خلال عطلة العيد.. البنك المركزي يدعو الى تأمين استمرارية عمليات السحب من الموزعات الآلية    الصوناد توصي بترشيد إستهلاك المياه يوم العيد    بن عروس: تشديد الرقابة الاقتصاديّة على محلات بيع اللحوم الحمراء مع اقتراب عيد الأضحى    انتصر على "الجي آس كا".. مستقبل المرسى بطلا للرابطة الثانية    مصالح الديوانة بميناء حلق الوادي الشمالي تحجز كميات هامة من المواد المخدرة    بنزرت: تحديد تاريخ 9 جوان الجاري لانطلاق موسم الحصاد    كاتب الدولة للمياه يكشف وضع خزّانات المياه بحلول عيد الأضحى.. #خبر_عاجل    رواية "مدينة النساء" للروائي التونسي الأمين السعيدي.. يوتوبيا مضادة في مواجهة خراب الذكورة    السيارات الشعبية في تونس: شروط الشراء، مدة الانتظار، وعدد السيارات المورّدة سنويًا    هل ''القلاية التونسية'' مضرة؟ إليك الحقيقة الكاملة حول هذا الطبق الشعبي المحبوب    وزارة الحج والعمرة توجه نصائح هامة لضيوف الرحمن خلال مبيتهم في منى    ألمانيا: إجلاء آلاف الأشخاص بسبب اكتشاف قنابل تعود للحرب العالمية الثانية    نحو ضم نجم عربي آخر في مانشستر سيتي ...من هو ؟    مخيم الصيف الوطني في مسابقات وثقافة الرياضيات من 26 الى 28 جوان المقبل بالمنستير    ظهورها ينذر بالكوارث.. العثور على "سمكة يوم القيامة" على شاطئ أسترالي    عاجل: وزارة التربية تنشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة لتلاميذ البكالوريا عبر هذا الرابط    بعد هجوم على قاعدة عسكرية.. العثور على أسلحة ورموز نازية في احد المنازل بواشنطن    طليقة احمد السقا تخرج عن صمتها لأول مرة    تظاهرة "لنقرأ 100 كتاب" للتشجيع على المطالعة والاحتفاء بالكتاب والكتابة    عاجل : حريق ضخم في جامعة توشيا شمال روما    صادم/ الإحتيال على الناس يطال الحج!!    نداء عاجل من أعوان هذه الشركة لصرف أجورهم قبل عيد الأضحى    يوم عرفة: توصيات هامّة من مفتي الجمهورية ودعوة لتجديد العهد مع رسول الله.. #خبر_عاجل    رولان غاروس: الامريكية كوكو غوف تتجاوز مواطنتها ماديسون كيز وتبلغ المربع الذهبي    حركة النهضة تعبر عن استنكارها للحكم الصادر ضد نور الدين البحيري    لأول مرة: تمكين 200 حاج تونسي من ساعات ذكيّة لتحديد مواقعهم ومُتابعة حالتهم الصحية..    جلسة عمل استعدادا للمشاركة التونسية في المعرض الكوني "اكسبو اوساكا 2025" باليابان    سامي الطاهري يشيد بقرار حلّ شركة "الاتصالية للخدمات" وانتداب أعوانها: خطوة نحو رفع المظالم وإنصاف عمّال المناولة    عاجل-أرقام الأطباء البيطريين في خدمة التونسيين في عيد الأضحى... تعرّف عليها    لمن يُعانون من مشاكل المعدة... نصائح ضرورية قبل تناول لحم العلوش في عيد الأضحى    في معرضه الشّخصي الأوّل جمال عرّاس يرسم " جولة الألوان" بتقنية السكّين    توصيات هامة لضمان سلامة الأضاحي و تخزين اللحوم..    الكاف: وزير التربية يتابع سير بكالوريا 2025    روعة التليلي تتوج بذهبيتها الثانية في ملتقى الجائزة الكبرى للبارا ألعاب القوى بباريس    ثماني سهرات فنية ضمن برمجة الدورة 49 من مهرجان دقة الدولي    جريمة مروعة: شاب ينهي حياة زوجة شقيقه وابنها طعنا بالسكين..!!    