كان من المفروض أن يحل الكاتب الكبير رشيد بوجدرة ضيف شرف على الدورة الأخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب التي اختتمت يوم الأحد 3 ماي وفي الوقت الذي كان من المفروض أن يكون فيه جمهور القراء في تونس على موعد مع رشيد بوجدرة مساء الجمعة الماضي ضمن مجموعة الأنشطة الثقافية التي أقيمت في إطار معرض الكتاب تعذر اللقاء لأسباب عائلية تخص الكاتب وفق ما أكد لنا السيد بوبكر بن فرج مدير معرض تونس الدولي للكتاب. وإن كانت إدارة معرض تونس الدولي للكتاب حاولت اقتراح مادة ثقافية متنوعة تتوجه لمختلف شرائح القراء والمهتمين من خلال استضافة أسماء لكتاب ومؤلفين من تونس. وأوروبا وروسيا وغيرها فإن غياب رشيد بوجدرة لم يمرّ دون أن يترك بعض الأسف لمن كان يعول على الفرصة التي أتاحتها إدراة معرض تونس الدولي للكتاب للإلتقاء بكاتب في حجم رشيد بوجدرة. كان الحفل سيكتمل بحضور هذا الكاتب وكانت الدورة الأخيرة للمعرض ستكون أكثر استجابة لانتظارات جمهور القراء خاصة وأن لرشيد بوجدرة جمهورا كبيرا من القراء في تونس. اللغة تحدّ ومواقف قبل أن تكون وعاء ووسيلة ولعله يجدر التذكير أنه يصعب أن يكون في تونس من بين المهتمين بتجارب الكتاب المغاربة خاصة من يستعملون اللسان الفرنسي أن لا يكون قد قرأ مثلا رواية " التطليق " التي كتبها بوجدرة في بداية مغامرته الأدبية منذ الستينات وكانت قد لاقت ردود أفعال قوية قذفت بالكاتب مباشرة إلى مصاف مشاهير المبدعين في المنطقة المغاربية والذين تجاوز صيتهم حدود منطقة المغرب العربي ليصل إلى المنطقة العربية وأوروبا. لكن رشيد بوجدرة ليس ذلك المبدع الذي يتكئ على تجربة وحيدة ناجحة ليقتات عليها باقي عمره. هو كاتب غزير الإنتاج وإنسان صاحب مواقف وبعد نظر. هو كاتب جزائري من هؤلاء الذين نبغوا من خلال التوغل في الواقع , منه يقدّون نصوصهم ومنه يؤسسون لتجارب ابداعية متميزة على غرار كاتب ياسين صاحب "نجمة" الشهيرة المشهود له بمتانة الأسلوب وجودة المضامين. رشيد بوجدرة أفضل ما يحبذه فيه قرّاءه أنه كاتب حرّ لا يولي اهتماما كبيرا لما يمكن أن ينجر عنه من إغضاب لهذا الطرف أو عدم رضا الطرف الآخر. ولد رشيد بوجدرة في بداية الأربعينات من القرن الماضي وهو بالتالي من الجيل الذي شهد المراحل الأخيرة من الإحتلال الفرنسي أو تلك المرحلة السوداوية المعروفة في تاريخ بلاده. لا يكتب رشيد بوجدرة فقط باللغة العربية ولا يكتفي باللغة الفرنسية وهو ما يجعله متأرجحا دائما بين جمهور القراء باللسان العربي وجمهور القراء باللسان الفرنسي حتى وإن كنا نعلم أن القراء المغاربة خاصة من تونس والمغرب والجزائر لا يجدون عادة صعوبة في استعمال اللغتين. لكن اللغة عند رشيد بوجدرة ليست مجرد أداة للتعبير. إنها وسيلته للتعبير عن موقف محدد. معروف عنه أنه كلما ضاقت به السبل إلا وتخلى عن هذه اللغة ليستعمل الأخرى. يكتب بالعربية فإذا به يصطدم بجدار الموانع فيحول الوجهة إلى الفرنسية. لكن القراء الفرنسيين يريدون منه أن تكون كتاباته تلك المرآة التي تعكس انتظارتهم من كاتب جزائري. وغالبا ما ينتفض ضد دور النشر الفرنسية التي تكبله بتلك الصورة المسبقة التي لا ينبغي للكاتب المغاربي إذا أراد الرواج عند القارئ الفرنسي أن يخرج من إطارها. الحرية قبل الطموح والتتويج لكن بوجدرة ليس من هؤلاء الذين يضعون الشهرة والطموح قبل الحرية. وهو ما جعل القارئ الذي يبحث عن المبدع الصادق والأصيل يتمسك به. لا يعترف الكاتب كثيرا بالموانع الأمر الذي قد لا يجعله يجد الحفاوة عند الجميع وعندما يصطدم بالموانع التي تسلطها البيئة المحلية يتخلى عن العربية. لكن العربية وكما سبق وذكرنا تمارس سحرها على الكاتب إذ نقرأ في مختلف المواقع المهتمة بتجربة بوجدرة على الواب عن إصرار الكاتب على العودة إلى العربية بعد أن يتحرر من عقوده مع دور النشر الفرنسية. علمنا كذلك أن بوجدرة حاز مؤخرا على تكريمه الأول في بلده الجزائر. تكريم جاء متأخرا بعض الشيء ولكنه يبقى مهمّا أن ينال الكاتب الشرعية من بلده حتى ولوجاءت بعد عشرات الروايات وعقود من العمل في حقل الكتابة شعرا ونثرا. ومعروف أن بوجدرة كاتب لا تلجمه السياسة وهو ذلك الذي يملك الموهبة الكافية لتعرية الحقيقة. لا تنقصه اللغة ولا الأسلوب الذي يكون في كثير من الأحيان كاللحم النيئ عصيّا على المضغ. لكن تلك هي عبقرية رشيد بوجدرة. لا يتردد في غرس سكينه في الجرح. ولا يتردد في القذف في وجه القارئ بتلك المفردات التي قد نستحيي أحيانا من ذكرها لكنه يبقى ذلك الكاتب الذي لا يتطفل على الإبداع ولا هو بذلك المتكلف ولا بذلك الفقير للقدرة على الوصف والتحليل. قدرته على التبليغ لا تضاهيها سوى طاقته على الإنتاج ومن أبرز رواياته نذكر "الحلزون العنيد" و"ضربة جزاء" و"ألف عام وعام من الحنين" و"العسس" وغيرها كثير. كان سيكون اللقاء حارا بين بوجدرة وجمهور الدورة الأخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب حيث كان السؤال ملحا بالمناسبة وقد كان الحائز على النسخة الأخيرة من "جائزة غونكور" ضيفا مبجلا بمعرض الكتاب لماذا تتجاهل هيئات الجوائز الكبرى بفرنسا مثلا على غرار "غونكور" أو رينودو" لماذا تتجاهل رشيد بوجدرة وهو الذي يملك بدل الرواية بالفرنسية التي تستحق الجائزة وأكثر يملك بدل الرواية الوحيدة روايات وروايات.