سبب وفاة سامح عبد العزيز... التفاصيل الكاملة    عاجل/ سعيد يؤكد على ضرورة تحميل المسؤولية الكاملة لهؤلاء..    الحماية المدنية : 531 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة    خبير يحذّر: تلوث خطير يهدد سواحل تونس بسبب الصرف الصحي    مفاجأة للعرايس: تخفيضات كبرى على أسعار حفلات الزواج في فضاء مسبح البلفيدير!    خبر سار للعرب المقيمين في السعودية!    فرصة للتونسيين: السعودية تنتدب أساتذة إنجليزية    السيسي يبحث مع رئيس وزراء الصين ملف مبادلة الديون    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    تنبيه هام لمن يريد شراء ''كليماتيزور''    هام/ بداية من الأسبوع المقبل توزيع كميات اضافية من هذه المادة في الأسواق..    الخطوط الصيفية: تعزيز أسطول حافلات الشركة الجهوية للنقل بالساحل للوصول إلى شواطئ المنستير    ترامب يفرض رسوماً جمركية بنسبة 30% على واردات ثلاث دول عربية ويحذّر من ردود الفعل    عاجل/ من بين الشهداء أطفال ونساء: الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة في دير البلح وسط غزة..    كعادته بإحراج ضيوفه.. ترامب يقاطع رئيس موريتانيا ويطالب ضيوفه بذكر أسمائهم وبلدناهم فقط    رحلة حول الأرض في 5 ساعات: شابة تونسية تخوض مغامرة غير مسبوقة    فرنسا وبريطانيا تعلنان استعدادهما لتنسيق ردعهما النووي    سلسلة زلازل تضرب غواتيمالا    قافلة الصمود تستعد لإطلاق أسطول مغاربي لكسر الحصار عن غزّة    عاجل/ "يويفا" يحدث تعديلات على لوائح العقوبات في مسابقات الموسم المقبل..    الرابطة المحترفة الثانية : مبارك الزطال مدربا جديدا للملعب القابسي    إتحاد بن قردان: إستقالة الرئيس ونائبه .. وفريق الأكابر يستأنف التحضيرات    باريس سان جيرمان يتأهل إلى نهائي كأس العالم للأندية بفوزه على ريال مدريد برباعية نظيفة    مودريتش يودّع ريال مدريد بعد 13 سنة من المجد...وهذه وجهته القادمة    كأس إفريقيا للأمم للسيدات: تعيين الحكمة من جنوب إفريقيا لإدارة مباراة تونس والجزائر    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    فاجعة في بن قردان..وهذه التفاصيل..    حادث مرور قاتل..#خبر_عاجل    تحذير عاجل: البحر هائج في السواحل الشرقية... خاصة في نابل وبنزرت    متى تظهر نتائج ''الكونترول''؟ اكتشف مواعيد إعلان النتائج السابقة    بشرى سارة للمقبلين على الزواج..#خبر_عاجل    سعيّد: كلّ تظاهرة ثقافيّة أو فنيّة يجب أن تتنزّل في إطار قضايا الحريّة والتحرّر    نجوى كرم لقرطاج: ''مافي شي بيبعدني عنك''    عاجل : نور قمر تنسحب من العرض الافتتاحي لمهرجان قرطاج    أحمد سعد يشوق جمهوره لألبومه الجديد لصيف 2025    اليوم: قمر الغزال العملاق يُضيء سماء العالم...ماهي هذه الظاهرة؟    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    هذه العلامات الغريبة في جسمك قد تنذر بنوبة قلبية... هل تعرفها؟    هيئة الصيادلة: أسعار الأدوية في تونس معقولة    كيف سيكون طقس اليوم الخميس ؟    