تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    قتلى ومصابون في هجوم إيراني جديد على إسرائيل    "بأساليب جديدة".. إيران تضرب ميناء حيفا وقاعدة بتل أبيب    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي على حساب الجيش الملكي    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قتلى بهجوم "مدمر" على تل أبيب وحيفا وبزشكيان يؤكد الصمود    هجوم صاروخي إيراني غير مسبوق على إسرائيل ودمار واسع في كل مكان    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    القيروان .. إستعدادا لاجتياز مناظرتي السيزيام والنوفيام .. جلسة توعوية للإحاطة بالتلاميذ وأوليائهم    الكرة الطائرة : المنتخب في إيطاليا وبن عثمان يحتجب    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    كأس العالم للأندية :باريس سان جيرمان يضرب أتليتيكو مدريد برباعية    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    إجراءات لدعم التشغيل    مدنين: حملة نظافة بجربة اجيم لجمع النفايات البلاستيكية    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    وزارة المالية تعين لمياء بن اسماعيل في خطة امين مال عام للجمهورية التونسية    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قافلة الصمود تدعو الراغبين في العودة إلى تونس لتسجيل أسمائهم في موقع التخييم بمصراتة    وزارة الأسرة تذكّر بأنّ خدمة تلقي الاشعارات والتوجيه حول كبار السن متاحة على الرقم الأخضر 1833    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    كأس العالم للأندية 2025: بنفيكا يواجه بوكا جونيورز وتشيلسي يفتتح مشواره أمام لوس أنجلس غدا    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    لجنة انتداب تابعة لوزارة التربية العمانية تزول تونس الاسبوع المقبل (وكالة التعاون الفني)    وزارة الصحة: اختيار مراكز التربصات للمقيمين في الطب ستجرى خلال الفترة من 16 الى 19 جوان الجاري    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    دورة برلين المفتوحة للتنس: انس جابر في الجدول النهائي بفضل بطاقة الخاسر المحظوظ    إتحاد الفلاحة بباجة يدعو إلى مراجعة سلم تعيير الحبوب بسبب تدني الجودة جراء الأمطار الأخيرة [فيديو]    وزارة الصحة تُعلن رزنامة اختبار اختيار المراكز للمقيمين في الطب    روسيا تدخل على خط الأزمة: بوتين لترامب' 'لن نسمح بتصعيد خطير في الشرق الأوسط''    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    الترجي الرياضي يعزز ثقة باسم السبكي بقيادة الفريق لموسم جديد    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    الأهلي يُعلن غياب إمام عاشور رسميًا بعد إصابته أمام إنتر ميامي    مقترح برلماني: 300 دينار منحة بطالة و450 دينار للعاجزين عن العمل    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يزيد عن مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا موجودون في الدول المتقدمة على رأسها أمريكا
البلدان العربية باتت توصف ب«البيئة الطاردة للكفاءات العلمية»:
نشر في الصباح يوم 11 - 01 - 2008

تعاني الدول النامية من هجرة أدمغتها إلى الدول الصناعية الرأسمالية المتطورة... وهو ما يحرمها من إمكانية بناء جهاز علمي وصناعي وتكنولوجي كافٍ لبناء اقتصاد عصري ودولة عصرية..
وتمثل هذه المشكلة، بالنسبة للبلدان العربية جرحاً نازفاً يثخن الجسد العربي، وتقف حاجزاً كبيراً في طريق التنمية العربية من خلال استنزاف العنصر الأثمن، والثروة الاغلى من بين العوامل الضرورية للنهوض بتنمية حقيقة متينة الاسس، قابلة للتطور والاستمرار،
ونعني به الكادر العلمي..
تفرز هجرة العقول العربية إلى البلدان الغربية عدة آثار سلبية على واقع التنمية في الوطن العربي. ولا تقتصر هذه الاثار على واقع ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية فحسب، ولكنها تمتد أيضاً إلى التعليم في الوطن العربي وإمكانات توظيف خريجيه في بناء وتطوير قاعدة تقنية عربية...
