تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    عاجل: الجزائر: هزة أرضية بقوة 3.9 درجات بولاية المدية    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    قيرواني .. نعم    تورّط شبكات دولية للإتجار بالبشر .. القبض على منظمي عمليات «الحرقة»    مع الشروق : فصل آخر من الحصار الأخلاقي    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    أستاذ قانون: العاملون في القطاع الخاصّ يمكن لهم التسجيل في منصّة انتداب من طالت بطالتهم    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«كنا ضمن التناغم العالمي ولم نكن مفردة»
فتحي بالحاج يحيى لمنارات: ان غرّدنا ولم نبلّغ فلنا نشوة التغريد
نشر في الشعب يوم 17 - 04 - 2010

هل كتاب فتحي بالحاج يحيى من أدب السجون أم إنه من أدب الحياة ؟ "الحبس كذاب والحي يروح " روح فتحي منذ سنوات وقرر اليوم أن يسطر "ورقات من دفاتر اليسار في الزمن البورقيبي" . ما كتبه هو قصة بلد. رسالة صغيرة لأمنية كبيرة إسمها " حرية " حكايات أرادها أن تكون محايدة قدر الإمكان مليئة بالتناقضات. بين إعجاب بإنجازات النظام البورقيبي .
ورفض لعدم إعتراف ذلك النظام بقدرة الشباب على المشاركة وإعطائهم معنى للإستقلال وقيمة الحرية. تناقضات بين قساوة السجن وحميمة العلاقات . بين ظلم الحرمان. وروعة العطاء. إضطرابات داخلية تعلم فتحي وصحبه اللعبة القذرة : إما الخنوع أو الإستسلام . لكن ومضة الحياة تجعل " أقصى حدود اليأس ، أقوى حدود الأمل ".
لغة عربية محترفة وراقية دون منازع . تشاركها لغتنا اليومية لتخفينا الحكايات على مصداقيتها . ولا عجب فهو إبن الأديب المتميز الجيلاني بالحاج يحيى . إن كان ذلك من أدب السجون فهو من أصدق أنواع الكتابة وأعذبها . سواء على مستوى السرد أو على مستوى الوقائع. ورقات جمعها حفاظاً على تلاشي الذكريات، لم تكن ذكريات فتحي كفرد لكن ذكريات مجموعة . فهو يبدأ كتابه بنفحة حب وكلمة ود إلى رفاق المحنة وإلى كل المساجين السياسيين الذي لولاهم لما كتب ما كتب . يحكي عن الوفيات ، " فمع كل وفاة تتفتح هوة في العاطفة وثغرة في الذاكرة ، وبين الوفاة والأخرى تحملنا الموت إلى أخوة وأصدقاء قبرناهم أحياء لأسباب في الهوية ولتعقيدات في السياسة ولتغيرات في الزمن لا يحتملها الضمير فيستعين بملكة فقدان الذاكرة لكي لا تتعطل مكنة الحياة " . يحكي عن التسامح الذي جمع أولاد بلد واحد بحثاً عن الحرية دون تعصب ديني ، عن مدام شيش وجيلبير نقاش ، يحكي موت نور الدين خضر ورحيله متألماً بمرضه ، عن الرفاق الذين عايشوا نفس المسيرة ورفعوا بعض خلط عند الكتابة تسرب إلى ذهنه من حيث التراتب الزمني للأحداث .
وربما لأن الزمن متحول . فرواية فتحي تحمل علامات تسجيلية يقرأ أحداثها ووقائعها من الخارج, لتؤدي إلى سيرة ذاتية جماعية ، وكأن الراوي من باب الإحتشام يرفض أن يضع نفسه بمفرده محوراً للأحداث .
واليوم وبعد أن تنفس فتحي حكايته . ألم يبق القول ناقصاً , هل هو حر حقاً؟ هل كسر كل القيود الفكرية والإجتماعية والثقافية والسياسية ؟ ربما في الكتاب المقبل سيواصل المشوار بورقات أديب وفنان ، بعد أن علمه السجن فن الكتابة الصادقة .
