تونس - الصباح: ربما جاز القول بأن حفل اختتام الدورة 43 لمهرجان قرطاج الدولي قد مثل بحق لحظة عودة نادرة بهذا المهرجان العريق وبعروضه الفنية إلى طبيعته - لا فقط - الثقافية النقية بل وأيضا إلى جوهر اختياراته الموسيقية ذات المدلول الطربي والثقافي - غالبا - التي تحيل - من بين ما تحيل - على عناصر الهوية في الموروث الغنائي والموسيقي للشعوب.. فلقد عاش جمهور مسرح قرطاج الأثري الروماني في سهرة أمس الأول لحظات طرب وامتاع موسيقي وغنائي تونسي أصيل أمنتها بحرفية واقتدار مجموعة المعهد الرشيدي بقيادة الفنان زياد غرسة. الموسيقى التونسية وأعلامها فمن خلال حفل غنائي وانشادي أرادته - على ما يبدو - أن يكون في شكل عملية استنطاق فني للذاكرة الموسيقية والغنائية التونسية استحضرت فرقة المعهد الرشيدي بعازفيها وكورالها ومطربيها الشبان مختارات من الانتاجات الموسيقية والغنائية من الموروث الفني التونسي الأصيل الذي ساهم - تاريخيا - في وضعه وجمعه وإعادة صقله - أحيانا - ثلة من أعلام الحركة الغنائية والفنية في تونس «قديما» وحديثا من أمثال خميس ترنان ومحمد التريكي والطاهر غرسة وعلي السريتي ورضا القلعي. فبعد عزف وأداء مجموعة من الوصلات والقطع الموسيقية و«النوبات»... وبعد أن شنفت آذان الجمهور الحاضر بإنشاء قطع من المالوف التونسي مثل برول «اللّه لا يقطع نصيب» وختم «هم أخذوا عقلي» اقترحت الفرقة على الجمهور مجموعة من الأغاني التونسية القديمة التي ستبقى حية وخالدة نظرا لأصالتها - كلمة ولحنا - مثل أغنية «أنا نحبو وهو مواتيني» كلمات بالحسن بن شعبان وتلحين خميس ترنان وأغنية «ها الكمون منين» كلمات بلحسن بن شعبان وتلحين محمد التريكي وأغنية «يا لايمي عالزين» كلمات جلال الدين النقاش وألحان محمد التريكي وأغنية «بخنوق بنت المحاميد».. وغيرها التي أداها بحرفية واقتدار كل من رحاب الصغير ومحرزية الطويل وسفيان الزايدي... هذا فضلا عن مجموعة من أغاني الفنان زياد غرسة مثل أغنية «معمولك للّه يا للّة» كلما تعلي اللواتي وتلحين زياد غرسة وأغنية «لميمة» كلمات علي الورتاني تلحين زياد غرسة وأغنية «ترهويجة» كلمات الشاعر الغنائي الكبير رضا الخويني وتلحين زياد غرسة وأغنية «المقياس» الشهيرة. الجمهور الحاضر الذي استمتع وتفاعل مع هذه المختارات الغنائية والانشائية التونسية الأصيلة بدا «هاضما» بالكامل لطبيعة هذا الحفل الغنائي النوعي لذلك هو لم يصخب ولم يرقص كمثل عادته في باقي الحفلات الغنائية بل ظل - على مدى السهرة - يستمع ويتفاعل بذوق وأدب مع هذه المختارات من الموروث الموسيقي والغنائي التونسي الأصيل التي قدمتها له فرقة المعهد الرشيدي في أبهى حلة. حفل فرقة المعهد الرشيدي في السهرة الختامية للدورة 43 لمهرجان قرطاج الدولي أكد أن هذه الفرقة العريقة ستبقى وحدها المؤتمنة وعن جدارة على تراثنا الموسيقي والغنائي التونسي الأصيل... فكل من حضر هذا الحفل اقتنع بأن هذه الفرقة ستظل تنافح عن هذا الموروث وتحفظه وتطوره وتراكم عليه خدمة للموسيقى التوسنية الأصيلة.