يا تونسي، هل أنت مستعد ل''حجة علوش'' صحية؟ !    منوبة: بلدية هذه المعتمدية تُعلن عن موعد رفع الفضلات والجلود بمناسبة عيد الأضحى 2025    من 28 جوان إلى 8 جويلية 2025: برنامج الدّورة 49 لمهرجان دقة الدّولي    نسور قرطاج يحطّون الرحال في فاس: مواجهة نارية أمام المغرب بحضور 40 ألف متفرّج    الرابطة الأولى: الأولمبي الباجي يكشف عن موعد جلسته العامة الإنتخابية    وزير السياحة يشدّد على ضرورة تكثيف الجهود في التّرويج الرّقمي عبر مزيد التعاون مع صانعي المحتوى والمؤثّرين    يوم ''الوقفة'' تحت رحمة الغيوم: أمطار غزيرة متوقّعة بهذه المناطق التونسية    عاجل/ خامنئي يحسمها ويعلن..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صور: وزير الشؤون الدينية يعاين ظروف إقامة الحجيج التونسيين بمكة المكرمة    عملية زرع كبد ناجحة في مستشفى فطومة بورقيبة بالمنستير    عاجل/ رئيس الدولة يتخذ قرار هام..وهذه التفاصيل..    الحجاج يتوجهون الى مشعر منى لتأدية التروية…    لا تفوت بركة هذا اليوم.. أجمل دعاء ليوم التروية 2025 من السنة النبوية    النقل البري: 92 سفرة إضافية وتأمين رحلات استثنائية بمناسبة عيد الأضحى    محمد علي بن رمضان ينتفل رسميا الى الاهلي المصري    بمناسبة عيد الأضحى.. تعرف على الطريقة الصحية لتناول اللحوم لمرضى السمنة والسكري..    عاجل : الصحة السعودية تحذر الحجاج    انطلاق حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى في يوم التروية...تفاصيل هذا الركن    نتنياهو: الثمن الذي ندفعه في الحرب باهظ    المنستير: نجاح عملية زرع كبد لطفل ال8 سنوات في مستشفى فطومة بورقيبة    مبادرة إنسانية في جبنيانة: سائق نقل ريفي يرافق تلاميذ البكالوريا مجانًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أنا أوّل من حصل على عضوية اتحاد الكتّاب التونسيين بكتب رقمية دون الورقية»
الهكواتي سالم اللبّان يتحدّث ل«الصّباح»:
نشر في الصباح يوم 12 - 03 - 2009

بعد نجاحه في إنشاء فضائه الاتصالي "نافذتي المفتوحة" سنة 2002 وتظاهرة "من زمن الكتاب إلى زمن الخطاب المتعدد الأشكال" سنة 2003 وتجربة "سنتي في الهيك" سنة 2004 ونشره لكتبه الورقية الأربعة سنة 2005.
اختتم مؤخرا الهكواتي سالم اللبان "سنته على جناح السرد" وهي مغامرة أدبية التزم بها يوم 8 فيفري 2008 عن طريق بيان قرأه في النادي الثقافي أبو القاسم ألشابي والتزم فيه بان يكتب كل أسبوع قصة باللغة العربية ويترجمها إلى الفرنسية وينشرها على الانترانت مع صور فوتوغرافية التزم بالتقاطها بنفسه وقد تنقل بسببها على مدار السنة من ولاية إلى أخرى ليحلي بها قصته. وهذه تجربة غير المسبوقة في كتابة السرد تحت ضغط الشروط الزمنية والكمية والنوعية التي أفرزت بعد سنة خمسة أسابيع من انطلاقها 30 قصة قصيرة ورواية وبعض النصوص الأخرى التي فرضت نفسها على الكاتب أو حتمتها الظروف التي حفت بالتجربة ككل ستكون غدا الجمعة محور مائدة مستديرة في النادي الثقافي الطاهر الحداد عنوانها "تحدي الكتابة... كتابة التحدي " في تجربة سالم اللبان ولكن قبل ذلك التقته الصباح وأجرت معه الحوار التالي.