❊ كيف كانت بدايات النضال ؟
طردت في الثانوية من معهد العلوية فذهبت إلى المعهد الصادقي ، ثم تابعت دراسة اللغة الفرنسية في الجامعة التونسية حيث حكم علي غيابياً بالإنتماء إلى منظمة غير معترف بها وهي منظمة العامل التونسي , وبتوزيع مناشير .هربت إلى باريس ودرست اللغة الفرنسية والفن المسرحي.
بقيت سنة في باريس ثم ذهبت إلى لبنان، قامت آنذاك حركة تصحيحية في العامل التونسي فحددت نقلة التنظيم ومجمل اليسار إلى الماركسية العربية . كثر عدد الطلبة في الجامعة . وبسبب سياسة تعميم التعليم . إلتحقت بالجامعة فئة جديدة من مناطق شعبية مختلفة من الجمهورية . وفي إعتقادي كان العدد المتزايد من منشأ ريفي متزامناً مع هزيمة 67 ، فتحرك الشعور على وتيرة المشرق العربي . ثم كان فشل التجربة الإشتراكية مع بن صالح .وتقهقر صورة الرئيس بورقيبة في نفوس الشباب .العديد من العوامل تظافرت فلم يعد للشباب فسحة فكرية للتعامل مع إيجابيات أو حداثة النظام البورقيبي . كان الهاجس قتل الأب ،
❊ كيف بدأت فكرة العامل التونسي ؟
العامل التونسي هي إمتداد لحركة آفاق .عند خروج الرعيل الأول لآفاق من السجن سنوات 68- 70 . أرسلوا الهاشمي بن فرج إلى باريس لإعادة وربط العلاقات ، وإحياء آفاق. في باريس أخبره بعض أصدقائه أن هناك عامل تونسي لديه جريدة يكتب فيها أشعاراً بخط اليد ويبيعها كل يوم أحد ليحث العمال على مواقف نضالية . تعرف عليه الهاشمي. هذا العامل كان عم خميس زليلة الذي كتب كلمات ( بابور زمر خش البحر) لم يكن إلى ذلك الحين لآفاق جريدة سوى آفاق بالفرنسية . بقي الهاشمي مع جريدة عم خميس يكتبون باللغة الدارجة . خاصة أن آفاق كانت تتبنى اللغة الدارجة قبال اللغة العربية . كحالة ثقافية تونسية بحتة . ورد فعل على التعصب للعروبة . وكان صالح القرمادي من رواد هذا التوجه بتأسيس شخصية تونسية أهم ركائزها اللغة الدارجة.وهكذا إنطلق صوت العامل التونسي وتتطورت الأوضاع مع الشبيبة . وقام جدل في آفاق حول الثورة ، هل هي إشتراكية أو ذات طبيعة وطنية ديمقراطية. بما أن ليس هناك فعلاً طبقة بورجوازية وطبقة عاملة حسب قيم ماركس. كان الجدل يحمل مرجعيات لاتينية أمريكية , أو عربية كنظريات سمير أمين. وبدأت القطيعة مع القدامى من إتجاه آفاق. وأرست الأمور أن حمل الإتجاه الجديد تسمية ( العامل التونسي ) الذي تبناها الرعيل الجديد . في سبتمبر 73
❊ كيف قررت كتابة الذكريات ؟
عندما بدأت بكتابة الكتاب إستنجدت بالعديد من الرفاق في محاولة لإسترجاع الذاكرة. لم تكن عندي نوايا لكتاب . بدأت بمقال بعد أن قرأت خبر يدفع للسخرية مفاده " قرار هدم السجن المدني 9 أفريل ، وتشييد السجن الجديد بالمرناقية . وفق آخر ما صدر من توصيات حقوق الإنسان. مضمون بواسطة الحافلة رقم 23 والتي تنطلق من وسط العاصمة" فلا أحد يمكن أن يؤاخذ السلط على عدم إيلائها الإهتمام اللازم لقضية مصيرية من قضايا شعبنا. ورجعت الذاكرة . ومع توارد الخواطر وجدت أنني كتبت كتاباً مع الذكريات. لكنني توجست . فمن المفروض أننا مجموعة عشنا معاً لفترة من الزمن . ولكل منا مسيرة شخصية وأخرى جماعية. ولكل أحاسيس خاصة ومختلفة. فربما لو صورت الصور لن تعكس ما يراه الرفاق الذي حملنا يوما ما مسكناً مشتركاً .كانت الكتابة مسؤولية كبيرة تجاه الآخرين رغم أن ما كتب عن هذه المرحلة كان شحيحاً . ثم خشيت أن يصيب النسيان صحة التواريخ . لم نعش التجربة في مكان واحد. كنا بين تونس والقصرين وأماكن مختلفة . كاميرا الذاكرة لا تصل إلى الأماكن البعيدة. لذلك ارسلت مخطوطي إلى العديد من الرفاق لتوريطهم بالقضية .
