تونس الصباح اعتبارا للسياق التاريخي الذي جاء فيه عرض «اصوات تونس» الفني الغنائي الذي افتتح مساء السبت الماضي الدورة 43 لمهرجان قرطاج الدولي وبالنظر الى ما اصبح يتهدد الموروث الثقافي والفني الاصيل للشعوب خاصة في زمن العولمة والتنميط من مخاطر لا فقط بالتهميش والاقصاء بل وحتى بالانقراض والذوبان فان ما اقترحه عرض «اصوات تونس» على جمهور مهرجان قرطاج الدولي من «اطباق» اصيلة في مختلف انماط الغناء والانشاد والشعر الشعبي يبدو على مستوى الفكرة مبررا بل وايضا ذا دلالات ثقافية زاخرة ربما بمعاني الممانعة والاعتزاز بالهوية الحضارية، فأن يجتمع اكثر من مائتي فنان وفنانة ينتمون الى مجموعات لفرق العيساوية والسطنبالي والمالوف التونسي والفن الشعبي ليغنّوا وينشدوا ألوانا من التراث الغنائي والانشادي الذي يتردد على ألسنة الناس عموم الناس في المدن والارياف وبمختلف اللهجات التي تعكس في حد ذاتها جانبا من خصوصيات كل «مجموعة» وجهة في «الاجتماع والعمران» فهذا يعني من بين ما يعني ان هناك «رسالة» ما تستبطنها «الفكرة» العامة للعرض مفادها الانتصار للثقافات التحتية للشعوب والمجموعات وهي الثقافات «البدائية» التي تشكل في مجموعها حسب علم الاجتماع الثقافي الهوية الثقافية العامة للشعوب والتي «تصنع» جانبا من خصوصياتها الحضارية. الفكرة.. والتنفيذ على ان فكرة «الانتصار» هذه للأصالة والهوية والخصوصية الثقافية في زمن العولمة التي يبدو ان عرض «اصوات تونس» الغنائي قد تأسس عليها لم تجد للأسف بالمقابل طريقها الامثل للتنفيذ خاصة على مستوى «صناعة» الفرجة ذلك ان عرض «اصوات تونس» في افتتاح الدورة 43 لمهرجان قرطاج الدولي وعلى الرغم من بعض محاولات «المسرحية» لبعض لوحاته (لوحة الجازية الهلالية) فانه بدا في اغلبه ساكنا ومسموعا اكثر منه فرجويا وهي مفارقة في الواقع خاصة اذا ما علمنا ان «صاحب» فكرة العرض ومن وضع له التصور العام انما هو الاستاذ محمد رجاء فرحات وهو رجل مسرح بالاساس، لذلك قد يحق التساؤل هنا ما هي مساهمة رجاء فرحات الحقيقية في عرض «اصوات نونس الغنائي الذي كاد يكون لافرجويا؟! قالمقابل لا بد من الاشادة بالاختيارات والمختارات الموسيقية والغنائية والانشادية للعرض التي حددها المستشار الموسيقي الدكتور مراد الصقلي لانها بدت لا فقط متنوعة وممثلة لكل انماط الموروث الغنائي والانشادي الشعبي تقريبا ولكن ايضا منتقلة بدقة وجمالية.. فحتى «وصلة» فن المزود الغنائية التي امّنتها فرصة الربايبية بقيادة الفنان الشعبي مصطفى بن رمضان بدت «رصينة» و«موسيقية» وغير تهييجية كما هي العادة في «وصلات» المزود. ان عرض «أصوات تونس» الغنائي كان يمكن للقائمين عليه ان يجعلوا منه في افتتاح الدورة 43 لمهرجان قرطاج «عرضا-حدثا بأتم معنى الكلمة لو انهم اشتغلوا بأكثر عمق على الجانب الفرجوي فيه ولو انهم ايضا عرفوا كيف ينقوه من بعض شوائب الحشو شكلا ومضمونا وان «يختصروا مدته الزمنية (دام حوالي ثلاث ساعات).. وعلى الرغم من انه كان مطلوبا ايضا من القائمين على هذا العرض ان يقدموه في اطار فرجوي مهني راق جماليا وتقنيا خاصة وانه عرض «يستبطن» فكرة معارضة شبح العولمة الزاحف والمهدّد لعناصر الخصوصية والهوية للشعوب بما تعنيه كلمة «عولمة» من معاني التوظيف الذكي لكل ادوات النجاح والتفوق والنبوغ والتميز فان عرض «اصوات تونس» يبقى مع ذلك عرضا له نكهته وقيمته الفنية والثقافية لانه ضم اصواتا فنية للأصالة والهوية والخصوصية الثقافية.