ربما نحتاج لبعض الوقت للحكم على الأمر ذلك أن عامل الوقت مهم جدا في القراءات التي تهتم بمدى انعكاس عمل ما أو فكرة ما على المدى البعيد لكن هناك بعض المؤشرات التي تقول أن قناة تونس 7 للتلفزة الوطنية تعيش تحولا جذريا يشمل الشكل والمضمون ويكاد يكون دفعة واحدة وبدون مقدمات طويلة. ليس لنا أن نحكم إن كانت الأمور تسير في اتجاه إيجابي أم العكس صحيح فذلك موكول للمستقبل لكن ربما لا نحتاج لوقت طويل حتى نفهم أن قناة تونس 7 تعيش تجربة جديدة مختلفة كثيرا عما تعود به جمهور هذه القناة الإعلامية الوطنية. وهي تبث هذه الأيام مجموعة من البرامج التي تشترك في أنها من انتاج المؤسسة الخاصة "كاكتيس" التي اشترت حقوق بثها من الخارج. وبعض هذه البرامج سبق وأن شاهدناها على قنوات أجنبية وعربية في نسخ تتأقلم مع بلدان تلك القنوات. ويستوقفنا من بين هذه البرامج بالخصوص برنامجان يحمل الأول" عنوان "عندي ما نقلك" والثاني "الحق معاك". وتتجسم تونسة هذه البرامج في العناوين وفي الأطراف المشاركة بها إضافة إلى المنشط والفريق التقني. لكن شكل البرنامج وفحواه لا يتغير مهما اختلفت قناة البث التلفزيوني. الستارة المشهودة يتركز برنامج "عندي ما نقلك" على الجمع بين طرفين أو أطراف فرقت بينهم الظروف ولم تكن الرغبة أو الإمكانية متوفرة لعودة الوصل فيلتجئ طرف أو أطراف إلى فريق البرنامج ليلعب دور الوسيط وتحدث المقابلة والمواجهة بالأستوديو أمام الجماهير وتكون الستارة بمثابة الحكم . بفتحها تعود المياه إلى مجاريها وبغلقها يتواصل الأمر على ما كان عليه. ولا ندري كم يتواصل الأمر على ذلك الحال، المهم أن منشط الحصة قد لا يتوفق خلال البرنامج في اقناع الطرف المقابل بفتح الستارة المشهودة. أما البرنامج الثاني "الحق معاك" فهو بعبارة أخرى الفرصة الأخيرة التي يلتجئ إليها المواطن إذا ما عجز عن الوصول إلى حل لمشكلة ما اعترضته عبر استعمال القانون والقنوات المعمول بها في مثل تلك الحالات. ولا يتدخل البرنامج بطريقة اعتباطية بل نجد في الأستوديو محامون وأهل الذكر بحضور المشتكي. هؤلاء المحامون يقومون بدور خارج الأستوديو كذلك ويجمعون الأدلة ويبحثون عن الخيط أو عن الحجة التي يمكن أن تكون الأطراف المتدخلة في القضية قد فاتتها أو غفلت عنها. وفي الحالتين أي في حالة البرنامج الأول أو البرنامج الثاني فإن جمهور القناة التلفزيونية يكون شاهد عيان وبالتالي مؤثر في كل الأحوال. فعرض القضية أمام جمهور قد يصل أحيانا إلى الملايين لا بد وأن مختلف الأطراف تأخذ المسألة بعين الإعتبار . عادة تقبل القنوات الخاصة أو التجارية على هذه النوعية من البرامج وقد تابعنا لسنوات طويلة مثلا برنامج "لا شيء أهم من الحقيقة" النسخة الفرنسية من برنامج "عندي ما نقلك" و"بدون أدنى شك" النسخة الفرنسية لبرنامج "الحق معاك" وقد بثتهما القناة الفرنسية الخاصة "تي.آف.1". بالنسبة لقناة تونس 7 فإن الأمر يختلف فهي قناة عمومية وعلى ما يبدو فإن دخول القطاع الخاص إلى ساحة البث التلفزيوني في بلادنا قد جعل من القناة العمومية الأولى تتخلى عن بعض التحفظات ربما تحت تأثير المنافسة وتحسبا لامكانية تفوق القنوات الخاصة وعلى سبيل التحديد قناة حنبعل في استقطاب جمهور المشاهدين. اقتحام مكتب المسؤول وربما مناطقه المحرمة لا يمكن أن نتجاهل مسألة التغيير الجذري الذي تعيشه قناة تونس 7 الوطنية من خلال هذه النوعية من البرامج التي تقطع مع تقاليد المؤسسة في التعامل مع جمهور النظارة. ومن أبرز علامات هذا التغيير مسألة فتح المجال أمام المشاهد ليتحول إلى عنصر فاعل بالبرنامج ومن خلال استغلال عناصر الحياة الخاصة وأحيانا في أدق التفاصيل وعرضها أمام الجمهور وهي عادة جديدة تجعل البعض ربما يتساءل عن تخلي التونسي دفعة واحدة عن تحفظاته بخصوص نشر تفاصيل حول حياته الخاصة. الأمر يتطلب دقة في التعامل وربما حذرا من المبالغة في تلقائية التعبير والخلط بينها وبين أشياء أخرى. تبدو هذه البرامج يسيرة وربما بسيطة لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك . فيمكن أن نقرأ من خلالها عقلية مجتمع وسلوكيات معينة ربما لم نكن نعرفها. لذلك يتحمل منشط الحصة خاصة فيما يتعلق ببرنامج "عندي ما نقلك" مسؤولية كبيرة. إن مادة البرنامج الأساسية كما سبق وذكرنا تتكون من حكايات الناس الخاصة وهو ما يعني أن هناك أشياء ينبغي الإلتزام بها في برنامج يبث بتلفزة عمومية أي وطنية في بلد له قيم خاصة وتقاليد ليس بالسهل أن نتعامل معها بدون أن ندرك مدى ما يمكن أن ينجر من ردود أفعال. بالنسبة للبرنامج الثاني "الحق معاك" وإذا ما تخلص من بعض الكليشيهات والنزعة الإنسانية المبالغ فيها التي يظهرها بعض الأطراف فتبدو وكأنها مستعملة لإثارة العواطف والحماسة لا غير فإن فكرة أن يتوصل برنامج تلفزي في بلادنا إلى حل مشاكل عويصة فشل القانون ومختلف القنوات المؤهلة لحل مثل هذه المشاكل والنزاعات في إيجاد مخرج يرضي الطرف المطالب بحقه تبدو مثيرة حقا كما أن شكل المسؤولين الذين "يقتحم" البرنامج مكاتبهم وأحيانا "مناطقهم المحرمة" فهي لا شك مسليّة لهؤلاء الذين لا ينتظرون إلا أن يقع هذا المسؤول البلدي أو بالولاية أو حتى باحدى الشركات في يوم ما في يد لا ترحم.