تونس - الصّباح: صوت منبّه السيارة، تزاحم خفيف في وسائل النقل، ضجيج خفيف في بيت الجيران... هي مسائل تحدث طيلة العام لكنها هذه الأيام تثير مشاكل عديدة في سرعة البرق بل هي كالنار عندما تقترب من البارود وإذا كان الطب العربي القديم قد أثبت ما يسمى ب«حمى الذبول» التي تنجر عن ارتفاع الحرارة وتتسبب في الهم والتعب فإن الوضع اليوم في الشارع التونسي يؤكد ما توصل إليه الطب قديما من تأثير الصيف على نفسية الإنسان. ينزل من سيارته ويغلق الطريق حتى لا يمر أحد ليبدي غضبه من منبه السيارات التي تليه. مشهد يتكرر عشرات المرات يوميا على طرقاتنا وتزداد حدته صيفا. ليس هذا هو السلوك الانفعالي الوحيد بل هو جزء من عدة مشاهد نراها كل يوم في حياتنا. ويقول السيد محسن حسان وهو مختص في علم النفس أن «الانسان عموما وليس التونسي فقط يتأثر بالزمن أو الفصول خاصة الشخصيات الاكتئابية التي تتأثر ببعض الفصول كالخريف الذي يساهم في مضاعفة الاكتئاب». ولعل التراث والفن العربي أيضا يؤكد هذا التأثر من خلال الاحتفال بفصل الربيع خاصة الذي نشهد فيه أنفس الشعراء ارتياحا كبيرا. ويؤكد الأزهر السعيدي وهو موظف بأن «فصل الصيف يذكره بالروائح خاصة في وسائل النقل مما يثير غضبه كثيرا» إذ أن الاكتظاظ الكثيف والحرارة تخلفان روائح كريهة مما يوتر العلاقة بين الركاب فعند الصعود الى وسيلة النقل تلاحظ نظرات حادة متبادلة وكأنها نظرات اتهام بذنب ولسان حال كل واحد يقول «انها رائحتك أنت؟!» ويؤكد مختصو علم النفس أن الحرارة تؤثر في الجهاز العصبي بل وثبت أيضا أون ارتفاع الحرارة يؤثر حتى على العقل مما يخلف حسب السيد محسن حسان «اضطرابات تصل الى أقصى درجاتها وهي ما يسمى بحالة الانفعال، وهو ما توافقه السيدة نادية ربة بيت التي تقول «أصبحت قلقة من النرفزة التي أصبحت تميز زوجي عند عودته من العمل منذ دخول فصل الصيف. ولا تتوقف انعكاسات الحالة النفسية للإنسان في الصيف عند ذلك بل أصبحت تتسبب في حوادث إذ تشير احصاءات المرصد الوطني للإحصاء أن نسبة الحوادث في الصيف ترتفع في الساعات التي تكون فيها درجة الحرارة عالية أي بين الحادية عشرة والثالثة بعد الزوال، وحسب السيد محسن حسان فان «العلاقة مع الذات تصبح هشة باعتبار أن رائحة العرق تقلق الإنسان فيكره حتى جسده فما بالك برائحة الآخر وذلك سبب هشاشة العلاقة مع الآخر أيضا وهو سبب المشاكل اليومية. انعكاسات أخرى يقول نبيل «عند تعطل المكيف في الادارة وارتفاع الحرارة فيه لا أستطيع التركيز وأنفعل مما يسبب مشاكل مع مريدي مكتبي لذلك أحاول الخروج من المكتب بأسرع وقت» وهو ما يدعمه زميله رابح الذي يشدد «زيادة على ذلك فإني لا أستطيع الحراك في الصيف» وهو ما يعتبره الطب النفسي «بمشكل ارتباط نشاط الانسان بالجو البارد وارتباط الكسل بفعل الصيف»، لذلك فإن العمل صيفا يتعطل ويصبح الموظف غير مؤهل لأداء واجبه على أكمل وجه فتتكدس الوثائق وتتعطل الكثير من الأمور، حتى في البيوت . تقول السيدة نادية بأنها «تحب عادة الطبخ وتنويع الأطباق لكنها تفقد هذه الرغبة في فصل الصيف وتميل أكثر الى إعداد وجبات سريعة وخفيفة». يتعجب طارق «من الغضب الشديد والانفعال الذي يميز الكثيرين هذه الأيام ويتساءل إذا ما كانت ستتطور هذه الحالات في رمضان؟!». ومن المعروف أن التونسي معروف بحكاية «حشيشة» رمضان أو ما يميزه من التشنج وسرع الغضب لأتفه الأسباب لذلك فإن السيد محسن حسان يرجح «أن يكون صيف هذا العام الذي يتزامن مع عمق ارتفاع حرارة الصيف سيكون «حامي الوطيس» خاصة مع اشكاليات الانقطاع طوال اليوم عن التدخين والأكل وخاصة الماء» لذلك يتوقع الكثيرون ارتفاع الضغط النفسي والعصبي على الإنسان في شهر الصيام. حلول ممكنة قد يفقد الإنسان تركيزه وقد يركب «أمواج الغضب الهائجة» فيضيعه ويضيّع الآخرين بمشاكل تافهة لذلك فإن الدكتور محسن حسان ينصح بضرورة الاستمتاع بالترفيه للتخفيف من الاضطرابات التي يمكن أن تحصل في النهار «كذلك» ضرورة الوعي بفضل الحالة النفسية عن حرارة الصيف والسيطرة على الأعصاب.