* سالم اللبان مبدع مسكون بهاجس التجريب واختراق الحدود وتحدي نفسه والجماعة رفع التحدّي وانتصر على ذاته حين طرح عليها سنة الهيك في بداية 2004
كيف كانت هذه التجربة ولماذا على الانترانت بالذات؟
أصارحك القول، الآن وقد وصلت بحمد الله إلى خاتمة رحلة "سنتي على جناح السّرد"، إنّ طموحي من وراء هذه التّجربة كان، وما يزال، أهمّ بكثير ممّا أعلنته في البيان الذي قرأته في نادي القصّة يوم 26 جانفي 2008. فلو طلبت منّي اختيار صفة تقدمينني بها لقرّائك لما قلت لك كاتبا ولا شاعرا ولا مسرحيّا ولا أيّ صفة من صفات الإنشاء. بل لاخترت أن تقدّميني كمناضل من أجل حضور الثقافة التونسية عموما في الفضاء الاتّصاليّ المعولم.
هذا الفضاء، ساحته الأساسيّة شبكة الإنترنت، أو ما سمّيته في كتيّب منشور على موقعي "الجسر الصّغير": "الوعاء الافتراضي". وهو وعاء تقوم عليه الحضارة البشريّة الجديدة. فإمّا أن تصبّ فيه ثقافتك لتنهل من ثقافة الجميع مقابل أن يشرب الجميع من ثقافتك، وتلك هي المعادلة الطّبيعيّة، أو أن يصبّ الآخرون ولا تصبّ أنت، فتشرب من عندهم فقط، وتمسي مسخا من الآخرين تتشبّه بهم ولا تستطيع حتّى أن تشبههم، أو أن لا تصبّ ولا تشرب فتموت حضارتك عطشا ويذهب ريحك بلا عودة. وهذا هو الخطر الذي يتهدّد ثقافات ولغات كثيرة من شعوب العالم.
هذا لماذا أختار الإنترنت لهذه التّجربة وللتّجارب السّابقة أيضا. ففي بداية حراكي في عالم الإنترنت كان موقع "الجسر الصّغير" الذي أنشأته سنة 2000 ونشرت عليه كتبا رقمية ضمن منشورات الجسر الصّغير الرّقميّة. ثمّ كان احتضان هذا الموقع سنة 2002 من قبل جمعيّة آفريكارت. بعدها أحسست أنّ الوقت حان لأستفزّ اتّحاد الكتّاب التّونسيين بطلب العضوية فيه بكتب رقميّة دون الورقيّة. وقد توّج هذا الاستفزاز بأن كنت أوّل من يحصل على العضويّة بهذا الشّكل في أواخر سنة 2003. ثمّ كانت تظاهرة "من زمن الكتاب إلى زمن الخطاب متعدّد الأشكال" التي نظّمتها على مدى أسبوع كامل 19 إلى 26 أفريل 2003، مساهمة منّي شخصيّا ومن مجموعة الجسر الصّغير للبحوث الموسيقيّة والمشهديّة في السّنة الوطنيّة للكتاب. وكانت أوّل مرّة يحتفى فيها في تونس بكتاب رقميّ، وهو ثلاثيّتي "دفاتر الرّحيل"، كما كانت مناسبة لإقامة أوّل معرض تشكيليّ رقمي. وقد راهن على هذه التّظاهرة واحتضنها النّادي الثّقافي الطّاهر الحدّاد. ونالت في وقتها نصيبا من النّجاح غير قليل. ثمّ كانت "سنتي في الهيك" من 09 فيفري 2004 إلى 08 فيفري 2005. وهي التي كانت حوارا تثاقفيّا بشعر الهايكو ذي الأصول اليابانيّة، على موقعي وعلى ورشة كتابة أدبيّة على الإنترنت في نفس الوقت. وقد نتج عن هذه التّجربة كتيّب ورقيّ متعدّد المؤلّفين (من فرنسا واسبانيا والكيبيك وأوكرانيا وتونس طبعا) صدر بالفرنسية في أوكرانيا في 20 مارس 2004 تحت عنوان "الهايكو حوار بين الثّقافات"، ثمّ نتجت عنها، في ما يخصّني شخصيّا، سلسلة فصولي الأربعة التي صدرت بمعدّل كتاب في كلّ فصل على مدى سنة 2005. واليوم، ها أنا أصل إلى ختام هذه التّجربة الجديدة "سنتي على جناح السّرد".