وتعتبر منظمة اليونسكو أن هجرة العقول هي نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (ناحية الدول المتقدمة) أو ما يعرف ب"النقل العكسي" للتكنولوجيا، لان هجرة العقول هي فعلا نقل مباشر لاحد أهم عناصر الانتاج، وهو العنصر البشري..
وقدرت التقارير أن تلك الهجرة التي تكاد لا تتوقف، تتسبب في خسائر مالية تتجاوز 200 مليار دولار، وفق أرقام منظمة العمل العربية..
وتعتبر ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج، أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاديات الوطنية، وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، كما تكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين، خصوصاً من الكوادر العلمية المتخصصة..
كان العلماء في الفضاء العربي الاسلامي تاريخيا، هم أدمغة الامة المفكرة، غير أن هذه الادمغة، التي كانت مصدر قوة ونهضة العالم الاسلامي في عصور صدر الاسلام والحقبة الاموية والعباسية وعصور الدويلات المستقلة، راحت الان تهاجر إلى بلاد الغرب التي تحسن استغلالها وتوظيف طاقاتها وقدراتها الذهنية والعلمية..
فما هو واقع هذه الهجرة بالارقام؟ وما هي الاسباب التي أدت إلى الدفع بالادمغة العربية إلى الرحيل عن بلادها، ثم ما هي نتائج هذا الوضع وتداعياته؟ وما عسى أن تكون المقترحات لاستئناف النظر في هذا الملف الحيوي في عصر التكنولوجيات الحديثة، وثقافة "تصدير الذكاء"، وعصر التفوق العلمي؟؟
بدايات "هجرة العقول"..
بدأت ظاهرة هجرة العقول العربية بشكل محدد منذ القرن التاسع عشر، وبخاصة من سوريا ولبنان والجزائر، حيث اتجهت هجرة الكفاءات العلمية السورية واللبنانية إلى فرنسا ودول أمريكا اللاتينية، فيما اتجهت الهجرة من الجزائر إلى فرنسا.. وفي بداية القرن العشرين ازدادت هذه الهجرة لاسيما خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية، وفي السنوات الخمسين الاخيرة، هاجر من الوطن العربي ما بين 25 إلى 50% من حجم الكفاءات العربية..
ويقصد بهجرة العقول أو الكفاءات، نزوح حملة الشهادات الجامعية العلمية والتقنية والفنية، على غرار الاطباء والعلماء والمهندسين والتكنولوجيين والباحثين، إلى جانب الممرضات الاختصاصيات، والمختصين في علوم الاقتصاد والرياضيات والاجتماع وعلم النفس والتربية والتعليم والاداب والفنون والزراعة والكيمياء والجيولوجيا.. كما يشمل هذا التحديد، الفنانين والشعراء والكتاب والمؤرخين والسياسيين والمحامين وأصحاب المهارات والمواهب والمخترعين، بالاضافة إلى شتى الميادين الاخرى، أي أصحاب الكفاءات والمهارات الجامعية العلمية والتقنية..
إحصاءات وأرقام مفزعة..
تشير الجامعة العربية ومؤسسة العمل العربية والامم المتحدة (عبر تقارير التنمية الانسانية العربية)، إلى وقائع وأرقام حول هجرة العقول العربية إلى الخارج، تبدو مفزعة ولافتة للنظر.. إذ تشدد هذه التقارير على كون المجتمعات العربية باتت بيئة "طاردة للكفاءات العلمية". ويشكل هذا النوع من الهجرة، نحو 31 في المائة مما يصيب الدول النامية، كما أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة، مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، بحيث تضم أمريكا وأوروبا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقرير مؤسسة العمل العربية.. وتؤكد هذه التقارير، أن 5.4 في المائة فقط من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج، يعودون إلى بلدانهم، فيما يستقر الاخرون في الخارج... ومن بين الارقام ذات الدلالة في هذا السياق، وجود حوالي 34 بالمائة من الاطباء الاختصاصيين في بريطانيا ينتمون إلى الجاليات العربية.. وتقول منظمة العمل العربية في هذا الاطار، أن مصر وحدها، قدَّمت 60 بالمائة من العلماء والمهندسين العرب الذين نزحوا إلى الولايات المتحدة الامريكية. بينما كانت حصة العراق 15 بالمائة من العلماء والمهندسين العرب الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة.. فقد شهد العراق ما بين 1991-1998 هجرة 7350 عالماً تركوا بلادهم بسبب الاحوال السياسية والامنية، ونتيجة الحصار الدولي الذي كان مفروضاً على العراق منذ تلك الفترة..