تغيير جذري: الاتحاد الأوروبي يعتزم ربط مساعداته للدول الإفريقية بجهود الحد من الهجرة    أخبار النادي الإفريقي: مفاوضات مع علي يوسف لتجديد عقده    تاريخ الخيانات السياسية .. دسائس في القصر الأموي (2)    بنزرت: حجز 8.8 أطنان من البطاطا وضخها في المسالك القانونية    سليانة.. الاحتفاظ بشخص حاول فَقْءَ عين زوجته    الكاتبة العامة لهيئة الصيادلة: استراتيجية الدولة تجعل سوق الأدوية مراقبة ومسالك توزيعها مغلقة وآمنة    عاجل/ الإعلان عن موعد تنظيم الدورة الاولى من المهرجان الدولي لموسيقى ال"راب"    إدارة مهرجان قرطاج الدولي تُلغي عرض الفنانة الفرنسية "هيلين سيغارا"    وضعية Fan في المكيّف: هل فعلاً تساهم في تقليل استهلاك الكهرباء؟    الحماية المدنية تحذر من السباحة اليوم بسبب هبوب رياح قوية    دورة الصداقة الافريقية لكرة الطائرة تحت 19 عاما: نتائج مباريات المنتخب التونسي    قيمة صادرات النسيج والملابس تزيد بنسبة 2،61 بالمائة إلى موفى ماي 2025    جندوبة: رحلة سياحية رابعة تحط بمطار طبرقة عين دراهم الدولي    بعد حذف معلّقة "سان ليفان" من برمجته: مهرجان قرطاج الدولي يكشف ويُوضّح..    وزارة السياحة تمنع التدخل في لباس المصطافين وتمنع البيع المشروط    جزيئات بلاستيكية وراء آلاف الوفيات بأمراض القلب في العالم    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحبس كذّاب والحيّ يروّح»
البعد الآخر
نشر في الصباح يوم 29 - 04 - 2009

كنت أقرأ للسيّد فتحي بن الحاج يحيى على صفحات النّات ورغم حدسي حول الطّاقة الإزعاجيّة الراقية لما يكتبه لم أكن أتوقّع أن إصداره الأخير «ورقات من دفاتر اليسار في الزمن البورقيبي» سيكون بهذا المقدار من الإزعاج المربك!!
التوأم الثاني لخمسون بكّار والجعايبي نزل كتابةً، من نفس البطن، بنفس الأوجاع، بذات الشهيق، بالقدر ذاته من الشحنات الصّادمة، بنفس الصّرخة الأولى التي يطلقها الوليد ألما، ارتباكا أو احتفالا بالحياة.
ورقات فتحي بن الحاج يحيى مزّقت رتابة التأريخ البارد للأكاديموس حين يوغل في ولوج بعض وقائع التاريخ بأدوات ومناهج العلم الصّارم الى حدود البلادة، كانت الورقات علميّة بكثافتها الإنسانية، أكثر دقّة من الوضعانيّة الباردة في غمرة غوصها في السوسيولوجيا والإيديولوجيا.
لم يستعمل فتحي بن الحاج يحيى ماركس أوفيبر أوبورديو ليعرض لنا الخلفيّة الطبقيّة والثقافية لتجربة اليسار التونسي متدرّجة من جيلها «البريسبكتيفي» الأوّل الى جيل «العامل التونسي».. الثاني.
كانت كلمات «زينوبة» (المخنّث الذي شارك مجموعتي 68 و75 من مساجين اليسار التونسي فضاءهم السّجني..) كافية لشرح هذه الخلفيّة دون إطالة أو تعقيد يبحثان عن وجاهة المصطلح ليعوّضا فقر المعنى: جيل 68، جيل نقّاش وبن خضر، الجيل الذي التقى بالماركسيّة في باريس كان جيل «دجنتلمان» «فينُو» «رُقّي»، أمّا اللاّحقّون في 75 القادمون الى الماركسيّة من أريافهم ومن كل فج عميق متحمسين لزواج القوميّة العربيّة بالماركسيّة، مرتابين من الأمميّة المبالغ فيها لأصحاب الوثيقة الصفراء من المؤسسين فكانت زينوبة واضحة في تصنيفها لهم: «أفعار»!!
من لحظة الإلتزام التنظيمي الأوّل بطقوسها الساحرة في عيون شباب اعتقدوا أنهم وضعوا أقدامهم على المربّع الأوّل لرحلة تغيير العالم بادئة بالإتفاق على علامة مميّزة في اليد وكلمة سرّ باهتة للتعارف مع الرفيق المشرف، من هذه اللّحظة الى فاجعة الإحساس بالعجز أمام الجلاّد في محلاّت التعذيب، عَجْزُ مَنْ تطوّع للنّضال من أجل حماية الطبقة العاملة والجماهير الكادحة ليجد نفسه في لحظة مجنونة غير قادر على حماية أكثر مناطق جسده حميميّة!!
