تونس الصباح: نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات صباح أمس لقاء الذاكرة الوطنية وخصصته للحديث عن مآثر الزعيم الراحل المنجي سليم.. ومواكبة لما دار في هذا اللقاء الذي حضره عدد من المناضلين والجامعيين والمهتمين بتاريخ الحركة الوطنية توافيكم «الصباح» بملخص لشهادتي المناضلين الحبيب قرفال ونجيب البوزيري تطالعونه في هذا العدد وفي عدد يوم الثلاثاء. عند تعريفه بهذه الشخصية الوطنية قال الدكتور عبد الجليل التميمي مدير المنتدى: "يتفق الجميع على أن شخصية المنجي سليم, الزعيم المحبوب كما اشتهر, يعد من الشخصيات البارزة في الحركة الوطنية وفي بناء الدولة الوطنية, وقد ولد بتونس العاصمة في 15 سبتمبر 1908 من عائلة ذات أصول عثمانية, وكان جده الجنرال سليم وزير الحرب في منتصف القرن التاسع عشر, وهذا ما يترجم على أن عائلته تعد من عائلات البلْدية البارزة التي لعبت أدوارا وطنية مشرفة بفضل قطبين اثنين هما المنجي والطيب سليم, وقد التحق المنجي سليم بالمدرسة الصادقية ثم بمعهد كارنو وبعد ذلك تحول إلى فرنسا ليتابع دراسته العليا في الرياضيات, إلا أنه التحق بكلية الحقوق بباريس, شأنه في ذلك شأن أغلب القيادات الحزبية التونسية التي تخرجت من مدرسة القانون الفرنسي. وسعا المنجي سليم في باريس لدعم جمعية طلبة المسلمين لشمال إفريقيا وبذل مجهودات كبيرة لعقد مؤتمر طلاب شمال افريقيا ونجح في عقده بتونس سنة 1931، وبعد تخرجه عاد إلى تونس في آخر الثلاثينات ليسجل بسلك المحاماة وانخرط في الحزب الحر الدستوري الجديد سنة 1936 وبرزت حنكته ومرونته في التعامل مع القضايا الوطنية الأمر الذي جعله ينتخب كاتبا عاما للمجلس الملي سنة 1937 وقاد المنجي سليم يوم 8 أفريل 1938 المظاهرة التي أدت الى اعتقاله أول مرة وسجنه بالجنوب التونسي ثم بمرسيليا وقد أطلق سراحه سنة 1943 وعاد إلى تونس ليتولى إدارة الحزب في أواخر الأربعينات وهو يعد أحد أعمدة العمل الحزبي الفاعلة قبل الاستقلال وانتخب في مؤتمر 1948 بدار سليم وهو منزل عائلته عضوا بالديوان السياسي وعمل منذ تلك الفترة على توسيع شبكة الشعب الدستورية من خلال انتقاله إلى القرى والدشر لبث الوعي الوطني لدى المواطنين. وكان المنجي سليم على حد قول المؤرخ لبقا وفصيحا ومقنعا ومحاورا فذا فقد كان يتمتع بالقدرة على الخطابة طيلة ساعات طويلة دون كلل أو تعب. ونتيجة لكل هذه الأنشطة الوطنية زج به في السجن في جانفي 1952 وأبعد إلى الجنوب رفقة الهادي شاكر. وأطلق سراحه في جانفي 1954 ليبقى تحت الإقامة الجبرية بمنزله إلى يوم غرة أوت 1954.. وأدى المنجي سليم أدوارا أساسية ومهمة صحبة الزعيم بورقيبة قبل عقدين من إعلان الاستقلال حيث مثل حلقة الاتصالات الحزبية أيام كان بورقيبة بالمشرق أو بفرنسا وقد استثاقه هذا الأخير لاتخاذه كل الإجراءات والالتزامات التي تم تبنيها لتتويج الاستقلال. وقد أصبح بعد ذلك أحد أبرز أعضاء الوفد التونسي المفاوض إلى أن أفضت تلك المفاوضات بالفعل إلى التوقيع على اتفاقيات الاستقلال الداخلي في 3 جوان 1955. وعين المنجي سليم بعد ذلك وزيرا للداخلية إلى أفريل 1956 في حكومة الطاهر بن عمار وعلى إثر ذلك تكونت حكومة مستقلة برئاسة بورقيبة وتم تعيين المنجي سليم أول سفير لتونس بواشنطن وكندا ومندوبا قارا بمنظمة الأممالمتحدة. وقد انتخب عضوا في اللجنة الخماسية للجمعية العامة للأمم المتحدة حول المسألة المجرية سنة 1956، وانتخب في جانفي 1957 نائبا لرئيس الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وبفضله انتخبت تونس في أكتوبر 1958 لعضوية مجلس الأمن بأغلبية 74 صوتا وتكريما وتقديرا لمجهوداته أجمعت شعوب العالم يوم 20 سبتمبر 1961 على انتخابه رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة وقد ساهم في عمليات تصفية الاستعمار. وترأس قبل ذلك كل وفود بلاده في جلسات الجمعية العامة. كما شارك عام 1961 في الدورة الثالثة الخارقة للعادة للجمعية العامة المخصصة لقضية بنزرت وهي المهمة التي اضطلع بها حتى تسميته وزيرا للخارجية التونسية في أوت 1962. وهو ما يعني سحبه من الساحة الدولية بتسميته ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية بين 12 نوفمبر 1964 و5 سبتمبر 1966، ليعين وزيرا للعدل إلى تاريخ وفاته 1969. وبين التميمي أن علاقات المنجي سليم بالزعيم بورقيبة تأرجحت بين التقدير الضمني وشعور بورقيبة بالغيرة الشخصية منه أمام نجاحاته الباهرة على الساحة الدولية إذ أن اسمه ارتبط بالنضج والعقلانية والنزاهة والتفاني كما اعتبر من أشد المدافعين عن العالم الثالث وافريقيا بصورة خاصة وهو الأمر الذي جعل بورقيبة يعمل على تحجيمه سياسيا وقد سعى إلى تكليفه بمهام لا تتوافق مع كفاءته وإشعاع شخصيته الديبلوماسية البارزة عالميا. قال المناضل الحبيب قرفال في شهادته التاريخة إن علاقاته بالمنجي سليم توطدت بصفة تدريجية مع مر الأيام وكان سليم على حد تعبيره يتمتع بصيت ذائع كما كان زعيما بشوشا ويعمل في صمت. وعن ظروف نشأته تحدث المناضل الحبيب قرفال: "لما كنا صغارا في السن كنا نستمع إلى أمهاتنا يرددن أغنية "الدغباجي" تغنيا بالمناضل محمد الدغباجي الذي أعدمه الجيش الفرنسي.. وقد رسخت هذه الأغنية في ذهني.. كما أذكر أنني استيقضت ذات فجر ولم يكن والدي في المنزل ولما فتح الباب دخل علينا الجيش الفرنسي وعاث جنوده فسادا في كل ما وقعت عليه أيديهم كما هاجمت الجيوش الفرنسية الكثير من المنازل الأخرى وألحقت بها أضرارا جسيمة.. وبقيت هذه الصورة عالقة في مخيلتي زمنا طويلا الأمر الذي جعلني أنشغل بالعمل الوطني.. كما أنني وعندما التحقت بالمدرسة الصادقية لمواصلة تعليمي وجدتها مهدا للتكوين الوطني للشباب التونسي وكنت كثيرا ما أواكب محاظرات يلقيها عديد المناضلين أمثال الباهي الأدغم والهادي نويرة وغيرهم كما كنت مع عدد من الزملاء نذهب إلى ملتقيات الحزب الشيوعي والحزب الدستوري القديم للتشويش على الحاضرين.. ولما تكونت شعبة الصادقية كنت على اتصال دائم بأحمد الزمني كاتب الزعيم المنجي سليم الذي كان يساعدني على حل الكثير من المشاكل التي تعترضنا بالشعبة". وعن سؤال يتعلق بموقف تلاميذ الصادقية من صالح بين يوسف ذكر قرفال أن 80 بالمائة منهم كانوا وقتها لا يحبون صالح بن يوسف رغم أنهم لا يعرفونه فقد كانوا متعلقين بالزعيم بورقيبة. وقال "بالإضافة إلى عملي في الحزب منذ صغر سني فقد انخرطت في الكشافة.. وشاركت في مخيم كشفي في جويلية 1951 وعرفت خلاله لأول مرة الزعيم المنجي سليم.. وكنا قد اعتبرنا هذا المخيم بداية للتحضير للمعركة التحريرية.. وأذكر أنه بعد الانتهاء من المخيم اجتمع بنا المنجي سليم وكان وقتها مديرا للحزب وأعلمنا أنه تقرر تركيز قيادات للكشافة في عديد جهات البلاد وعند توزيع المهام تقرر ارسالي إلى الجنوب ونظرا لأنني كنت أخشى أن يقع القبض علي بسبب أنشطتي عبّرت له خلال هذا الاجتماع عن هذه المخاوف.. فسعى إلى مساعدتي إلى أن وقع تعيني للتدريس بجربة.. وهناك واجهت عدة مشاكل لكن بتدخل منه تم تذليلها.. ثم تمت نقلتي للعمل بقابس وهو ما سرّني كثيرا ويعود الفضل في ذلك للزعيم المنجي سليم.. وبذهابي إلى قابس وجدت جل المنخرطين في الشعب الدستورية قد انسلخوا من الديوان السياسي وعلمت أن قرابة 80 أو 90 بالمائة يساندون صالح بن يوسف.. ودعاني المنجي سليم وكان وقتها وزيرا للداخلية إلى اليقضة وطلب مني تشديد المراقبة على الساسي الأسود". (يتبع)