قريبا معرض دائم في المعهد عن الفينيقيين بين صور وقرطاج كان من المفروض ان يتحدث السيد «دومينيك بوديس» Dominque Paudis رئيس معهد العالم العربي بباريس عن دور هذه المؤسسة في الحوار بين الثقافات فلقد وجهت له الدعوة لهذا الغرض واستضافه المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بتونس لتقديم محاضرة حول الموضوع المذكور الا ان فضل الحديث في موضوع آخر يرى انه يجب ان يكون صاحب الاولوية في هذا الظرف. رئيس معهد العالم العربي بباريس وربما تحت تأثير المكان (مقر لرؤساء الشركات) وكذلك لنوعية الحضور (عدد من رجال الاعمال برئاسة السيد شكيب نويرة باعتباره رئيسا لهذا النادي) فضل الحديث عن المال وتحديدا عن تمويل المعهد. الاشكال وتمويل المعهد وفق ما سمعنا يطرح اشكالا خطيرا ربما يؤدي في النهاية الى غلق هذه المؤسسة التي وان هي منتصبة في العاصمة الفرنسية باريس فهي تخدم قبل كل شيء الثقافة العربية. لا يستبعد السيد «دومينيك بوديس» امكانية غلق المعهد اذا ما استمرت صعوباته المالية، فهو وحسب الارقام التي قدمها يسجل سنويا عجزا في ميزانيته يقدرب3 ملايين أورو وبمرور السنين ومع تراكم العجز المالي فان الوضع قد يصبح متفاقما. ان الاحتفال اذن بمرور عشرين سنة على تأسيس معهد العالم العربي بباريس هذا العام و«للأسف» والكلمة تكررت على لسان رئيس المعهد يتم في ظروف صعبة وفي اطار تساؤلات حول مستقبل هذه المؤسسة. الوضع هو دون شك صعب جدا ذلك انه شرع بعد في طرد بعض موظفي المعهد (عشرة موظفين الى حد الان)، ولكن لا بد من طرح تساؤلات حول الاسباب، هل يعود الامر الى الاصل اي الى الفكرة في حد ذاتها ام الى الانشطة المعتمدة ام الى اعتبارات اخرى؟! سياسات التواصل حول هذه النقطة الاخيرة رفض «دومينيك بوديس» ان يقدم اجابة محددة وقد سألناه عن سبب عزوف العرب عن تمويل انشطة المعهد، اكتفى بالقول بانه لا يعرف، ربما يعود الامر حسب قوله الى عدم اعتماد سياسة ناجعة في الاتصال من قبل الرؤساء الذين سبقوه مع العلم انه يرأس المعهد منذ جانفي الفارط. اما بالنسبة للفكرة، فكرة تأسيس معهد العالم العربي بباريس، فهي حسب رأيه فكرة رائعة. الفكرة انطلقت خلال السبعينات وقد اطلقها الرئيس السابق «جيسكار ديستان» لقد عاش العالم في تلك الفترة بالخصوص على وقع ازمة النفط من جهة والمشكل الفلسطيني من جهة اخرى. كان الهدف منها على المستوى السياسي بناء علاقات جديدة مع العالم العربي الذي ظهر في تلك الفترة اقوى مما كان يُتصوّر بفضل سلاح النفط. هذا طبعا الى جانب محاولة تصحيح بعض الاخطاء على مستوى المواطن الفرنسي الذي كان ينظر الى العربي على انه حسب رئىس معهد العالم العربي، رمز للارهاب وسبب المشاكل الاقتصادية التي يتخبط فيها العالم لانه استعمل سلاح النفط. ولم يكتف الرئيس «فرانسوا ميتران» باستعادة الفكرة فقط بل عمل على ان يتأسس المعهد فعليا في فترة حكمه. كان ذلك سنة 1987. تمثل الاتفاق بخصوص التمويل في ان تتعهد الدولة الفرنسية بتوفير نسبة 60% في حين تتقاسم الدول العربية الباقي.. اما فيما يخص الادارة فان الرئيس يكون فرنسيا في حين يكون الكاتب العام عربيا وتكون كل الدول العربية ممثلة في مجلس الادارة. تقلص الدعم العربي سارت الامور على ما يبدو وفق ما كان متوقعا، لكن مع مرور الاعوام تقلص دعم الدول العربية للمعهد الى درجة تهدد مستقبله. لكن لماذا تقلص هذا الدعم المادي ان لم نقل قد تلاشى.. هل يعود الامر للأنشطة المعتمدة؟ رئيس الوفد لا يشاطر هذه الفكرة دليله على ذلك ان حوالي مليون شخص يزورون سنويا المعهد ويشاركون في انشطته مما يساهم في تحقيق نسبة من المداخيل تصل الى 10 ملايين أورو سنويا. وقد اكد في هذا الشأن انه من النادر ان تحقق الهياكل الثقافية مع معهد العالم العربي بباريس. وهو ولئن لم يتوقف خلال محاضرته عن التذكير بان امكانية غلق المعهد واردة لتراكم الصعوبات فانه اكد على ان المعهد يلعب دورا هاما في حوار الثقافات. بل هو يرى ان وجوده اليوم اكثر من ضروري للوقوف ضد صدام الحضارات الناتجة عن الجهل بثقافة الآخر. وقد قدم المحاضر بعض الارقام حول انشطة المعهد خاصة تلك التي لها علاقة ببلادنا ومن بينها مثلا 5 الاف كتاب حول تونس ومئات الدوريات وعشرات الندوات الفكرية وعشرات المعارض اضافة الى عروض السينما والموسيقى والمسرح الخ.. وقد اكد ان حوالي 250 متدخلا جاؤوا من تونس وقدموا اسهاماتهم في مختلف الاختصاصات بالمعهد. لم يستطع المحاضر ان يتكهن بمستقبل السياسة الخارجية مع دخول فرنسا مرحلة جديدة مع الرئيس الجديد، خاصة بخصوص العلاقات مع المنطقة العربية حيث لاحظ انه لم يتم الخوض في هذه المسألة خلال الحملة الانتخابية الا نادرا لكنه ذكر بالعلاقات القوية التي كانت تربط الرئيس جاك شيراك بالعالم العربي، وطالب العرب بهذه المناسبة بالتمسك بهذا المعهد الذي يعتبر الان وجوده محل تساؤل حسب رأيه. بالتوازي مع ذلك ذكر بالجهود التي يقوم بها من اجل توفير الدعم المالي على المستوى الفرنسي وعلى مستوى الاتحاد الاوروبي لكنه عبر عن خشيته في ان يتسبب تقلص الدعم العربي في التأثير على المانحين من فرنسا ومن اوروبا سلبا. مع العلم ان معهد العالم العربي يعد لمعرض ضخم ينطلق في اكتوبر ويتواصل الى مارس من العام القادم حول الحضارة الفينيقية. واستجابة لاقتراحات تقدم بها وزيرا الثقافة والمحافظة على التراث والسياحة ببلادنا تم تحديد العنوان كالآتي «الفينيقيون من صور الى قرطاح» مع العلم ايضا ان الاستاذ حسين فنطر رئيس كرسي بن علي لحوار الثقافات والاديان قد دعي لالقاء كلمة حول حوار الثقافات جدد فيها التذكير بضرورة التعرف الى الذات قبل التواصل مع الآخر.. مصالحة الانسان مع تاريخه ومع خصوصياته هي خطوة اساسية لا بد من المرور بها حسب الاستاذ فنطر لنحسن التعامل مع الآخر. وقد تم خلال الامسية التي انتظمت بعد ظهر الخميس بمقر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات تبادل التذكارات حيث منح السيد «دومينيك بوديس» شعار معهد العالم العربي (ميدالية ذهبية) الى السيد شكيب نويرة وتولى هذا الاخير تسليمه رمز «دار المؤسسة».