* وضعت لنفسك (في تجربة سنتي على جناح السّرد) شروطا مجحفة فهل تمكنت من الالتزام بها وكيف تيسر لك ذلك؟
- هي شروط وقيود، لا أعتبرها مجحفة ولكن ملزمة وهذا أهمّ ما أريد لفت الانتباه إليه عبر هذه التّجربة. فهذا معنى أنّ الكتابة فعل التزام تجاه الذّات بالأساس وتجاه الثّقافة التي انتمي إليها. ضبطت برنامجا زمنيّا محدّدا مرتبطا بمهامّ تحريريّة موزّعة على الأسبوع. وتمكّنت عموما من تطبيق برنامجي. ولو لم أتمكّن من الالتزام بهذه الشّروط ما كنت لأصل إلى نهاية مشواري. ويمكن طبعا لكلّ من أراد التّأكّد من مدى تحقّق الهدف المنشود أن يعود إلى ورشة الهكواتي باللغتين العربية والفرنسية لمتابعة الإصدارات يوما بيوم على العنوانين التاليين (http://alhakawaty.blogspot.com) و(http://haikuteur.blogspot.com). بل إنّ الظّروف جعلتني أنتج أكثر ممّا أعلنت في البيان. ولذلك استغرقت "سنتي على جناح السّرد" سنة وشهرا إضافيّا.
الفعل في الساحة الإفتراضية يظل منقوصا
* خرجت بتجربتك هذه من الفضاء الافتراضي إلى فضاء نادي القصة أبو القاسم الشابي فلماذا هذا النادي بالذات وكيف تقبل رواده هذه التجربة وهل وجدت عقبات؟
- كان لا بدّ من استخلاص العبرة من تجربتي الأولى التي أثمرت "فصولي الأربعة". ولعلّ أهمّ ما استخلصته من تلك التّجربة، أنّ الفعل في السّاحة الافتراضيّة يظلّ منقوصا جدّا ما لم يقم على فعل في السّاحة الثقافية الحقيقية الآن وهنا. لذلك كان لا بدّ من السّعي إلى تجذير فكرة التّجريب الأدبيّ من ناحية، وفكرة ربط الأدب بوسائل الاتّصال الحديثة من ناحية ثانية، في السّاحة الثّقافيّة التّونسيّة. فلئن كان ضمان حضور الكلّ في الفضاء الاتّصاليّ المعولم يمرّ بالضّرورة بسعي كلّ فرد إلى ضمان حضوره الشّخصيّ، فإنّ الخطاف وحده، كما تعرفين، لا يصنع ربيعا. ولا يمكن أن يطير جناحا طائر، بينما يبقى جسده كاملا مشدودا إلى الأرض. من السّهل جدّا أن يختار المثقّف أن يكون ريشة في جناح ساحته الثّقافيّة أو حتّى أن ينفخ في ذاته فيعتبر نفسه جناحا كاملا. ولكنّ ما فائدة هذا الجناح إذا لم يساعد الجسد كاملا على الإقلاع؟ فالمثقّف يستمدّ قيمته، في نظري، من مدى فعله في واقعه الثّقافي أيضا. وإلاّ لكان الهدف من الإنشاء مجرّد سعي مرضيّ (بنصب الميم والرّاء) إلى الظّهور. لذلك فقد بنيت لنشاطي الفكريّ والإنشائي استراتيجيّة، تقوم على طرح مهمّة جسيمة على نفسي أتحمّل وزرها بمفردي ولكن أسعى بكلّ الوسائل إلى لفت الانتباه إليها وإثارة الجدل حولها (لا حول شخصي) من أجل الفعل في هذه السّاحة وتحريك ما يبدو لي ساكنا مستقرّا مطمئنّا إلى أنه ليس في الإمكان أحسن ممّا كان.
