لعلكم تتذكرون حكاية "العم عزيز" التي نشرت «الصباح» سابقا بعض تفاصيلها وتتمثل في أنه تمكن من استرجاع بصره بعد ثمانين سنة كاملة على يد طبيبة تونسية، وقد اعترضتنا صدفة حالة أخرى مماثلة عاشتها امرأة من جهة قرقنة اسمها نورية القاشوري التي فقدت بصرها إبان الحرب العالمية الثانية، وها هي "العمة نورية" تروي لنا حكايتها، قالت: «لقد فقدت البصر من عيني اليمنى منذ نعومة أظافري ولم يتبق لي الا شيء يسير منه في عيني اليسرى، واستمر الوضع على تلك الحال الى أن أدركتنا الحرب العالمية الثانية وما رافقها من مآس وآلام وامراض، حيث انتهى بي الأمر الى فقدان نعمة البصر من عيني اليسرى أيضا..». وواصلت تقول: «لم يكن باليد حيلة حيث لم يكن يوجد أطباء ولا أدوية ولا أي نوع من العناية الصحية خاصة في مسقط رأسي قرقنة التي كانت في شبه عزلة عن العالم، فسلمت أمري لله وظللت اعتمد على أمي التي عانت في سبيل أن توفر لي القدر الأدنى من العناية، فكانت هي التي ترعى شؤوني العامة والشخصية بكل تفاصيلها..». مساعدات قالت "العمّة نورية": «لما أحسست بأن أمي تعبت من أجلي الى حد لا يطاق، فكرت في ايجاد مخرج ما لهذه الوضعية، فتوكلت على الله وشددت الرحال الى صفاقس حيث اتصلت باتحاد المكفوفين الذي قدم لي فعلا مساعدات مادية ومعنوية وأصبحت من يومها اعتمد في تنقلاتي على العصا البيضاء، التي أصبحت بمرور الأيام كظلي تماما لا أستطيع أن أفارقها لحظة واحدة.. وتبدلت لديّ بعض العادات وأصبح للحياة معنى وصرت أعوّل على نفسي أكثر فأكثر، وتخلصت شيئا فشيئا من الاعتماد على الغير، حتى أني انتقلت في الأثناء الى مدن أخرى وكذلك الى العاصمة بحثا عن دواء قد يساعدني على عودة البصر لعيني اليسرى، وترددت على أطباء كثيرين هنا وهناك ولكن دون جدوى..». نعمة البصر من جديد وواصلت حكايتها قائلة: «لقد شاءت الأقدار وأنا في صفاقس أن التقي صدفة بعض المعارف الذين تذكروا حكاية "العم عزيز" الذي استرجع بصره بعد ثمانين عاما على يدي طبيبة تعمل في المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة، فنصحوني بأن أفعل مثله، لعل الفرج يأتي، فلم أضيع الفرصة واتصلت بهذه الطبيبة التي تبنت مشكلتي وفتحت لي ملفا وقامت بالاجراءات اللازمة من تحاليل وفحوصات وصور بالأشعة ثم أجرت لي عملية دقيقة جدا.. وكم كان الأمر مدهشا عندما رفعت الطبيبة الضمادة عن عيني اليسرى فاذا بي أرى كل شيء من حولي وكدت لا أصدق نفسي ازاء هذه الوضعية الجديدة التي أخرجتني بفضل الله وعنايته من الظلام ومن العتمة الى النور..». «لقد ولدت من جديد، ورغم اني اقترب من السبعين فاني أحس كأنني أصبحت بقدرة قادر في ريعان الشباب، أفكر فيما يفكرون وأحلم بما يحلمون وقد تخليت تماما عن عصاي البيضاء وانطلقت في رحلات شتى الى أي وجهة أريد شمالا وجنوبا.. لقد قالت لي الدكتورة بن زينب التي أشرفت على هذه العملية بأنها قد زرعت لي قرنية وعدسة وما يتبع ذلك من فحوصات وعلاج..». العبرة «إن ما حصل لي وما حصل للعم عزيز قبلي يشكل عبرة لكل من يعتبر، حيث اني أدعو كل من هم في حالتي ألا ييأسوا من رحمة الله وكل شيء ممكن، خصوصا في عصرنا هذا الذي تقدم فيه الطب أشواطا كبيرة وخاصة في بلادنا التي أصبحت تزخر بالامكانيات الصحية وبالأطباء الأكفاء الذين يجب أن نفتخر بهم.