❊ بأحداثه يحمل الكتاب وثيقة تأريخية لفترة معينة؟
معظم الأحداث واقعية. والبقية واقعية بوضع خاص. واقع لا يمكن تحديده. لأن الخيال واقعي. مثل " مئة سنة من العزلة " واقعية رغم الخيال.
❊ كتبت الأحداث على شكل رواية؟
لا أعتبر ما كتبت رواية أو مجرد تدوين. هو نوع من البداغوجيا تشبه طريقتي في الحياة. وعلاقتي مع التلاميذ .لابد من مقومات شيقة حتى ترسخ المعلومة في الأذهان. وأصبحت طبعاً . حتى في حياتي الخاصة ألجأ إلى الأمثلة ،وهذا يسبب عوائق . يستهويك الشكل والصياغة فتبتعد عن الموضوع المطلوب. عندي إستطرادات دائماً بحثاً عن نغم الكلمة وتوريد معنى الكلمة . ذلك مايسمى بإنحراف مهني .
❊ ما تسميه إنحراف مهني سمح لنا بقراءة مذكراتك بأسلوب روائي ؟
أحب جداً الرواية، لكنني حاولت تفادي " الأدلجة " أحتاط وأرفض الإنغلاق في جنس أدبي ، فما بالك في إنغلاق سياسي .
❊ أنت أستاذ فرنسية ، فهل كانت الكتابة بالعربية إختيارًا؟
نعم كانت الكتابة باللغة العربية تعبيرا عن هاجس آخر لدي. كنت اقرأ العربية فأجدها فقراً وبؤساً موازاة للفرنسية . وطرحت على نفسي سؤالاً هل هذا الفقر ناتج عن اللغة أم عن القائمين على إستعمال اللغة . وتوصلت إلى أن المشكلة في أننا لا نستعمل اللغة كأداة تواصل وتبليغ. هي حالة تاريخ بأكمله. حكاية كاملة : نشأة وتطور، وتخلف ، وتجمد لتاريخ الذهنيات والعقليات ، وكل ما يوضع تحت عنوان " ثقافة " . وضعنا الثقافي جعل لغتنا العربية شبه محنطة, ترفض بسبب حامليها النزول من عليائها .وكأن ذلك إهانة لها ، بينما تحصل اللغات الأخرى على حياتها وحيوتها من إنفتاحها على العالم . اللغة العربية لا تتجدد فيها المفردات كل سنة كبقية اللغات. حاولت الرهان والتحدي على أن قدرة اللغة العربية الإحاطة بكل ما هو إجتماعي وشخصي وذاتي ، وشواطيء التلاعب بالقلق والشك وعدم اليقين . قرأت أن تقي الدين الصلح كتب لأندريه جيد رسالة بعد أن قرأ كتابه " الباب الضيق " قائلاً : " أعجبني كتابكم وأستسمحكم ترجمته ليكون ذو فائدة لطلبتنا" أجابه جيد برسالة معبراً عن سعادته : " لكم أن تترجموه كما شئتم . لكن لي سؤال وحيد: لمن تريدون ترجمة كتابي وهو كله حيرة وسؤالات . تريدون أن تترجموه للغة يقين ومسلمات" .