ويمكن اختزال هذه الارقام في النقاط التالية:
يساهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية..
إن 50% من الاطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة، يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا بوجه خاص..
إن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم..
يشكل الاطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الاطباء العاملين فيها..
إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75% من المهاجرين العرب..
بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الادمغة العربية، نحو 11 مليار دولار في عقد السبعينات..
يهاجر حوالي 100,000 (مائة ألف) من أرباب المهن وعلى رأسهم، العلماء، والمهندسين والاطباء والخبراء كل عام من ثمانية أقطار عربية هي لبنان وسوريا والعراق والاردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر..
منذ عام 1977 إلى حدّ الان، هاجر أكثر من 750,000 (سبعمائة وخمسون ألفا) عالم عربي للولايات المتحدة الامريكية..
وتعاني مصر وغيرها من الدول العربية من آثار هذه الظاهرة، حيث يقدّر الجهاز المركزي للتعبئة العامة في الاحصاء، المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التي هاجرت إلى الخارج ب824 ألفا، وفقاً لاخر إحصاء صدر في العام 2003، من بينهم نحو 2500 عالم...
وقدمت مصر نحو 60% من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة الامريكية، وان مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 15%، بينما كان نصيب كل من سوريا والاردن وفلسطين نحو 5%..
وأعلنت وزارة الهجرة المصرية في وقت سابق، أن إجمالي عدد العلماء المهاجرين من مصر، بلغ 465 ألف عالم منهم 200 ألف هاجروا إلى أمريكا، و60 ألفا هاجروا إلى كندا و50 ألفا إلى استراليا و155 ألفا إلى دول أوروبا الغربية.. وتشير تلك الاحصاءات إلى أن معظم المهاجرين من خريجي الجامعات وعلماء الطبيعة والاطباء والمهندسين.. بل إنه منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، هاجر إلى الغرب أكثر من 61 ألف طبيب مصري و100 ألف مهندس مصري و122 ألف اختصاصي فني.. ومن سوريا هاجر 56% من خريجي الجامعات، ومن لبنان 29% من خريجي الجامعات، ومن تونس 12.5% من علماء الطبيعة..
أسباب ودوافع أساسية..
على أن مراكز الدراسات وتقارير المنظمات الدولية والاقليمية، حددت جملة من الاسباب التي دفعت العقول والادمغة العربية إلى الهجرة خارج الفضاء العربي.. منها ما يتصل بعوامل داخلية، ومنها ما يعود لاسباب موضوعية تتعلق بالثورة التكنولوجية والتقدم العلمي الذي لا يزال الغرب حقله الفعلي.
ومن بين الاسباب الداخلية التي تكمن خلف "هروب" الكفاءات إلى الغرب تحديدا:
1 أن الاجور في الدول العربية، كما في العالم الثالث كله، قليلة جداً بالمقارنة مع الاجور في الغرب..
2 إن التقدم الوظيفي في الدول العربية مرهون إلى حد بعيد بالتقرب من النظام الحاكم، كما أن المحسوبية تلعب دوراً حاسماً في التقدم الوظيفي، ودور الكفاءة والتقدم العلمي في الرقي الوظيفي هو هامشي بالمقارنة مع العلاقة مع أقطاب النظام والواسطة والتبعية السياسية والحزبية للنظام..
