انطلقت رسميا الاحتفالات بمائوية المسرح التونسي هذه التظاهرة الثقافية الكبرى التي تحتفي بالحركة المسرحية في بلادنا باعتبارها واحدة من أعرق التجارب المسرحية المغاربية والعربية. واذ يحق طبعا لأهل الفن الرابع من مسرحيين وممثلين وكتّاب وكذلك لعشاق الفرجة المسرحية ان يحتفلوا بمرور مائة عام كاملة على ظهور أول عرض مسرحي تونسي باعتباره حدثا ثقافيا وطنيا هاما ومحطة مفصلية في تاريخ ومسيرة الحركة الثقافية والفنية والابداعية المعاصرة في تونس فان واجب الوفاء لجهود وتضحيات الروّاد من جهة وكذلك ضرورة تعهّد لا فقط مراكمات المُنجَز (بفتح الجيم) الابداعي الوطني في مجال الفن الرابع وانما أيضا مختلف ملامح ومكوّنات ومستجدّات المشهد المسرحي راهنا بالمتابعة اليقظة والواقعية والمسؤولة من جهة أخرى تقتضي تجاوز أحادية المنطق الاحتفالي الساذج في التعاطي مع الحدث ومقاربته بقدر من الموضوعية أيضا من أجل مستقبل أفضل للفن الرابع في تونس. طبعا، نحن لا نروم بأي حال من الأحوال «التشويش» على الاحتفالات بمائوية المسرح التونسي ولا أيضا «التنغيص» على المحتفلين عندما نسجّل هنا أن واقع الحركة المسرحية اليوم وعلى الرغم من كل وسائل الدعم المادية والمعنوية السخية التي توفّرت للمسرحيين (أفرادا ومجموعات) لا يبدو مُشرقا بالكامل على الأقل قياسا بما كان عليه في ثمانينات القرن الماضي (20) وهي الفترة التي اصطلح على تسميتها ب«ربيع المسرح التونسي».. ونحن عندما نُسجّل هذه «الحقيقة» فاننا لا نُقدمها على أنها «اكتشاف» من عندنا وانما هي معطى سلمت به تقريبا كل مكونات الساحة المسرحية وأطرافها بما فيها سلطة الاشراف ذاتها (وزارة الثقافة والمحافظة على التراث) التي أطلقت للغرض استشارة وطنية موسّعة حول المسرح.. ولعل من بين علامات مشهد الأزمة التي تردّت فيه الحركة المسرحية اليوم هو ذلك التكاثر المنفلت وغير الصحي لمجموعات وأحيانا ل«شركات انتاج مسرحي» خاصة «أغرقَتْ» الساحة بمسرحيات هي أقرب الى «العبث المسرحي» منها للعرض المسرحي.. فكم من عرض مسرحي وجَد أصحابه أنفسهم في «التسلّل» نتيجة غياب الجمهور. مسرحيات بعضها من نوع «الوان مان شو» (الممثل الوحيد) لا تتوفر احيانا ولا على الحد الأدنى من مكوّنات العرض الفني.. ولكن الغريب هنا ان مثل هذه الانتاجات «المسرحية» والمجموعات التي تقف وراءها نجدها تتمتع اداريا بوسائل الدعم المالي التي توفّرها سلطة الاشراف متساوية في ذلك مع أي مجموعة مسرحية أخرى حتى ولو كانت مجموعة «فاميليا» للفاضل الجعايبي مثلا او «التياترو» لتوفيق الجبالي او مجموعة «مسرح الارض» لنور الدين الورغي. على هذه الصفحة من جريدة «الصباح» سبق ان حاورنا بعض رموز الحركة المسرحية راهنا من أمثال محمد ادريس والمنصف السويسي ونور الدين الورغي وتوفيق الجبالي وقد أجمعوا كلهم على ان مبدأ عدم الفرز الذي تعتمده سلطة الاشراف في مسألة الدعم المالي للمجموعات الناشطة على الساحة المسرحية ووضع الجميع في «سلّة واحدة» بدعوى ديمقراطية الدعم هو الذي جعل المشهد المسرحي يضعف فنيا وابداعيا ويختلط فيه الحابل بالنابل. نعود ونقول أننا لا نُريد من خلال هذه الورقة لا أن ننغّص على المسرحيين احتفالاتهم بمائوية المسرح ولا أن ننكر على المبدعين المسرحيين خاصة من أولئك المحترفين الكبار ومن أمثال محمد ادريس والفاضل الجعايبي والمنصف السويسي دورهم في جعل الحركة المسرحية التونسية تبدو اليوم في بعض جوانبها كواحدة من أكثر الحركات المسرحية العربية تقدما ونبوغا وانما نريد أن نقول أنه يبقى مطلوبا ونحن تحتفل بمائوية المسرح التونسي أن ننظر أيضا بواقعية في بعض سلبيات المشهد المسرحي راهنا وذلك من أجل التجاوز والاصلاح.. لا غير.