أمّا لماذا اخترت نادي القصّة أبو القاسم الشّابّي لتجذير تجربتي في واقع الحراك الثّقافي الوطني، فأوّلا لأنّ تجربتي هذه تتعلّق بالكتابة السّرديّة، وثانيا لأنّ هذا النّادي يعتبر مؤسّسة في حدّ ذاتها وعلامة من أبرز علامات النّشاط السّردي وأعرقها، لا في تونس وحدها، بل في العالم العربي. وعلى كلّ السّاحة الأدبيّة الوطنيّة دعمها بالنّشاط الجدّي والآراء البنّاءة الكفيلة بضمان تواصل إشعاعها وتأمين تطوّرها لمواكبة متطلّبات تواصل فعلها في الثّقافة الوطنية. أمّا عن الجزء الثّاني من سؤالك فأكتفي بالقول إنّني حقّقت من نشاطي بهذا النّادي كلّ الأهداف التي رسمتها لنفسي، واستفدت من روّاده الكثير، وتعرّفت فيه على أدباء على درجة عالية من التّركيز على أدبهم، واستمعت بمناسبة نشاطي فيه إلى آراء محترمة وقرأت عديد الكتب أفدت منها، وكان لي بالخصوص شرف كتابة نصّ أعتبره حدثا في الأدب التّونسي وربّما العربي، ما كنت لأكتبه لولا نشاطي في هذا النّادي وأقصد "عمّ إدريس في واب شخصون" وهي محاولة في السّرد النّقدي قدّمت بها الأستاذ الرّشيد إدريس.
* أنا عضو من أعضاء نادي القصة ابو القاسم الشابي
أمّا العقبات فلا يهمّني الحديث عنها، لأنّها عابرة ولن تبقى سوى المحبّة التي تجمع كلّ الفاعلين في الحقل الأدبي. هناك شيء وحيد يهمّني الآن بعد ختام سنتي على جناح السّرد، وهو أنّني اليوم عضو بنادي القصّة عليّ كلّ واجبات العضو ولي بعض الحقوق، وأنّ عطائي الحقيقيّ لهذا النّادي الذي هو جمعيّة من جمعيات المجتمع المدني التّونسي، سيبدأ الآن. والله وليّ التّوفيق.
* بعد انتهاء تجربتيك هل تعتقد ان النشر في الفضاء الافتراضي يمكن ان يكون بديلا للنشر على الورق أوفي كتاب؟
- إطلاقا لا، في هذه المرحلة على الأقلّ. فالمرحلة الحاليّة ليست مرحلة احتلال النّشر الافتراضي، أو لنقل الرّقمي حتّى نكون أكثر دقّة، مكان النّشر الورقيّ بالكامل. أمّا ما يخفيه المستقبل، فالمؤشّرات الحاليّة تشير إلى أنّ الحضارة البشريّة سائرة في اتّجاه الرّقمنة الكاملة، وأنّ حضارة الورق إلى زوال تدريجي، تماما كما حلّت حضارة الورق والطّباعة تدريجيّا محلّ حضارة المشافهة والعلم الذي كان في الرّأس لا في الكرّاس.