3 في أغلب الدول العربية هناك تمييز ضد فئات تنتمي للاقليات في الدولة فالشيعة والمسيحيون في عراق صدام حسين، كانوا مهمشين ومميزاً ضدهم. ولكن ظاهرة التمييز منتشرة جداً، في دول عربية أخرى عديدة.. كذلك هناك تفضيل للانتماءات القبلية والسياسية والعشائرية، وفق تقارير منظمة العمل العربية، مما يجعل العالِم الشاب الموهوب الذي يعتمد على مواهبه فقط يهرب إلى العالم الواسع، حيث التعامل مع الكفاءات بدون اعتبار للانتماءات القومية والدينية...
4 غياب حرية الفكر والديمقراطية، وحرية البحث العلمي وغياب الاحترام للعلماء، يُشكِّل سبباً رئيسياً في بحث العلماء العرب الشباب عن مجتمع يحترم العلم والعلماء، ويحترم حقوق الانسان مهما كانت أفكاره بعيدة عن أفكار النظم الحاكمة..
5 تشير عدة تقارير عربية إلى عامل آخر بالغ القسوة يجعل الادمغة، من علماء وأساتذة علوم سياسية وإنسانية يفكرون بالهجرة، وهو القيود الخانقة ضد النشر وحرية الفكر، فهناك كثير من الابحاث التي تمنع السلطات نشرها في البلاد، ويضطر أصحابها إلى النشر في الخارج، وأحياناً يعاقبون أيضاً على النشر في الخارج!
6 عدم توافر فرص العمل اللازمة للاختصاص المتحصّل. إذ لا تبدو الدول العربية معنية بالافادة من الاختصاصات العلمية وتأمين مجالات عمل لاصحابها، فيجد الخريجون أنفسهم ضحايا البطالة، مما يضطرهم إلى تأمين لقمة عيشهم في أعمال لا تتناسب ومستوى تحصيلهم العلمي. ويتولد عن هذا الوضع شعور واسع بالاحباط واليأس لدى هذه الكفاءات، ويصبح لقرار الهجرة مسوغاته الذاتية والموضوعية. تصيب كثيرين مرارة من الذين يصرون على البقاء في بلادهم عندما يلمسون مدى إهمال الدولة ومؤسساتها وكذلك القطاع الخاص، إلى حد كبير، لمؤهلاتهم العلمية وضرورة الافادة منها، أو عندما يرون كيف تتم الاستعانة بخبراء أجانب لقضايا تتوافر فيها الكفاءات اللازمة محلياً.
7 إن ضعف وجود مراكز البحث العلمي في الدول العربية، يفاقم من الازمة حيث يستحيل الافادة من الابحاث العلمية وتوظيفها في خدمة المجتمع، فتتحول الاختصاصات العلمية التطبيقية إلى اختصاصات نظرية، تنعكس على العالم والباحث من حيث تراجعه في مستواه العلمي أو في إمكان تطوير قدراته المعرفية...
8 لا يزال العالم العربي يتعاطى مع الارقام بصفتها معطيات سياسية ذات حساسية على موقع السلطة، وتشير تقارير عربية إلى تدخل السلطة السياسية في أكثر من ميدان لمنع إصدار نتائج أبحاث أو دراسات، تكون الدولة تكبدت مبالغ لانجازها، وذلك خوفاً من أن تؤثر نتائج الدراسات في الوضع السياسي السائد..
9 البيروقراطية الادارية وأنظمة الخدمة المدنية وبعض التشريعات والتعهدات التي تربك أصحاب الخبرات، إلى جانب أسباب عائلية أو شخصية فردية..
10 إن معظم المشروعات التي تقام في البلدان العربية تنفذها في أغلب الاحيان شركات أجنبية للاستشارات والمقاولات، مع مشاركة وطنية في الحدود الدنيا.. والنموذج السائد في البلدان العربية لتنفيذ المشروعات هو نمط الصفقات التي لا تنطوي، في أغلب الاحيان على نقل التكنولوجيا إلى الكادرات الوطنية، بل إقامة مشروعات الانتاج الجاهزة وفق نموذج " تسليم المفتاح"... ومن الواضح أن هذه الطريقة في التعامل لا تتيح للعلماء والخبراء العرب إلا القليل من فرص العمل وإثبات الجدارة، الامر الذي يشعر أصحابها بالاغتراب في أوطانهم وتشكل دافعا للهجرة..
