مع ان المشهد لم يحمل في طياته جديدا ولم يختلف في اطواره وملابساته وابعاده عن الكثير من المشاهد السابقة التي اغرقت المدن الباكستانية سابقا في دماء ابنائها، فانه قد جمع في تفاصيله كل الاسباب التي تدعو للاشمئزاز والرفض والادانة والاحساس المتفاقم بالغضب، ولاشك ان مشاهد الاشلاء الادمية المتناثرة هنا وهناك تحت الانظار المرعوبة لاولئك الذين كتبت لهم النجاة كانت وحدها كفيلة بنقل واحدة من الماسي المتكررة في باكستان حيث لا يكاد يمر يوم على هذا البلد دون ان تسيل دماء ابنائه المستهدفة في المساجد كما في المدارس او في المطاعم وحتى في الشوارع دون ادنى تمييز بين ضعيف او قوي ولا بين امراة او طفل ولابين مدني او عسكري او غيرهم من الفئات لتعيد بذلك الى الاذهان ذلك الانفجار المروع الذي كان وراء اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنظير بوتو والعشرات من مرافقيها وما سبقها وما تلاها ايضا من تفجيرات. وكما في كل مرة فان الغموض يبقى سيد الموقف بما يفتح المجال امام كل التصورات والسيناريوهات المحتملة وحتى غير المحتملة في بلد توفرت فيه كل الاسباب المغذية للعنف الطائفي وارضية الانتقامات وتصفية الحسابات السياسية والامنية واستطاعت القوى الصناعية فيه ان تنجح في تقليد كل انواع السلاح والمتفجرات بعد ان باتت شبكات الانترنت توفر كل المعلومات المطلوبة للتنظيمات والجماعات المتشددة التي تستهدف عقول ومهارات العديد من الشباب المؤهل لذلك مستفيدة من الازمة الاقتصادية المتفاقمة وتنامي ظاهرة البطالة وانتشار الفقر والخصاصة التي لم تكن باكستان في مناى منها ولابعيدة عنها... كل ذلك طبعا فيما يظل الطرف او الاطراف التي تعود في كل مرة لتحريك خيوط لعبة الموت والخراب ابعد من الكشف عن وجهها الحقيقي الذي تتخفى خلفه وتدير معه سيناريوهات الرعب اليومي التي تتداخل فيها عوامل محلية داخلية ارتبطت بالتركيبة السياسية والعسكرية المعقدة في باكستان مع عوامل اخرى اقليمية ودولية لا تقل عنها تعقيدا بسبب موقع باكستان الجغرافي الاستراتيجي وحدودها الطويلة الوعرة المفتوحة على افغانستان فضلا عن تبعات الصراع المستمر منذ عقود في شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان القوتين النوويتين بسبب ازمة كشمير المتوارثة التي وضعت البلدين على خط المواجهة في اكثر من مناسبة... ولاشك انه سواء كان الانفجار الانتحاري الذي استهدف بالامس احد المساجد الباكستانية اثناء صلاة الجمعة وتسبب في مقتل عشرات المصلين الامنين المتجمعين داخله كان بهدف الانتقام من السلطات الباكستانية او كان ردا على الغارات الجوية الامريكية المتكررة على الاراضي الباكستانية او سواء كان رسالة موجهة لقوات الحلف الاطلسي ولامداداته العابرة للطريق المؤدي الى المسجد او سواء كانت كذلك محاولة لاستباق الاحداث قبل مرور الرئيس اوباما الى كشف استراتيجيته الجديدة في افغانستان ومواقع فلول طالبان في باكستان او سواء ايضا لاهداف اخرى غيرها فانه قد ضمن بالتاكيد توفر كل مواصفات العمل الارهابي الدنيء الذي لا يمكن للعقل البشري القبول به او تبريره لا سيما عندما يتعلق الامربحق الحياة وبقداسة الحياة البشرية في الاسلام كما بالمواقع المقدسة وما ارتبطت به في الاسلام بل وكل الديانات من مصدر للاحساس بالامن لمرتاديها وزائريها... كما انه ولاشك ايضا وهذا الاخطر انه مثل هذا المشهد كغيره من المشاهد التي سبقته من شانها ان تكون منطلقا لاعداء الاسلام والمسلمين المتكاثرين في الكثير من مناطق العالم لتوفر لهم الاضية وتمنحهم من الاسباب ما كانوا يحلمون بها لدعم نظرياتهم وقراءاتهم السخيفة والمغلوطة في اغلب الاحيان للجمع والخلط بين الاسلام والعنف بسبب تعطش فئة معينة جعلت من اراقة واستنزاف وهدر دماء الابرياء طريقا لتحقيق اهدافها التي جعلت من الدين غطاء لها وهي ابعد ما تكون عن الدين... قد لا يختلف اثنان في ان الكثير من الاحداث الدموية التي تعيش على وقعها باكستان ومن قبلها الهند ايضا قد تتنزل ضمن الفصول المستمرة للحرب المنسية على الارهاب التي تدخل عامها الثامن على التوالي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر دون مؤشر واحد من شانه ان يرجح لنهاية وشيكة لتلك الحرب التي يبدو ان مخططيها ومنفذيها قد فشلوا حتى الان في اعلان استراتيجية كفيلة بتجنيب الشعوب المستضعفة المزيد من الخسائر والدماء وقادرة على دفعها الى خارج دوامة العنف التي تابى ان تتوقف...