عندما أقرأ محمود درويش وأمثاله أقتنع أن للغة إمكانيات رهيبة ، وأتأثر وأتأسف للصراع بين السلفية والحداثة الذين لم يفهموا أن أحد معالم الصراع اللغة .وإذا كان المتغير لم يمتلك سلاح اللغة فهو خاسر معركته دون شك . ومع الأسف أهم مفكرينا في المغرب العربي مثل " هشام جعيط . وعبد الله العروي ، وعبد المجيد الشرفي وجل المدارس المغاربية يكتبون باللغة الفرنسية لتناول أم القضايا العربية . لكن أيضاً لولا اللغة الفرنسية لما وصلوا إلى الدرجة المهمة لفهم كبرى القضايا.
❊ أليس للموروث والمحيط العائلي تأثير على محافظتك على هذه اللغة رغم الدراسة والتعامل مع اللغة الفرنسية ؟
لا شك أن الموروث عميق . فمنذ سن الرابعة من طفولتي وفي مدرسة سيدي علي عزوز . كان المدير صديق والدي سي علي بن هادية الذي وضع " القاموس الجديد " يسمح لي الدخول إلى المكتبة فأصابني داء اللغة العربية بقساوتها ولذتها. تقابلت مع اللغة في سن مبكرة في صرامتها التي ولدت إمتلاكها. ثم والدي الجيلاني بالحاج يحيى من مؤسسي نادي الأحد الذي كان مقره في مكتبة عبد القادر الطرابلسي ، وهناك أيضاً كانت حمى الكتب واللغة.
❊ من البداية قررت كتابة الكتاب باللغة العربية ؟
لا بدأت الكتابة باللغة الفرنسية . ثم العربية فرضت نفسها . فهناك طرف ووضعيات بين الهزل والجد التي لا تلقى تعبيرها إلا بالدارجة، حتى العنوان أكثر من عشرة حاولنا ترجمته. " الحبس الكذاب " لا بد أن تقبله ككذبة مهما طال الزمن ، لا بد من النسيان . وإعتبار الأمر كابوساً ، عندما تخرج ستنسى العشرين سنة بعد شهرين . بعد أن تنسى عبء المكان والزمان . مراوغة لليأس . هناك أمل للحي يروح إذا بقي حياً . الحالات التي عشناها صارت بالعربية (العسة الإيديولوجية )
❊ هل ينسى السجين ؟ هل تخف الذكرى ؟
هناك من يسمح لنفسه أن يتحدث عن الحالة النفسية للسجين . وهناك من إستطاع أن يتجاوز ، وهناك من ردم الذكرى لكنها تطفح في حالات . أنا حاولت أن أتبناها ، وأفتخر بها . لأنني مقتنع أن السجن يثري الحياة .
❊ هل الكتاب حالة من الطفح ؟
هناك طفح في شكل ألم ، أو بكائية أو رثاء على الحال ، وهناك طفح فيه جانب توظيفي ، أردت أن أظهر ما لاحظته أثناء الكتابة, -رغم أنني مقتنع " لمن تقرأ زبورك يا داوود " - أن أضع النظام أمام إشكالية الضمير . دولة فتية في طور البناء. لا تريد أن تعترف بثمن الحرية وقيمتها. إشكالية بورقيبة الكبرى هو أننا نعترف له بما وصلت إليه تونس مقارنة للبلدان العربية الأخرى من مستويات إجتماعية وتعليمية ، لكن لا يمكن أن نتغاضى عن الوجه الآخر الذي يعتقد فيه بورقيبة أن كل الشباب هم أطفال بورقيبة . وكأنه معلم يرفض أن يتجاوزه تلاميذه بقطع النظر عن صحة أفكاره أو خطئها. نتيجة " الأنا ". لا يأخذ بعين الإعتبار أهمية أن ممارسة الحرية تعني بالدرجة الأولى حق التجربة وإمتحان الخطأ والتعرف على الحدود شخصياً دون دليل. لا بد من تكوين الذات ، التيه بكل معانيه الفكري والجغرافي هو المؤسس الوحيد للنضج.
❊ هل عبرت عما تريد حقاً التعبير عنه في هذا الكتاب ؟
عندما أكملت الكتابة لم أشعر بشعور إستيفاء الشيء ، بل فتحت أبواباً أشبه بالمتاهات " جعفرية كبيرة " . لم أتوقع تفاعل القراء مع الكتاب بهذا الشكل ، من كل أنحاء الجمهورية . الكل جعل من الكتاب كتابه . وكأنه فعل أتى للإستجابة لحالة ملحة . ". حتى من كانوا في المناصب عندما كتبوا كتبوا أحداث دارت بينهم وبورقيبة ، لكنهم لم يتطرقوا لمناطق الظل . حتى وزير الداخلية عندما كتب لم يتحدث عن موظفيه رجال البوليس والقمع .
❊ ما هو شعورك عندما تنظر إلى الماضي من خلال كتابك؟
سئل أحد شيوخ الإستفتاء في المغرب : " ما رأيك في هذا الشباب الزائغ الذي ملاً السجون " أجاب : " لا خير في شباب لا يزيغ عن الطريق في سن العشرين ",
❊ أين وصلت كل تلك المبادئ ؟
كانت السبعينات ، حرب الفيتنام، مارتن لوثر كينغ، أنجيلا دافيس، شي قيفارا، إيلول الأسود، الجبهة الشعبية ، سبقتها كتابات تنبؤية لأندريه جيد ، فوكو... الطفرة الأخيرة للحلم بإمكانية إنهاء النظام الأمبريالي الرأسمالي. كنا ضمن التناغم العالمي ، لم نكن مفردة ، وفي نفس الوقت كنا حركة اليسار الوحيدة في العالم العربي التي تعيش إشكالية لا يملكها الآخرون . فصدامهم كان دائماً دموياً . أما نحن فكنا ضد نظام حرر المرأة ونشر التعليم، همش الدين وجعل التعليم حداثياً، أبعد الجيش عن السلطة ، كان برنامجه ثورياُ ، لكن لم يكن يسمح بالمشاركة ، إستحوذ على كل شيء, وألغى الشباب .
❊ أنت تطالب مع مجموعة لبعث " جمعية للدفاع عن اللائكية " ؟
نطالب ببعث جمعية ذات صبغة ثقافية ، نفحة من الأوكسجين في وضع تونسي يهدد بالإختناق . إنطلقت من شعور لدى العديد من المواطنين من آفاق مختلفة ، جامعيين ، نساء تقدميات وغيرهم ... دفعتهم حالة قصوى عبر التحولات التي تمكنت من المجتمع : تنامي عدد المتحجبات خاصة الشابات ، تغيير الألفاظ اليومية المستعملة بداية من السلام عليكم بدل صباح الخير ، مع تأكيد صاحبها أنها التحية الأقرب والأفضل لسنة الرسول . تنامي الإعلانات عن التداوي بالقرآن الكريم ، والإستشفاء بالغيبيات. إرتفاع نسبة التوافد على الجوامع مع شعور المصلي بكونه في حالة أداء فريضة تمر مستلزمات أدائها قبل جميع الأخلاقيات المدنية، كإيقاف السيارات في أي مكان تعطل حركة المرور. هذا فضلاً عن العناوين الكبرى الأخرى كإذاعة الزيتونة وصداها ، والبنك الإسلامي ، وكأن السلسلة التي تشدنا إلى صرة الرسول قد سقطت حلقاتها في العهد البورقيبي ، أعيد اليوم إلتآمها . والأخطر من كل هذا ما يجري في مدارسنا ومعاهدنا من تراجع المقاربة العقلانية في التدريس ، والسماح للعديد من الأساتذة الذين ليسوا من الإسلاميين السياسيين بالضرورة ، لكن مجرد مواطنين عاديين يمررون أفكاراً دون وعي عن الإعجاز القرآني في العلم , ومتطلبات الأخلاقيات مستمد تعليلها من الأحاديث ومجمل المنظومة الدينية ، بحيث تصبح التربية المدنية تؤسس قواعد المواطنة إستناداً إلى أحاديث الرسول في مراعاة الجار والنظافة والحفاظ على الملك العام والبنيان المرصوص .... هذه الظواهر دفعت المطالبين بهذه الجمعية للبحث عن مقاربات جديدة يقوم عليها إشتغال الفضاء العام والإلقاء على الساحة بصوت آخر يوازي الفضائيات المنتشرة . وأجهزة الإعلام الحكومي الذي يستعمل الخطاب الديني في آفاق يريدها متسامحة ومعتدلة لكنها لا تصمد طويلاً أمام المسلمات الدينية السلفية مما يعطي في الحصيلة تشويشاً في الأذهان أكثر منه توضيحاً في النفوس . البعض يرى فينا أننا نغرد كالطير ولا من مجيب . والأمر لا يزعجني شخصياً . فإن غردنا وبلغنا فلنا أجران. وإن غردنا ولم نبلغ فلنا نشوة التغريد ولو بدون أجر.
❊ ما أهمية مثل هذه الجمعية للمواطن التونسي ؟
تعويد المواطن التونسي على الإستماع لأنغام مختلفة . لا سيما وأننا متجانسون متشابهون . فنحن لسنا فقط مسلمون، بل سنة ومالكيون . قد يكون لهذا صفة الإستقرار الديني الذي نعيشه .لكن هذا يمنعنا من الإنفتاح على الغير في ثقافتنا وتركيبتنا الذهنية .
❊ هل تفكر بكتابة كتاب آخر؟
سؤال مصيبة . في السبعينات كان لاعب في الترجي إسمه عبد القادر . جاهل جداً في لعبة كرة القدم . رغم أنه يلعب في أقدم فريق . وفي أحد الأيام وهو يلعب ضد النادي الأفريقي ، ضرب كرة من وسط الميدان " اللهم والنيات " فسجل هدفاً من أروع الأهداف . لكنه إنتهى بعد ذلك الهدف لأنه لم يعد يستطيع اللعب في حدود إمكانياته السابقة . أصبح يريد تحقيق نفس مستوى الهدف . أمنيتي أن لا أكون مثله . بعد الإقبال الذي لقيه الكتاب الأول ستكون الكتابة الثانية أصعب . هاجس الكتابة دائماً شخصي ومزاجي . وكتاباتي مزيج من السياسي والإجتماعي والذاتي وتساؤلاتي أكبر من يقيناتي بكثير . أريد أن أفكر بتأن .
❊ هل ما زال هناك مجال للحلم ؟
( ضحكة طويلة وتفكير عميق ) الحلم منذ طفولتي هو فيض من الأحلام . لم أستدعها ، هي التي تدعو نفسها . وإذا إستدعيت الحلم أجد نفسي دون شعور أكبح نفسي حتى لا يبتلعني . معادلتي في الحياة ،التغلب على أقصى حالات اليأس حتى يتولد الأمل . عندما أنظر لإبنتي والشباب من حولي أفكر أن الأمل أقرب لقلبي مما أتصور .
❊ أنت تدير مدرسة حرة ، وتتحدث عن إبنتك والأطفال والشباب ، هل فكرت في الكتابة للأطفال ؟
لو كانت عندي الكفاءة والقدرة أفضل أن أكتب للطفل قبل الكهول . لكن الكتابة للأطفال تحمل مسؤولية كبيرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.