أما فيما يتعلق بالاسباب الخارجية التي يسميها بعض المراقبين بالاسباب الجاذبة للهجرة، فيمكن حصرها في النقاط التالية:
أ بوسع العالِم أن يجد في الدول الغربية، أعمالاً أخرى كمستشار لشركات أو مراكز أبحاث أو لشركات إنتاجية كبرى بحاجة إلى مرافقة علمية، وذلك بالاضافة إلى عمله الاساسي، وهو ما يشكل تعزيزا لدخله ومردوده المالي وقيمته المعرفية والخبراتية..
ب أن إمكانيات التقدم العلمي للعلماء في الغرب، أكبر بكثير من الامكانيات المتاحة في الدول العربية والدول النامية عموماً..
ج يشكل التطور العلمي والتكنولوجي وثورة الاتصالات التي تشهدها البلدان المتقدمة عنصراً جاذباً لاصحاب الاختصاصات في التكنولوجيا العالية، حيث تقدم المجتمعات الغربية، بخاصة مراكز أبحاثها، إغراءات مادية وحياتية لعلماء كثيرين برعوا في هذه المجالات، أو لاصحاب طموح وجدارة في تحصيل علمي متقدم في علوم يستحيل وجود مثيلها في بلده الام. وهو ما يعني استحالة عودة هذه الكفاءات لاحقاً إلى موطنها بعد تخرجها، لمعرفتها وإدراكها صعوبة الافادة مما حصلته من هذه العلوم..
د الريادة العلمية والتكنولوجية للبلدان الجاذبة ومناخ الاستقرار والتقدم الذي تتمتع به هذه البلدان..
ه توفر الثروات المادية الضخمة التي تمكنها من توفير فرص عمل هامة ومجزية مادياً تشكل إغراءً قوياً للاختصاصين..
و وجود بعض القوانين والتشريعات والتعهدات التي تربك أصحاب الخبرات في الوطن العربي، فضلا عن البيروقراطية والفساد الاداري وتضييق الحريات على العقول العلمية المبدعة، مما يولد لديهم ما يسمى بالشعور بالغبن...
ز رغم وقوف الدول الغربية ضد هجرة مواطني الدول النامية إليها، إلا أنها تتبنى سياسات مخططة ومدروسة بدقة لاجتذاب أصحاب الكفاءات والمهارات الخاصة من هذه الدول، وعلى سبيل المثال، أصدر الكونغرس الامريكي قراراً بزيادة تصريحات الحصول على بطاقة الاقامة للخريجين الاجانب في مجالات التكنولوجيا المتطورة من 90 ألفا في السنة إلى 150 ألفا ثم إلى 210 آلاف خلال العام الماضي..
ي انخفاض نسبة العقول العلمية في الدول المتقدمة صناعياً بسبب انخفاض نسب الولادة وعدد المتخصصين في الفروع العلمية والتقنية، مما يجعلها تبحث عن عقول وكفاءات أجنبية وتقدم لها الاغراءات المادية لملء هذا الفراغ، وبخاصة في السنوات الاخيرة، حيث وصلت غالبية الدول المتقدمة إلى مستوى دون النمو السكاني الصفري بينما يسير هذا المعدل في دول العالم الثالث، ومنها الدول العربية في الاتجاه المعاكس..
لكن السؤال المطروح في هذا السياق هو: ما هي النتائج المترتبة على خسارة العالم العربي لهذه الكفاءات والعقول العلمية التي هاجرت إلى الغرب، طوعا أو كرها؟ وما هي تأثيرات هذه الهجرة على التنمية في العالم العربي؟
تأثيرات ونتائج..
