الأكيد أننا نذكر جميعا الممثلة صالحة النصراوي تلك المريضة النفسانية التي عرفناها بشخصية ثريا في مسلسل «كمنجة سلامة» للمؤلف علي اللواتي والمخرج حمادي عرافة. والأكيد أن الجمهور قد شده في هذه الممثلة قدرتها على تقمص أدوار مركبة لها علاقة بالهيستيريا والجنون والإنفصامية وهي أدوار تعرف بصعوبة تقمصها في المسرح فما بالك في التلفزة. ودورها في «كمنجة سلامة» ليس الشاهد الوحيد على قيمتها الفنية بل الشهادة الكبرى كانت في دورها في مسرحية «جنون» للفاضل الجعايبي عندما تقمّصت دور «واو» تلك الشابة المنحرفة التي حولتها قسوة الحياة والظروف العائلية إلى مومس لتوفر لنقلها اللقمة من أجل الحياة. وسواء في المسرحية أو في المسلسل فقد اثبتت صالحة النصراوي قيمة الممثلة فيها وقدرتها في التلّون مع كل شخصية. وطالما أن النجاح وحده لا يمنع من الاحالة على البطالة والتجاهل والنسيان فان الأمر مع صالحة النصراوي كان كذلك حيث كانت تجربتها في الدراما التونسية يتيمة بذاك الدور بالرغم من إيمان العديد بموهبتها وإشادة أهل الاختصاص من المخرجين والمؤلفين والممثلين بقيمتها وبقدرتها في تقمّص الأدوار. لكن قانون «عدم تغيير الجواد الناجح» لا ينطبق على الدراما التلفزية بل لا بد أن يدفع الممثل ضريبة نجاحه ويعيش البطالة الفنية كجزاء لتميزه. وبعد هذا المسلسل ظلت صالحة النصراوي غير مبرمجة بشبكة المسلسلات والسلسلات الدرامية لتكتفي بقبول دعوة قريبتها تحديدا ابنة أختها للمشاركة في فيلم «خارج الشبكة» في دور «انتظار» الذي أنجزته في إطار مشروع التخرج من الجامعة. ويذكر أن فيلم «خارج الشبكة» (Hors connexion) سيشارك في تظاهرة سينمائية تنظّمها الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة بصفاقس في الأيام القادمة لأول مرة. وينطلق هذا الفيلم من فكرة طريفة تتمثل في قضاء موظفة ليلة كاملة بمقر عملها بعد أن أحكم حارس المؤسسة غلق كل الأبواب دون أن يتفطّن لوجودها بالداخل. وأمام هذا الوضع الحرج لم تجد «انتظار» الكبريت لإشعال سيجارة فاستعانت بملابسها الخارجية والداخلية وفانوس الكهرباء لإشعال سجائرها. ويتطرق الفيلم من خلال هذه الحكاية الطريفة إلى قضايا ومضامين تتعلّق بمهنة الموظف التونسي الذي يعاني من قضية الروتين والستراس والموت البطيء إلى درجة الإشتعال داخل مؤسسته كما يحيلنا الفيلم على إحالات وإيحاءات أخرى متعلقة بالثورة النفسية والداخلية على كل ما هو رسمي. ويذكر أن صالحة النصراوي ليست الوحيدة التي قبلت دعوة الطلبة مجانا لإنجاز مشاريع تخرجهم بل نذكر في هذا الإطار مشاركة صالح الجدي وجعفر القاسمي وفاطمة سعيدان في مشروع شبيه عنوانه «وجه وقفا» للطالب أسامة حفيظ. ونحصي كذلك في إطار سينما الهواة ونوادي السينما مشاركة عدة ممثلين من نجوم المسرح والسينما والتلفزيون مثل صلاح مصدق والطيب الوسلاتي وجمال المداني... وتتم هذه المشاركات بصفة مجانية وتطوعا ودون مركّبات النجومية في مستوى أدارتهم من طلبة ومبتدئين وتعكس هذه الظاهرة الايجابية القيمة المثلى للفن الذي أراد له البعض أن يكون كأسواق البيع والشراء ولا يعترف إلا بالسيولة. وحيد عبد الله