يدوّخنا فتحي بن الحاج يحيى وهو يتجوّل بنا بلا رأفة أو شفقة، بلا شعارات أو فتوحات في الجمل والاستنتاج تُعينُنَا على حماية أنفسنا من الوقوع في فخّ ادانة من أرادنا أن ندينه او التعاطف مع من اراد ان نتعاطف معه، لم يترك لنا الفرصة للبحث عن المبرّرات والدوافع وتصنيفات الصحة والخطأ. دخل بنا كل الغُرَف ليتركنا فيها أيادينا على أفواهنا دون أن نعرف ان كان ذلك اعجابا بالمسخرة أو تعاطفا مع الفجيعة، حتى بورقيبة كم كانت غرفته مبهرة، لقد كُتِبَ عنه الكثير لكن ما وصفه فتحي بن الحاج يحيى من تفاصيل لقائه بمساجين العامل التونسي في مكتبه المكتظ بالوزراء والمسؤولين والحرس والشباب الحالم ودور الماجدة الفائض على التاريخ المعاصر للدولة الوطنيّة، كان وصفا مبهرا في قدرته على تلخيص طبيعة الزعيم ونظامه من خلال سرديّة حوار سريالي كانت أكثر لحظاته كثافة سرياليّة حين زمجر الزعيم في وجه هؤلاء الشباب الذين ألحوا أمامه على قضايا حقوقهم المدنيّة والسياسيّة بكثرة الاستشهاد بالفصل الثامن من الدستور قائلا «أيّ توة انّحِي والديه ها الفصل الثامن»، قبل «أن تنبّهه الماجدة الى أنه يحدّث وزراءه، فأمرهم بالابتعاد ليتمكن من الفرز بين الوزراء وشباب العامل التونسي».
لم يفارقنا شيطان صاحب الورقات مصرا على تحويل القراءة الى وليمة بلذّة من يدخل فضاء التأريخ للتجربة السجنيّة بمقدّمة أكثر الترانيم ظرافة في وعينا الجمعي، تلك التي لا يمكن أن تكون غير أغنية صالح الخميسي «في بودفّة شبحتنا» لكن ليسمح لي الصديق فتحي أن أروي له الظروف التي أحاطت بأغنية الخميسي، تلك التي غنّاها بعد ان قُبِضَ عليه وأُودِعَ السجن بتهمة عدم «خلاص مأكول».
لقد دخل صالح الخميسي ملعب كرة القدم ليشاهد مباراة فريقه المفضّل ثم ذهب ببراءة أهل البادية لشراء بعض «المقروض» أثناء استراحة الشوطين، أكل ولم يدفع ظنا منه ان تقديم المقروض في الملعب هو جزء من الخدمات المجانيّة التي توفرها له تذكرة الدخول، كان مصيره «بودفّة».
جيل كامل من هؤلاء اليساريين ارتكب نفس الخطأ.. ظنّوا أن حرية التعبير والمعارضة جزء من نفس الخدمات المجانيّة التي قدمتها لهم الدولة حين عَلّمتهم، كان عليهم أيضا تماما كما الخميسي.. أن يدفعوا الثمن.
شكرا سيّد فتحي، منذ سنوات لم ألتهم كتابا في ظرف ليلة واحدة، كم كنت شيّقا وأنت تصف مناخات برج الرومي و9 أفريل التي استقبلت أفواجا متلاحقة من العائلات السياسية من يوسفيين وقوميين ويساريين واسلاميين ونقابيين، سرديّتك التونسيّة كانت أكثر انسانيّة وهي تُعْلِي المسخرة على الفجيعة مقارنة بسرديّات أخرى شبيهة وجدتها مثلا في كتابة السجون المغربيّة تلك التي جالت بنا بين القصص المرعبة لدرب مولاي الشريف وفيلا المقرى ومعتقل تازارمات وسجن القنيطرة.
شكرا سيّد فتحي وأنت تذكّر بأسماء يحقّ لتونس أن تفتخر بها، نور الدين بن خضر، جلبار نقاش وعائلات يهوديّة بقيت وفيّة لتونسيّتها من أكثر زواياها تسامحا وتضامنا وتنويرا، عائلات «شيش» ونقّاش وللّوش وعدّة.
شكرًا لهديّتك سي فتحي!!... قلبي مع من لم يكن حبسه كذّابا!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.