الدعوة الصريحة التي تضمنتها كلمة رئيس الدولة في اعمال القمة العربية الاقتصادية في الكويت هذا الاسبوع لتخصيص الدول العربية 1.5 على الاقل من الناتج المحلي الاجمالي لفائدة البحث العلمي تبقى واحدة من اهم الاقتراحات العملية التي يجب ان تستاثر بالاهتمام والمتابعة وان تحظى بكل اسباب الدعم لتحقيقها وتحويلها الى واقع فعلي وهي دعوة تستوجب الرهان على العقل البشري في التجديد التكنولوجي ومواكبة ما يحدث من تطور علمي متسارع في العالم بكل ما يعنيه ذلك ايضا من اهتمام بالطاقات البشرية ومن ايمان بقدراتها وامكانياتها في مختلف تخصصاتها فضلا عما يعنيه ذلك من تسخير للامكانيات المادية والثروات الكفيلة بتطوير العلوم وتهيئة الارضية المطلوبة والاستقلالية وضمان اسباب الخلق والابتكار بما يمكن أن يساهم في تلبية متطلبات الشعوب وحاجياتها الانية والمستقبلية وبما يؤهلهم للالتحاق بركب الامم المتقدمة... ولاشك ان الرئيس بن علي بتقديمه هذا الاقتراح قد وضع الاصبع على موضع الداء إذ أن أحد أسباب التخلف في العالم العربي مرتبط بغياب النهضة العلمية وركودها كما انه لا سبيل للدول العربية للخروج من وضعها الراهن بعيدا عن سلاح العلم والمعرفة والتحديث. قد لا يختلف اثنان اليوم في ان الدول التي مسكت بناصية العلوم ودعمّت البحث العلمي ووفرت الاسباب والضمانات لجلب الباحثين والعلماء خاصة أدمغتها المهاجرة قد تمكنت من تحقيق التقدم والازدهار والرقي لشعوبها وضمنت استقلاليتها بل واسست لمواجهة تحديات المستقبل ومخاطره الكثيرة. قبل نصف قرن كانت المانياواليابان في حالة دمار وخراب وفقر إلا أنّهما حققتا قفزة اهلتهما اليوم لما يتمتعان به من موقع في ركب الدول المتقدمة وذلك بفضل الرهان على سلاح العلم والعقل البشري... والامر لا يتوقف عند هذين البلدين بل ان الصين ودول آسيوية أخرى كانت في وضع لا يختلف عن وضع العالم العربي استطاعت ان تحقق لنفسها ولشعوبها المكانة التي تستحق وتوفر لها الحصانة ضد التبعية والخضوع للغير من أجل الحصول على مزيد من وسائل التكنولوجيا والعلوم وغيرها. ان في مقارنة عاجلة على سبيل الذكر لا الحصر بشان الموازنات المخصصة للبحث العلمي في العالم العربي وهي التي لم تتجاوز حتى وقت قريب 0.2 في المائة من الدخل القومي مقابل 22 في المائة لما تخصصه اليابان ما يدعو الى اثارة اكثر من نقطة استفهام. كما أن ما ينفقه المواطن العربي على البحث العلمي والذي لا يتجاوز الثلاثة دولارات مقابل نحو أربعمائة دولار في المانيا واكثر من ستمائة دولار في اليابان وامريكا ما يمكن ان يعكس الكثير عن الواقع العلمي المتردي في العالم العربي الذي يتعين عليه اكثر من أي وقت مضى ان يتوقف عن التغني بما حققه أسلافه من نهضة علمية كان ولايزال الغرب يشهد بدورها في توفير اسس تقدم الحضارة الانسانية وان ينطلق مجددا لارساء كل الاسباب والامكانيات التي تمهد لتحقيق النهضة العلمية انطلاقا من توفير المستوى الرفيع والنوعية الجيدة للبرامج التعليمية ورصد التمويلات المطلوبة للبحوث وصناعة المعلومات ...