يترتب على هجرة الادمغة خسائر صافية، لها تداعياتها على المجتمعات العربية بشكل مباشر.. وتشير تقارير منظمة العمل العربية في هذا السياق، إلى أن الدول العربية تتكبد خسائر سنوية لا تقل عن 200 مليار دولار من وراء هجرة العقول إلى الخارج... وتبدأ هذه الخسارة من لحظة تأهيل هذه العقول ودفع كلفة تعليمها داخل أوطانها، وهو ما يصفه بعض الباحثين في الدول العربية، بكون الدول النامية تقدم مساعدات إلى البلدان المتقدمة عبر تكوين هذه الكفاءات، ثم تصديرها إلى هذه البلدان المتقدمة لتستفيد من خبراتها العلمية، وهو أمر يوجب على هذه الدول تعويضاً إلزاميا للدول النامية..
وتفيد بعض المعطيات الاحصائية، أن تعليم وتدريب العالم الواحد، يقدر بحدوده الدنيا بنحو عشرين ألف دولار أمريكي (بأسعار العام 1972)، وعموماُ قدرت دراسة حديثة، الخسائر المادية العربية بسبب استمرار ظاهرة هجرة العقول العربية بنحو 1,57 مليار دولار سنوياً..
وليست جهود التأهيل وحدها التي يخسرها العالم العربي، إذ يرى عديد المراقبين، أن مجال "إنتاج المعرفة" بجوانبه المتعددة، هو الخاسر الاكبر من هجرة العقول إلى الخارج، حيث يتسبب ذلك في تخلف حقول المعرفة في العالم العربي، وفي إضعاف الفكر العلمي والعقلاني وعجزه عن مجاراة الانتاج العلمي في ميادين كثيرة...
خسائر سياسية لافتة..
وتنسحب الخسائر أيضاً، على الميدان السياسي وعلى الصراع ضد إسرائيل أو الهيمنة الغربية.. لم يعد خافياً أن جزءاً أساسياً من هذه المعركة، يدور في الميدان العلمي والحضاري والثقافي، وأن أحد عوامل النصر بات مرتبطاً بدخول العرب إلى العصر ومواكبة الثورة العلمية..
ويقر باحثون عرب وأجانب، أن هجرة الادمغة العربية إلى الخارج، أدت إلى ضياع الجهود والطاقات الانتاجية والعلمية باتجاه شرايين البلدان الغربية، في الوقت الذي تحتاج التنمية العربية لمثل هذه الطاقات في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقنية..
وتؤكد تقارير التنمية البشرية، أن من بين الخسائر المتأتية من هجرة العقول إلى الغرب، ضعف وتدهور الانتاج العلمي والبحثي في البلدان العربية بالمقارنة مع الانتاج العلمي للعرب المهاجرين في البلدان الغربية.. إلى جانب كون هجرة العقول العربية، تمثّل خسارة في مجال التعليم في جميع مراحله، سيما وأن معدل الامية في الوطن العربي، يصل حاليا إلى نحو 49% (نحو 70 مليون أمي)، بما يجعل منه الاعلى في العالم مقارنة بمعدل 30% في الدول النامية و1,4% في الدول المتقدمة.. ويشكل هذا الرقم أحد المعوقات الرئيسية أمام التنمية العربية في عصر تمثل فيه الكفاءات العلمية والتقنية والمعرفة المصدر الرئيسي للتفوق والتنافس بين الامم..
وفي حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول، فإن إسرائيل تستفيد من هذه الظاهرة بفعل الهجرة العالية التأهيل الاتية من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية.. وتعتبر مصر الخاسر الاكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق.. ففي أمريكا ثمة حوالي 318 كفاءة مصرية، وفي كندا حوالي 115، وفي أستراليا 65 إلى 35 في بريطانيا، و36 في فرنسا، و25 في ألمانيا و14 في سويسرا و40 في هولندا و14 في النمسا و90 في إيطاليا، و14 في إسبانيا، و60 في اليونان.. وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الاكبر من الكفاءات والعقول العربية بنسبة لا تقل عن 39%، تليها كندا 13.3% ثم إسبانيا بنسبة 1.5%... وتتضمن هذه الارقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة، وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي، والعلاج بالاشعاع، والهندسة الالكترونية والميكرو إلكترونية، والهندسة النووية وعلوم الليزر.. الخ.
