تونس الصباح: يحيي اليوم المسرحيون في تونس مع نظرائهم في كافة اقطار العالم تظاهرة اليوم العالمي للمسرح وذلك كتعبير منهم عن تأكيد انتماؤهم العضوي للحركة المسرحية العالمية وانهم جزأ لا يتجزء من هذه الحركة اعتبارا لكونية هذا الفن الانساني العريق الضارب في اعماق تاريخ الانسان وحضارته في هذا الكون. وما من شك في انه بقدرما يحق للمسرحيين في تونس ان يحتفلوا باليوم العالمي للمسرح وحتى ان يباهوا ربما بننجَز (بفتح الجيم) الحركة المسرحية التونسية عبر مختلف مراحل تاريخها فانه يتعين عليهم بالمقابل ان يتخذوا من اليوم العالمي للمسرح مناسبة سنوية لا فقط لاقامة الاحتفالات وتلاوة البيانات وتكثيف العروض وانما ايضا للنظر في «حال» الحركة المسرحية راهنا وفي طبيعة مسارها وما اذا كانت هذه الحركة تسير قدما باتجاه التطوير والثراء والتنوع الابداعي أم هي تقهقر ربما وتضعف وتفقد بعض اسباب مناعتها ومقومات وجودها!!! بين اليوم العالمي للمسرح ومائوية المسرح التونسي ولعل في تزامن احياء اليوم العالمي للمسرح هذه السنة بالذات مع الاحتفالات بمائوية المسرح التونسي التي ستنطلق رسميا بتاريخ 26 ماي القادم ما يدعو الى ان تكون بعض اسئلة الاسرة المسرحية التونسية (نقّاد ومبدعون واحبّاء للفن الرابع) بالمناسبة اكثر عمقا وجرأة وجدوى.. بعيدا عن منطق الاحتفالية الساذج والعابر. فكيف يبدو المشهد المسرحي التونسي راهنا هيكليا وابداعيا ؟ وهل أن الحركة المسرحية في تونس لازالت تسير قدما باتجاه الثراء والتنوّع ابداعيا وجماليا ام ان بعض الوهن قد اعترى بالفعل مسيرتها اما بفعل بعض الاختيارات الهيكلية مثل قرار الغاء الفرق المسرحية الجهوية واستبدالها بمجموعة مراكز للفنون الدرامية ببعض الولايات او بفعل ضمور دور مسرح الهواية والمسرح المدرسي والجامعي عما كانت عليه في اثراء المشهد المسرحي بالمواهب والكفاءات.. طبعا، مثل هذه الاسئلة وغيرها قد تساعد على ضبط ملامح المشهد المسرحي التونسي راهنا وتحديد نصيبه من الحيوية والثراء والتنوع والنبوغ ولكن هذا لا يمنع ولا يجب أن يحول دون الوقوف عند المستوى الفني والجمالي الضحل لغالبية الانتاجات المسرحية التي حفل بها المشهد المسرحي على امتداد السنوات العشر الاخيرة خاصة وهي انتاجات تعود في مجملها الى «شركات» انتاج مسرحي خاصة نبتت كالطفيليات في حديقة المشهد المسرحي التونسي وكادت تتحول به (المشهد المسرحي) من حقب ابداع وتجريب وتجديد ونبوغ مثلما كان عليه الحال في ثمانينات القرن المنقضي الى مجال للاسترزاق والانتفاع التجاري الرخيص من فن الكوميديا من جهة ومن آليات الدعم المالي الذي توفره سلطة الاشراف من جهة اخرى . نحن لا نريد من خلال هذه الورقة ان نتحامل على مجهود اجيال من الرواد والمسرحيين التونسيين خدموا عبر مراحل مختلفة من تاريخ المسرح في تونس الحركة المسرحية وراكموا من خلالها تجارب وابداعات صنعت «ربيع المسرح التونسي» في فترة من الفترات. كما لا نريد ايضا ان نخلط الحابل بالنابل ونغضّ البصر عن مجهودات ابداعية جبّارة لا تزال بعض الفرق والمجموعات المسرحية المحترفة مثل مجموعة «التياترو» و«فاميليا» و«مسرح الارض» و«الحمراء».. فضلا عن مؤسسة المسرح الوطني التونسي تبذلها من اجل الارتقاء بواقع الابداع المسرحي في تونس.. ولكن كل ما نريد هو الاشارة خاصة الى ضرورة ان تنتبه جميع الاطراف القائمة على شأن الحركة المسرحية الى ذلك الفراغ الهيكلي والابداعي الكبير الذي تركه قرار حل الفرق المسرحية الجهوية وتعويضها بمراكز للفنون الدرامية ببعض الولايات فهل يمكن ونحن نحتفل باليوم العالمي للمسرح وبمائوية المسرح التونسي ان نأمل مثلا في قرار شجاع من سلطة الاشراف يتم بمقتضاه الاذن بالنظر بتجرد في «حصاد» تجربة حل الفرق المسرحية الجهوية وتعويضها بمراكز للفنون الدرامية ببعض الولايات ومدى انعكاسها على واقع تقهقر الابداع المسرحي جهويا ووطنيا.. الفرصة تبدو متاحة فعلا، خاصة وان على رأس وزارة الثقافة شخصية ثقافية تدرك جيدا الدور الكبير الذي لعبته تاريخيا الفرق المسرحية الجهوية في اثراء وتطوير المسرح التونسي.