ولهذا، فأنا أسعى إلى النّشر الورقيّ مباشرة بعد إنهاء تحدّيات الكتابة التي أطرحها على نفسي على مواقع الإنترنت. هكذا تمّ مع فصولي الأربعة سنة 2005. وهكذا سيكون مع "سنتي على جانح السّرد". فبعد انتهاء تحدّي الكتابة ستكون السّنة القادمة سنة عودة النّصّ من مواقع الافتراض إلى الكتب الورقيّة وقد تمّ الاتّفاق مبدئيّا مع مركز نشر الوسائل البيداغوجية وأدوات الإثراء الثّقافي على نشر نتاج هذه التّجربة في ستّة كتب في الجملة على مدى السّنة القادمة (مارس 2009 / مارس 2010) أربعة منها توزّع عليها النّصوص الثّلاثين التي كتبت في المرحلة الأولى، مع ترجمتها الفرنسيّة. أمّا رواية "بوصلة سيدي النّا" التي كتبت في الجزء الثاني من السّنة المنصرمة فستصدر في كتابين مستقلّين أحدهما بالعربيّة والثّاني بالفرنسية.
* كتبت في البيان الذي التزمت فيه بهذه التجربة أنك ستكتب قصة كل أسبوع وإذا بك ومنذ الأسبوع 30 أصبحت تكتب الرواية فَلِمَ هذا التحول وكيف تفسره أليس اخلالا بما التزمت به من شروط؟
- دعيني أوّلا أصحّح المصطلح. فقد كتبت في البيان أنّني ألتزم "بنصّ سردي" في الأسبوع ولا "بقصّة". هناك اختلاف طفيف ولكنّه مهمّ. فالسّرد على رأي النّقّاد أجناس ولا أريد الخوض في تفاصيل هي من مشمولات النّقّاد. لنقل إذا إنّني التزمت بنصوص سرديّة عموما. فأنتجت في المرحلة الأولى نصوصا غير طويلة، وخصّصت المرحلة الثّانية لنصّ طويل متكوّن من ثلاثة وعشرين حلقة. وللحقيقة فالمنعرج جاء مع النّصّ الذي أشرت إليه في البداية، وسمّيته محاولة في السّرد النّقدي. فقد كان من الطّول بحيث اضطررت إلى نشره على ثلاثة جزاء كتبت لتقديمها بيانا يعدّل قوانين لعبتي ويسمح بنشر النّصّ الواحد على حلقات. وبعد ذلك وجدتني أتفاعل مع حدث عابر مرتبط بواقع يعيشه المجتمع التونسي الآن وهنا وكان لا يمكنني تأجيل الكتابة فيه كما كان لا يكفيني نصّ قصير للتّعبير عنه على النّحو الذي يرضيني. لذلك قرّرت كتابة نصّ على حلقات. فكانت رواية طويلة اخترت لها من البداية عنوان "بوصلة سيدي النّا...." وكان إنجازها تحدّيا داخل التّحدّي. فإذا كان النّشر في المرحلة الأولى يتمّ بعد انتهاء كتابة النّصّ بالكامل، فقد فرضت على نفسي في هذه المرحلة الثّانية تعرية عمليّة الكتابة تعرية كاملة بنشر الأجزاء تباعا بينما الأجزاء التي تليها لم تكتب بعد. ومهما خطّطت فإنّ الكتابة الرّوائيّة لا تخضع فقط إلى ما تمّ تخطيطه، بل ربّما كان خلاصها في التّحرّر ممّا تمّ تخطيطه. ولكن كيف السّبيل إلى التّحكّم في سير الخطّ الحكائيّ وتوجيهه نحو نهاية معقولة لا تترك أسئلة عالقة ولا تكون باهتة أو منتظرة بشكل مفضوح ؟ ذلك هو موضوع التّحدّي الجديد الذي كنت واعيا به منذ البداية فكان تحويل المسار نحو الرّواية مغامرة غير مأمونة العواقب. اقتحمتها قابلا لإمكانيّة أن أفشل فيها. ولذلك فأنا اليوم سعيد بنتائج تجربتي وبالأدوات التي أمّنتها قبل الانطلاق والتي لم تقم على تخطيط أحداث بقدر ما قامت على تجريب شكل روائيّ جديد عليّ على الأقلّ.