مشروع قومي نهضوي..
وعلى الرغم من هذه الوقائع والمعطيات المزعجة، في علاقة بموضوع هجرة الادمغة العربية إلى الخارج، فإن استعادة هذه الكفاءات والعلماء والاكاديميين، تعدّ اليوم من أوكد القضايا التي يجري الحديث عنها خلال الفترة الحالية من قبل المثقفين والجامعيين والمسؤولين، في ضوء الحاجة المتزايدة لهؤلاء الكفاءات العلمية العربية..
ويقول باحثون عرب، أن استعادة العلماء العرب، ينبغي أن يكون جزءاً من مشروع قومي متكامل، إلى جانب ارتباطه بإرادة تغيير المسار والاستراتيجية وسُلَّم الافضلية في العالم العربي..
ويشدد هؤلاء الباحثون، على أن الوطن العربي بحاجة إلى نهضة سياسية أولاً، تنشر الديمقراطية وحرية التفكير وحرية التجريب، وتفتح أفقاً رحباً للمبادرات الاكاديمية والجامعية والتكنولوجية، وتتعهد الدولة باستيعاب الكفاءات حسب نجاحها وإبداعها، وليس حسب أي اعتبار آخر، وهو أحد الشروط الاساسية لعودة هؤلاء من الخارج..
إن ثمة حاجة لعودة الثقة بين علمائنا والحكومات العربية، لكي يستعيدوا موقعهم في بلداننا، ويمثل رفع رواتب العلماء، وتوفير الدعم لهم بغاية إقامة مراكز أبحاث ومختبرات علمية، من بين أبرز الاجراءات الداعمة لجذب كفاءاتنا وأدمغتنا..
مقترحات.. وحلول..
لا شك ان الخطورة التي تشكلها هجرة العقول العربية على المخططات التنموية العربية بصورة خاصة، تتطلب إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة.. ويجمع المعنيون بهذا الملف والخبراء، بأن الحل يكمن في وضع إستراتيجية عربية متكاملة للتصدي لهذه المشكلة.. ويقترح المراقبون أن تشارك في وضع هذه الاستراتيجية، كل من جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي والمنظمات العربية غير الحكومية المهتمة بهذا الموضوع، مع الاستفادة من خبرات منظمة اليونسكو ومنظمة العمل الدولية التي تملك خبرات ودراسات جدية حول هذه المشكلة..
ويمكن حوصلة المقترحات في جملة من النقاط التالية:
إجراء مسح شامل للكفاءات العربية المهاجرة بهدف التعرف على حجمها ومواقعها وميادين اختصاصها وارتباطاتها وظروف عملها..
صياغة سياسة عربية مركزية للقوى العاملة، على أساس تكامل القوى العاملة العربية بحيث تمكن الدول العربية التي تواجه اختناقات في مجال القوى العاملة من التخلص من فوائضها، وتتيح للبلدان العربية الاخرى التي تواجه عجزا في هذا الميدان من سد العجز لديها..
وضع البرامج الوطنية لمواجهة هجرة العقول وإنشاء مراكز للبحوث التنموية والعلمية والتعاون مع الهيئات الدولية والاقليمية المعنية، لاصدار الوثائق والانظمة التي تنظم أوضاع المهاجرين من العلماء وأصحاب الكفاءات..
حث الحكومات العربية على تكوين الجمعيات والروابط لاستيعاب أصحاب الكفاءات المهاجرة من بلدانها، وإزالة جميع العوائق التي تعيق ربطهم بأوطانهم، ومنحهم الحوافز المادية وتيسير إجراءات عودتهم إلى أوطانهم للمشاركة في عملية التنمية والتحديث..
تنظيم مؤتمرات للمغتربين العرب وطلب مساعدتهم وخبراتهم سواء في ميدان نقل التكنولوجيا أو المشاركة في تنفيذ المشروعات..
