدفة في احدى محطات المترو وجدنا ثلاثة شبان يحملون حقائب عازمين على التفرق داخل أحد الأحياء المجاورة للمحطة، بادرناهم بالسؤال فتوقفوا لبرهة ساردين وضعياتهم المهنية حيث صرح بلال (من ولاية القصرين): «أتقاضى على بيع كل سلسلة تتكون من 3 قارورات عطر مبلغا قيمته ديناران.. وقد أجد نفسي في أحيان عديدة لا أبيع شيئا بل ولا أجد حتى «حق كسكروت».. مرّ عام ونصف العام عن امتهاني هذا العمل لم أستطع من خلالها بفضل هذا العمل الذي يفتقد الى أدنى الحقوق كتوفير راتب حتى متواضع وضمان إجتماعي وراحة أسبوعية.. أن أدخر ولو دينارا واحدا.. فالمهم بالنسبة لي العمل حتى ولو كان بهذه الوضعية المزرية فهو أفضل من البطالة.. ولا أخفي عليك أنه في بعض الأحيان يعطف علينا زبون فيشتري منا قسطا هاما من البضاعة ولكن سرعان ما يردها إلينا». أما رامي النهدي أصيل ولاية باجة وهو متحصل على شهادة تقني سام في الميكانيك فقد أفصح وفي حديثه لوعة وحرقة - أنه ضاق ذرعا من هذا العمل قائلا: «حينما تقدمت للعمل بهذه الشركة وعدني صاحبها بمستقبل واعد وفتح لي أبواب الأمل والتميز والنجاح على مصراعيه على غرار قد نفتح لك مكتبا خاصا بك يتبع الشركة تسهر على تسيير دواليبه فضلا عن الدخل الوفير وتوفير كل رفاهيات العيش الكريم: من سيارة ومنزل و...و... ولكن قضيت الى الآن في الميدان زهاء السنتين ولازلت أعمل بنظام النسبة أي أحصل على20% من قيمة ما أبيعه والنسبة المتبقية تعود الى صاحب الشركة..» وحول وضعهم المهني صرّح: «ليس هناك ضمانات ولا امتيازات ولا ضمان اجتماعي ولاشيء يذكر بتاتا.. فقط توفر الشركة المبيت المجاني المختلط وتقطع من دخلنا اليومي دينارا كمعلوم لوجبة العشاء التي توفرها لنا.. وأضاف رامي: «نحن من نعتبر أنفسنا ممثلين تجاريين لسنا إلا باعة كلام بل أيضا نتاجر «في الحرام» خاصة وأن العطور التي نبيعها من الصنف الأخير وآجال استعمالها نفذت وهي تمثل خطرا بالأساس على مستعمليها».. وعرّج : فضلا عن الجهود التي نبذلها فإننا نقاسي الويلات، فقد تعرضت مرة الى إعتداء وحشي من أحد السكان الذي طرقت بابه لترويج بضاعتي، أصبت على إثره بكسر في أنفي إلا أن صاحب الشركة لم يهتم به ولم يتكفل بمصاريف علاجي بل تبرأ مني وأعتبر نفسه لا يعرفني..». «س» (مجازة في المالية) قالت: «عملنا لا يتعدى «مصروف جيب» كما أنه عمل ظرفي الى حين أجد غيره يلائم اختصاصي.. أما حقوقنا فهي مهضومة ، فلا نتمتع لا بضمان إجتماعي ولا يربطنا لا عقد شغل ولا أي شيء». كاميرا خفية حتى نتقصى أكثر الحقائق حول هذه المهنة توجهنا الى مقرات بعض هذه الشركات طلبا للشغل فأفادنا مسؤول بشركة اختصت في بيع الأغطية قائلا محاولا أن يشجعنا على العمل : «نشاط الشركة يتمثل في بيع الأغطية حيث نضع على ذمة العملة سيارات تنقلهم الى أماكن عديدة داخل الجمهورية.. يقوم كل منتدب جديد بتربص يدوم 3 أشهر يتقاضى على كل غطاء يبيعه عشر دينارات.. الى حين انتهاء مدة التربص، تقيّم الشركة هذا العامل فإن كان كفءا يتم انتدابه وتضمن له كل حقوقه وإن ثبت العكس يتم تسريحه». أما مسؤول الشركة الثانية المختصة في بيع الكتب والعطور والتي قصدناها بدورها بحثا عن شغل فقال لنا «توفر الشركة البضاعة وعلى الممثل التجاري الاجتهاد في بيعها وتمنح له الشركة نسبة ربح عن كل سلسلة من العطور تضاهي 25% فضلا عن توفير السكن المجاني والغذاء بمعلوم رمزي » وحول نصّ الإعلان وما جاء فيه من امتيازات وتشجيعات قال: «هناك من الممثلين التجاريين من يستطيع بيع عشر سلسلات من العطور تخوّل له توفير مبلغ قيمته 25 د في اليوم.. ولك أن تحتسب دخله الشهري» وأضاف: «نحن نقيّم عمله خلال فترة تمتد من 15 يوما الى الشهر وإن كان في المستوى نفتح له فرعا يتولى دواليب تسييره». وعندما قلنا له بأن هناك من الشبان من مكث في هذا العمل زهاء السنتين ولم يتحصل على أي شيء من الوعود قال: «هؤلاء لم يثبتوا جدارتهم في العمل ولكن لهم رغبة في تعاطي هذا النشاط.. الشركة بدورها لا تستطيع أن تطردهم مراعاة لظروفهم ..خاصة وأنهم عاطلون عن العمل..» إغراءات لا أكثر كثيرا ما تقدم مثل هذه الشركات إعلانات مغرية لاستقطاب الشباب إلا أنها لا تتعدى أن تكون أضغاث أوهام وهي تحقق أرباحا باستغلال هؤلاء الشباب متجاوزة القانون والدليل أن هذه الشركات لا تمرر عروض انتداباتها عبر الوكالة التونسية للتشغيل والعمل المستقل أو عبر مكاتب التشغيل.. الحبيب العرفاوي للتعليق على هذا الموضوع: