وزير الفلاحة يدعو إلى نشر التكنولوجيا ونتائج البحث في المجال الفلاحي    الحشاني يجري محادثات مع عدد من القادة المشاركين في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع    تاجروين.. تفكيك شبكة مختصة في تهريب السيارات المؤجرة الى دولة مجاورة    رئيس الحكومة يسافر الى إيطاليا لتمثيل تونس في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع    سوسة: شركة النقل بالساحل تطلق برنامجا استثنائيا لضمان نقل المواطنين خلال فترة عيد الاضحى    فتح 76 مكتب بريد بصفة استثنائية يوم السبت 15 جوان 2024    منوبة: اقبال على نقطة بيع الأضاحي بالميزان    بمناسبة عطلة عيد الأضحى .. وزارة الدّاخلية ومرصد سلامة المرور يقدّمان توصيات لمستعملي الطّريق    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه في أريانة    الرابطة 1 : التعادل يحسم الدربي الصغير بين الملعب التونسي والنادي الافريقي    سوق الانتقالات: النصر السعودي لم يحسم بعد في مستقبل النجم السنغالي ساديو ماني    الاتحاد الآسيوي يعلن انطلاق النسخة الأولى لبطولة رابطة أبطال آسيا لكرة القدم النسائية في أوت المقبل    المصالح العليا لتونس والتمسك بالسيادة الوطنية وتيسير عودة التونسيين بالخارج، ابرز محاور لقاء رئيس الجمهورية بوزير الخارجية    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    قفصة : تواصل أشغال تهيئة وتجديد قاعة السينما والعروض بالمركب الثقافي ابن منظور    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    يوم عرفة .. فضائله وأعماله    جلسة عمل على هامش منتدى الاستثمار تبحث سبل تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال الأدوية    المصادقة على الدراسات الأولية لمشروع إعادة تهيئة المسبح الأولمبي بالمنزه    الرابطة الأولى.. نتائج مباريات الجولة الاخيرة "بلاي آوت" والترتيب    الليلة.. الحرارة تصل إلى 29 درجة    تونس : عقود عمل وهمية للسفر نحو دول أجنبية    رسميا: فوزي البنزرتي مدربا جديدا للنسور.. وبشرى سارة لفرق النزول    انس جابر تتأهل الى ربع نهائي بطولة نوتنغهام للتنس    في قضية تضارب مصالح: سجن وزير أملاك الدولة الأسبق 6 أشهر مع اسعافه بتأجيل التنفيذ    الصحة السعودية تدعو الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    عاجل/ وزيرة العدل تصدر قرارات هامة..    إلغاء تأشيرة الدخول إلى تونس لحاملي جوازات السفر العراقية والإيرانية    وزير الشّؤون الدّينية يتفقّد جاهزية المخيّمات التي ستستقبل الحجيج بعرفات ومنى    خطير/ مكملات غذائية وأقراص منشّطة مجهولة المصدر تُباع داخل قاعات الرياضة!!    تسليم مفاتيح 178 مسكنا اجتماعيا بهذه الجهة    ر.م.ع "تونيسار" يكشف موعد إطلاق خط مباشر بين تونس والصين    قضية '' مفقودي جرجيس'' : أحكاما بالسجن تتراوح بين 4 و10 سنوات مع النفاذ العاجل    هيثم صفر: "لجنة إعداد مشروع قانون النظام الداخلي أنهت كافة أعمالها"    المجاعة في غزة: إرتفاع عدد الضحايا الى 40 شهيدا    ميلوني في قمة السّبع: "إفريقيا قارة أسيء فهمها وتم استغلالها طويلا"    احتراق 61 هكتارا من الحبوب في هذه الولاية    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    وزيرة التربية…هذا ما ينتظر المتلبسين بالغش في امتحان الباكلوريا    اعتمادات ب 6 مليار دينار لتأهيل جديد لقطاع النسيج    عيد الاضحى : هؤلاء ممنوعون من أكل اللحوم    استثمارات ب 1.6 مليار دينار.. الطريق تفتح أمام مشروع طاقي تاريخي    الشركة الجهوية للنقل بنابل تتسلم 4 حافلات رفاهة جديدة    يوم التروية.. حجاج بيت الله يتوافدون على مشعر منى    الجزائر: مُسنّة تسعينية تجتاز البكالوريا    البنك الإفريقي للتنمية يمنح تونس قرضا بقيمة 53 مليون دينار: التفاصيل    تصل إلى 72 درجة.. الصحة السعودية تحذر الحجاج من خطر ارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    بعد أكثر من 20 ساعة: السيطرة على حريق مصفاة نفط في شمال العراق    تكليف ربيعة بالفقيرة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    كرة اليد.. لؤي مخلوف يطلق النار على مسؤولي النجم ويوجه لهم اتهامات خطيرة    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى فتحي بلحاج يحيى بمناسبة صدور كتابه عن اليسار التونسي في الزمن البورقيبي
نشر في الصباح يوم 02 - 05 - 2009

لقد سبق أن قرأت لك عام 1980 ونحن بجناحH من المغفور له حبس 9 أفريل قصيدة نثريّة كتبتها للمنشّط الثقافي والاعلامي فرج شوشان بعد أن شاهدنا له حوارا تلفزيا مع نزار قبّاني...
ونهارها، أو ليلتها- أنت تعلم أنّ النّهار والليل في الزمن السّجني كثيرا ما يستويان- يومها أدركت أنّك كاتب كاتب.
وخلال السنوات الاخيرة قرأت لك مقالات نشرت بعضها هنا وهنالك أو خصصتني مع بعض آخرين بأن أطلعتني عليها وإن لم تنشر، فازددت اقتناعا بأنّك كاتب-كاتب، بل ومبدع يقدر على الجمع بين طرافة الفكرة وشذى العبارة ورشاقة الهيكل.
وددت لو نشرت أوّلا عن مواضيع كشمس الغروب التي اقتحمتها بسيّارتك ونحن جذلون بعمل أنجزناه وبحر أنعم علينا. أو كالشرطيّ الذي جادلنا ذات فجر عن عبثية الوجود وعن الموت والنّضال وأشياء كثيرة لمجرّد أنّه اِقتنع أنّنا أناس من طينة أخرى وصحّ عنده أنّك إنّما اخترقت حواجزه لا تجاهلا ولا تحدّيا ولا هروبا بل لانّ سعيك وراء فكرة أفقدك رؤية الاشياء أمامك. أو عن بعض حبيباتك، الكثير. أو عن اللحظة التي التقيت فيها ب"داداك ديجة" وثبت لديك أنّ "المنزل الجربيّ" الذي ندخله بعد طول طواف في "الجوادّي" (المسالك الترابية) هو فعلا منزل أجدادك ومسقط رأس أبيك.. أو عن الشمس التي اكتوينا بها في أطراف مدنين والبئر الاحمر وسيدي مخلوف ذات صائفة اِستثنائية القيظ ونحن نعاين فقر أسر الارياف وننسج من خيوط العنكبوت برامج تنمية لها. أو عن الجليل عبد الحفيظ الشابيّ الذي شغّلني وقبل أن تنضمّوا إليّ، أنت ولفيف من الرفاق الخارجين لتوّهم من الديجور، هم أيضا، في زمن عزّ فيه من يشغّلنا. أو عن الضّحك: ضحك نور الدّين بن خضر، في نومه وفي يقظته، ونوادر أبيك. أو عن باريس ما قبل... وما بعد.. ولكنّ للكتابة مكرها. وللابداع، ولا شكّ، حكمته.
قرأت كتابك ليلة توقيعك لنسخه الاولى... وبشغف. رغم أنّني كنت قرأت أغلبه مخطوطا.
ورغم أن كتابك يفوح حبسا، ومعاناة، وعذابا، فإنّني وجدت فيه كثيرا ممّا كنت أشتهي أن تكتب فيه... وجدت عاطفة. ووجدت هندا. إنصاف الوالدين ؛ والوفاء الذي أعرفه فيك ؛ وحبّا خالصا وعنيفا ومستمرّا عشته بين ما عشته وتعيشه من قصص حبّ وعلاقات عشق لا تنتهي ؛ وتقديسك التعدَّدَ والتنوّع.. في كلّ شيء. ووجدت شيئا من المرح الذي يغلب على روحك والهزل الذي تتقنه. كما وجدتُك تنحو، من حين لاخر، نحو الجدل والحجاج والتفلسف...
كتابك، يا فتحي، أكّد لي أنّك كاتب-كاتب. وأنّك على أيّ حال كاتب ولو بلا ورقات يسار، ودون أن تكون مررت على سراط النّضال والعناد.
لكنّني، يا فتحي، وجدتك-في بعض ثنايا كتابك- تكبح جماحك وتحدّ من اندفاعك وتغالب حياءك فيغلبك... ومن ذلك أنّني رأيتك تكاد تبرّر ما لا يمكن ولا يجب تبريره، وتجد الاعذار لمن لا تعوزهم الاعذار ولا يحتاجون أعذارك بل ولا يستأهلونها.
كما أنّني أحسست أحيانا أنّك، لحيائك، حبّرت بعض الامور على نحو قد ينقاد معه بعض القراء إلى متاهة تخيّل لهم أنّ ما عشته- ما عشناه كان نزهة أو "خرجة سافاري" مخطّطة مسبقا ومحسوبة العواقب... صحيح أنّ عنادك عِنادَنا وشاعريتنا الصّرفة قد سهّلا لنا عبور الدّيجور بأقلّ الخسائر... لكنّ الدّيجور كان وما يزال بآثاره التي لا تندمل ديجورا، كما كانت الجراح جراحا غائرة وبعضها لم ولن يندمل، وكانت العذابات عذابات ليس لنا نحن فحسب، أو حتّى أوّلا، بل لاهلنا وللاحبّة جميعا ولجيل كامل.
أمّا الظلم فكان جورا كثيف الطبقات متراصّها، جورا لا يبرّر ولا يفسّر ولا يغتفر.. جورا تعدّى أثره ضحاياه المباشرين وشلّ بعسفه وظلمائه أفئدة وأحلام أجيال كاملة ومقدّرات البلد.
فتحي! يعجبني سموّ روحك، وجلدُكَ، وأخلاقك السّمحة، وتبرّعك بصكّ الغفران لمن لم يطلبوه، وإمالتك بصرك نحو المُشرِق والوضّاءِ والورديّ... لكن ألا ترى معي أنّ الدّم يحتاج هو أيضا لونَه؟ وأنّ ما مَرَّ من العمر عصفًا وعسفا وما انطبع في الصّميم مُكَبِّلا للاتي يستأهل هو أيضا أن نصفه بدقّة ونذكره بتفصيل أمين، وأن يُعلن فاعلوه، أو ورثة فاعليه، أنّه كان أوعى من هفوة، وأقسى من محْنة عابرة، وأوسع من خيار فاعل أوحد، وأظلم من حقد لا إداري، إداريّ، وأغلظ من ضربات عصا خزعبلات خريف عمر؟
رفيقي، أخي، صديقي !
وجدتَ كثيرا منك في ما كتبتَ... ولكنّني حرتُ أحيانا أمام ما لن أسّميه كما فعلت أنت ضعفَ ذاكرة بل توقَا إلى النّسيان والتّجاوز. كما غضبت أحيانا وكلّما خُيّلَ إليّ أنّك تتعمّد ما قد يبدو جَلْدًا للذّات أو تقزيما لمعاناتها ولتَوْقِها وأنّك بقدر ما تتسامح معهم وتتساهل تتناسى شيئا من تفاصيل بعض من تحدّينا واندفاعنا ولو كان متهوّرا وبعضٍ من أفعالنا التي هي بطولات حقيقية وإن كانت بلا مستقبل... كما أحزنني أن تدفعك شدّة تواضعك حتّى لان "تصغّر" الاحرف التي خطّ بها عنوان الكتاب واسمك على الغلاف.
رفيقي، أخي، صديقي: فتحي !
أكتفي، بهذا تحيّة على طريقتنا. مع تأكيدي أنّني لو كتبت عمّا كتبت عنه سألوم نفسي، دون شكّ، عن مثل ما لمتك عنه. وأنا آمل أن لا أعاتبك ذات يوم (قريب) لانّك لم تعاود. بل إنّني على يقين أنّك ستعاود. فأنت كاتب - كاتب. ولست مجرّد مدوّن شهادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.