تونس - الصّباح: ان المتأمل في نتائج الباكالوريا لهذا الموسم، يلاحظ أن هناك اختلافا كبيرا في نسب النجاح بين الجهات.. فقد بلغت هذه النسبة في ولاية المنستير التي أحرزت على المرتبة الأولى 66فاصل 72 بالمائة.. في حين كانت في ولاية القصرين التي جاءت في المرتبة الأخيرة 43 فاصل 10 بالمائة أي بفارق قدره 23 فاصل 62 بالمائة. وبالنظر الى ترتيب نسب النجاح حسب الجهات يمكن الملاحظة أن نفس الولايات تقريبا حافظت خلال هذا العام ومقارنة بالعام الماضي على المراتب الأولى.. ونجد الولايات نفسها في المراتب الأخيرة.. وهو أمر أمكن ملاحظته منذ سنوات.. الشيء الذي يدعو إلى التساؤل عن الأسباب التي ساعدت مثلا ولايات المنستيروصفاقس والمهدية وأريانة على تصدر المراتب الأولى.. والأسباب التي جعلت ولايات القصرين وقفصة وقبلي وزغوان وتطاوين في المراتب الأخيرة.. ثم لماذا تمكنت بعض الجهات من تحسين نسبة النجاح في الباكالوريا وتحسين ترتيبها بين الولايات على غرار سليانة بمرورها من المرتبة 12 الى المرتبة 8 وقد تحصل 3 معاهد فيها على نسب نجاح تفوق 70 بالمائة (معهدان بالكريب ومعهد بمكثر)، وكذلك ولاية جندوبة بالمرور من المرتبة 22 إلى المرتبة 17 مع تسجيل أعلى معدل وطني وهو 19 فاصل 53 في شعبة الرياضيات بمعهد طبرقة.. ولماذا تراجع ترتيب جهات أخرى على غرار الادارة الجهوية للتعليم تونس 1 التي كانت العام الماضي في المرتبة السابعة فأصبحت هذا العام في المرتبة 15. فإذا كانت وزارة التربية والتكوين تفسر أسباب تحسين النتائج في بعض الجهات بوجود برامج خصوصية لفائدة المؤسسات التربوية، بتلك المناطق لتحسين مردوديتها.. فان تراجع النتائج المسجلة على مستوى الادارة الجهوية تونس 1 بنحو 8 نقاط يثير نقطة استفهام.. علما بأن الوزارة تفسر السبب بأن تونس 1 تضم أكثر من 30 معهدا خاصا أي قرابة نصف المعاهد الخاصة بتونس الكبرى، فهل أن كثرة هذه المعاهد تعد سببا كافيا لتراجع ترتيب هذه الجهة التي تمثل ثقلا تربويا كبيرا في البلاد؟ ويذكر أن رتب النجاح حسب الجهات كانت تباعا كالآتي: المنستير، صفاقس، المهدية، أريانة، سوسة، نابل، بنزرت، سليانة، مدنين، بن عروس، تونس 2 وهي الجهات التي كانت النسبة العامة للنجاح فيها أكثر من النسبة الوطنية المقدرة بنحو 55 فاصل 48 بالمائة.. ثم نجد بقية الجهات التي تقل نسبة النجاح فيها عن النسبة الوطنية وهي توزر في المرتبة 12 تليها قابس فمنوبة فتونس 1 فالقيروان فجندوبة، فباجة فسيدي بوزيد فالكاف فزغوان فقبلي فقفصة فتطاوين وأخيرا القصرين. لماذا التباين؟ عن أسباب التباين في نتائج الباكالوريا بين الجهات وأسباب محافظة جهات على المراتب الأولى منذ سنوات وأخرى على المراتب الأخيرة أجابنا خبير تربوي وأكد لنا «أن هناك نفس الجهات نجدها دائما في مقدمة الترتيب ونسب النجاح.. وفي المقابل مجموعة أخرى هي نفسها أيضا من الجهات في أسفل الترتيب وفي نسب النجاح في الباكالوريا». ولاحظ وجود شبه استقرار رغم تسجيل بعض الجهات تقدما بمرتبة أو مرتبتين أو تأخير بمثلهما.. وذكر أن هذا التفاوت وصل في سنوات ماضية الى «أن نسبة النجاح في احدى الولايات بلغت نصف نسبة النجاح في ولاية متقدمة في الترتيب». وفسّر أن ذلك يعتبر «ظاهرة هيكلية».. ويعود على حد تعبيره لوجود معطيات دائمة سواء بالنسبة للجهات الأوائل أو الجهات الأواخر.. وتتلخص القضية في أن كفاءات إطار التدريس ليست موزعة توزيعا عادلا بين الجهات.. فالجهات التي تسجل نتائج جيدة تحظى بإطار تدريس قار مقابل إطار تدريس غير مستقر في الجهات الأخرى.. كما أن الأساتذة الذين يدرسون بها يوجدون في سلم الرتب الوظيفية أساتذة أول، وأساتذة أول فوق الرتبة وفي المقابل نجد الأساتذة بالجهات التي تسجل نسب نجاح أقل من النسبة الوطنية لهم أقدمية محدودة.. أي أن الخبرة والكفاءة بالنسبة لإطار التدريس هي على حد قول الخبير التربوي «من الأمور الأقل عدلا في التوزيع». وذكر أنه يعتبر أن هذه الظاهرة هيكلية، «لأن الجهات المتضررة هي الجهات التي تعد شبه مناطق عبور.. إذ أن الأساتذة يسمون في بداية حياتهم المهنية في تلك الجهات ثم سرعان ما يطلبون النقلة متعللين ببعد مقرات عملهم عن مواطنهم الأصلية أو بظروف عملهم القاسية والبيئة الصعبة.. ثم أن بعض الولايات لا يوجد بها إطار تدريس أصيل تلك الولاية بالعدد الكافي على غرار زغوان إذ أن الكثير من أساتذتها يقطنون بالعاصمة ويتنقلون يوميا الى زغوان للتدريس. وأضاف: «يوجد سبب آخر لا يقل أهمية وهو أن هناك جهات يفضل تلاميذها الالتحاق بالشعب العلمية وأخرى يختارون الشعب الأدبية لا لشيء إلا لأن تكوينهم في المواد العلمية ضعيف من الأساس فالكثير من تلاميذ القصرين وتطاوين وقفصة يفضلون الشعب الأدبية». أي حلّ؟ من الحلول التي قدمها الخبير التربوي للحد من الهوة في نسب النجاح في امتحان الباكالوريا بين الجهات، نجد تثبيت إطار التدريس بالجهات باتباع نظام حوافز مثل المنح الخاصة، والتنفيل. كما يجب أن يبذل إطار التدريس في هذه الجهات مجهودا إضافيا في مجال التكوين المستمر وأن يكون هذا التكوين مستجيبا لحاجياتهم، كما يتعين تصنيف معاهد الجهات التي توجد في أسفل المراتب معاهد ذات أولوية تربوية وتمتيعها بتكوين إضافي وامكانيات مادية أفضل وذلك في إطار التمييز الايجابي زيادة على الاهتمام أكثر بالمديرين والاداريين وبتكثيف الحوار داخل تلك المعاهد.