التعاون مع منظمة اليونسكو لاقامة مشروعات ومراكز علمية في البلدان العربية لتكوين كوادر وكفاءات عربية، واجتذاب العقول العربية المهاجرة للاشراف على هذه المراكز والاسهام المباشر في أعمالها وأنشطتها...
إنشاء مكتب خاص لدرس العوامل التي تؤدي إلى "هجرة العقول"، وإيجاد الطرق الجادة والفعالة للحد من هذا النزيف..
تخصيص موازنة لائقة بالبحث العلمي في البلاد العربية، وإلحاق مراكز بحثية لائقة بأقسام الدراسات العليا في الجامعات العربية تمول من شركات يهمها البحث العلمي..
احترام الحريات الاكاديمية وصيانتها وعدم تسييس التعليم أو عسكرته، وهو ما يعني من الناحية العملية، احترام حقوق الانسان وخضوع الدولة والافراد للقانون، وذلك عبر إعطاء أعضاء الهيئات الاكاديمية والعلمية حرية الوصول إلى مختلف علوم المعرفة والتطورات العلمية وتبادل المعلومات والافكار والدراسات والبحوث والنتاج والتأليف والمحاضرات، واستعمال مختلف وسائل التطور الحديثة من دون تعقيد أو حواجز وصولاً لخير المجتمع العربي والعالمي..
إعادة النظر جذرياً في سلم الاجور والرواتب التي تمنح للكفاءات العلمية العربية، وتقديم حوافز مادية ترتبط بالبحث ونتائجه، ورفع الحدود العليا للاجور لمكافأة البارزين من ذوي الكفاءات، وتقديم الحوافز التشجيعية والتسهيلات الضريبية والجمركية، للوفاء بالاحتياجات الاساسية خاصة منها المساعدات التي تضمن توفير السكن المناسب وتقديم الخدمات اللازمة لقيامهم بأعمالهم بصورة مرضية..
وضع البحث العلمي في تونس
تفيد إحصائيات حكومية، أن عدد الباحثين بتونس تطور من 6563 سنة 1998 إلى 15833 سنة 2006، كما أن عدد الباحثين لكل ألف ناشط ارتفع من 2.14 سنة 1998 إلى 4.52 سنة 2006، وهي مؤشرات جدّ إيجابية، على الرغم من تشكيك البعض في هذه الارقام، باعتبارها تضاهي ما هو موجود في البلدان المتقدمة..
على أن الحكومة راهنت خلال الاعوام الماضية على الجانب العلمي والتقني في اتجاهها نحو تشجيع العلوم والبحث العلمي، وهو توجه كرسته الاصلاحات التي أدخلت على التعليم بصورة عامة، والتعليم العالي بوجه خاص، انطلاقا من خلفية أساسية تعتمد ربط التعليم بسوق الشغل من ناحية، إلى جانب ربطه بسياق التطور العلمي في الدول المتقدمة من ناحية أخرى، وهو ما يفسر إلى حدّ بعيد، تراجع البحوث العلمية المتعلقة بالعلوم الاجتماعية والانسانيات بشكل عام (آداب عربية وعلوم اجتماعية وفلسفة وحقوق وعلوم سياسية..)..
وتعكس الارقام الحكومية (بيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لسنة 2006)، أولوية البحوث التي تنتمي إلى مجالات علوم الحياة والبيو تكنولوجيا والتقنية، حيث يصل عدد الاساتذة الباحثين في هذا المجال إلى نحو 870 أستاذا، فيما يصل عدد الطلبة الباحثين إلى نحو 1500 طالب.. في حين لا يتجاوز عدد المدرسين الباحثين في العلوم الانسانية بشكل عام، 150 أستاذا، ونحو 250 من الطلبة الباحثين فحسب..
وتمثّل مراكز البحث للعلوم الاجتماعية نسبة أدنى من 9% من مجمل الاهتمامات بالبحث العلمي، فيما ترتفع هذه النسبة في المجالات المتعلقة بالعلوم التقنية إلى مستوى 31%...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.