رواية "بوصلة سيدي النا"...ثمرة لعبة على الشكل
* هل استعملت تقنيات حديثة في الكتابة للتطرق للأغراض الحديثة التي تناولتها في إطار تجربة سنتي على جناح السرد أم ان التجديد اقتصرعلى فضاء النشر والتواصل (التطور التكنولوجي هل طور لديك تقنيات الكتابة)؟
- أعرف أن هنالك تجارب في الأدب اتّخذت منحى تكنولوجيا حتّى أنّ هناك من يتحدّث عن الأدب الافتراضي. أنا أحترم ما يقوم به بعض الأصدقاء في العالم العربي ولكنّني في الحقيقة لست عاكفا على مثل هذا التّجريب. دعنا أوّلا نمتلك ناصية تقنيات الكتابة الأدبية. وبعد ذلك فلكلّ حدث حديث. لذلك فسأحوّل مسار إجابتي على هذا السّؤال إلى مجال تقنيات الكتابة الأدبيّة. لم يكن هدفي في المرحلة الأولى من "سنتي على جناح السّرد" اقتحام تجارب تقنيّة في هذا النّمط من الكتابة. فرهان الكتابة بأسلوبي المعتاد كان كافيا لي. ولكنّ الحاجة هي أمّ الاختراع كما يقال. فطبيعة رهان المرحلة الثّانية فرضت عليّ إيجاد الحلول عبر تجريب تقنيات كتابة أعتقد أنّ فيها بعض التّجديد، بالنّسبة إلى المشهد الرّوائي التّونسي والعربي على الأقلّ أو، حتّى أكون صادقا مع نفسي وأبتعد عن الادّعاء، بالنّسبة إلى ما أمكنني الاطّلاع عليه من روايات تونسيّة وعربيّة إلى حدّ الآن. وأؤكّد لك أنّني أقرأ كثيرا لكبار الكتّاب وحتّى للمحدثين. وكمثال على ذلك فإنّني، إعدادا لسنتي على جناح السّرد، قضّيت ما لا يقلّ عن ثلاث سنوات أقرأ ولا أكتب. ولكنني لا أريد الخوض الآن في دقائق تقنيات الكتابة التي جرّبتها. سأدع هذا الأمر للنّقّاد. ولكن يكفي أن أقول لك إنّ رواية "بوصلة سيدي النّا..." ثمرة لعبة على الشّكل. فهي تقع في ثلاثة أجزاء، كقصيدة الهيك، تقع في ثلاثة أسطر. وهذه الأجزاء تخضع تماما لحساب مقاطع الهيك. فالجزء الأوّل مكوّن من خمسة مقاطع والثّاني من سبعة والثّالث من خمسة. أمّا موضوع الرّواية فقد انطلق من نصّ هيكة كتبت قبل التّحوّل من التّفكير في إمكان كتابة رواية إلى الإقدام على تجسيد هذا المشروع. وتمّ على ضوء تأويل هذه الهيكة تخطيط كلّ أحداث ومسار الرّواية. وهي هيكة طرحتها الشّخصيّة الرّئيسيّة (محمّد الأمجد بريقشة) لغزا على المؤلّف وتقول:
قطبيّ نجمي
صوّان فوق الكثبان
بدري في التّمّ
وقد التزم المؤلّف (أي أنا شخصيّا، ولا أقصد هنا شخصيّة في الرّواية اسمها المؤلّف)، التزم لمحمّد الأمجد بريقشة (أي للشّخصيّة الرّئيسيّة في الرّواية)، ليس فقط بحلّ اللغز، بل بجعل كلّ سطر من هذه الهيكة، بالتّرتيب، عنوانا لجزء من أجزاء الرّواية الثّلاثة. بعد هذا الاتّفاق على التّحدّي بدأت التخطيط وبدأت رحلتي الحقيقيّة في المكان فقادتني تقريبا إلى كامل ولايات الجمهوريّة سعيا لملاقاة محمّد الأمجد بريقشة. ولي، وهذا جزء من التّحدّي لم أعلنه، صور التقطت على مدار السّنة في مختلف مناطق البلاد ونشرت مع كلّ النّصوص على الإنترنت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.